قد تبوح العينان بما لا يجرؤ اللسان على إفشائه من نوايا وأسرار جوانية، فهما النافذتان المشرعتان على طقس نشرتنا النفسية. في أحيان كثيرة قد لا نكون في حاجة لكي تفشي الألسنة ما يمور في العلب السوداء لنفوسنا من طقوس الرضا والفرح أو القلق والتوجس أو الانتظار والترقب أو الصحة والمرض، تلك هي حقيقة فراسة عيوننا التي تخفي لغتها السرية الخاصة سواء كانت مكشوفة للعيان أم متخفية خلف نظارات طبية.
فالعيون تتكلم ولها لغة موحَّدة يفهمها كل الناس مهما كانت أوطانهم وأجناسهم وألسنتهم.. لغة تفوق الوصف وتتعدى التعبير بل تتخطى حتى الإشارات، وقد تكلم بها أمير الشعراء فقال:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت *** عيني في لغة الهوى عيناك
ولغة العيون هي الأقوى تعبيرًا والأسرع في توصيل الرسالة إلى الإنسان، لذلك من المهم جدًّا أن يتطلع الفرد في عين محدثه ليقنعه بالصدق في حديثه، كما أنه يمكن من خلال النظر في العيون الكشف عن الكذب في عيني الإنسان الذي تتحدث معه.
وتؤكد الدراسات أن العين تكشف الكثير من الأسرار بمجرد النظر، حيث إن كل حركة أو نبضة أو إشارة أو نظرة عين هي أشبه بالإشارة اللاسلكية، قد تكون هذه الإشارة قوية أو ضعيفة، والأمر يعتمد على جهاز الاستقبال لدى الشخص الآخر. لذلك لم يردد الناس منذ سنين البيت الشعري: نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
للشاعر الكبير «أحمد شوقي» مصادفة، ولم يحفظ في قلوبهم وأذهانهم عبثًا، بل لأنهم كانوا على يقين بأن الحب يولد من النظرة الأولى، وأن العيون هي مفتاح القلب، وباب الولوج إليه.
وكما أن للسان لغات، فللأعين لغات أخرى، فأحيانًا ترى أشخاصًا تحبهم بعد طول غياب فترى في أعينهم فرحة اللقاء وكما يقال “عيناه ترقص من الفرحة”، وأحيانًا أخرى تقابل أشخاصًا يحاولون مجاملتك بابتسامة صفراء لكن أعينهم تفضحهم وتبدي ما يخفون، كذلك هناك بعض الأصدقاء لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم شفاهة، لكن ذوي المشاعر المرهفة يفهمونهم من أعينهم. وقديمًا قال الإمام الشافعي عن صاحبه وحبيبه: مرض الحبيب فعدته فمرضت من حزني عليه *** جاء الحبيب يزورني فبرئت من نظري إليه.
وأخيرًا: فإن لغة العيون لغة موحدة يفهمها كل الناس مهما كانت أوطانهم وأجناسهم وألسنتهم، فلنحرص على تعلمها.