تغيرت حياة ملايين البشر على كوكب الأرض بين يوم وليلة، وتغير نمط معيشتهم بالكامل… فمع إعلان منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من شهر مارس من هذا العام تحول فيروس كورونا المستجد إلى جائحة عالمية، وقامت عشرات الدول بإعلان حظر التجول والغلق الكلي أو الجزئي لمؤسساتها، وفرض حالة الطوارئ، كما فرضت كبرى الشركات العالمية مثل أمازون وجوجل على موظفيها البقاء والعمل من المنازل Working at Home، وصار ملايين البشر في وضع أشبه بالإقامة الإجبارية.. لا يخرجون إلا بتصريح للذهاب لقضاء مصالحهم المحدودة.. كالذهاب لشراء الاحتياجات الأساسية من السوبر الماركت، أو الذهاب إلى صيدلية أو مخبز، وغيرها من المشاغل اليومية. ويبدو – دون تزيد- أن عام ٢٠٢٠ سيكون إحدى المحطات البارزة في تاريخ البشرية المعاصرة، وأن ما ظهر من تأثيرات الوباء ومن أحداث العام، هو ذروة جبل جليد عائم، تغطى المياه وتخفى منه ما تحت القمة.
وعلى الرغم من معاناة الكثير من البشر في أنحاء العالم نتيجة الظروف الراهنة، من قيود على الحركة والتنقل والسفر، وآثار اقتصادية نتيجة ظروف الغلق والحظر التي فرضتها الدول، وآثار سياسية وثقافية واجتماعية، وتوقف العديد من الأنشطة والفاعليات، والآثار النفسية لما تروجه وسائل الإعلام حول المرض، وأرقام الإصابات والوفيات، إلا أنه على الرغم من ذلك هناك فوائد أيضًا لا يمكن إنكارها، كتزايد التقارب الأسري نتيجة إجراء الحجر المنزلي، والتفاف أفراد الأسرة معًا، وعلى المستوى العالمي زاد الشعور بالحاجة إلى التضامن بين البشر في مواجهة ذلك العدو الشرس فقد سقطت مقولة الخلاص الفردي. لذلك سيحاول هذا المقال تناول فيروس كورونا، وآثاره، وإجراءات مواجهته، والفوائد المتحققة من الوضع الراهن على الرغم من قسوة الوضع الحالي.
آثار جائحة كورونا على العالم:
تكمن خطورة جائحة كورونا في قدرته على الانتشار السريع، وأنه يصيب جميع الفئات العمرية من بني البشر، وإن اختلفت تأثيراته بحسب المرحلة العمرية والحالة الصحية للفرد، وتشير الإحصاءات أن 40% من حالات الإصابة بالمرض في الفئة العمرية من 20 سنة إلى 40 سنة، في حين أوضح أنتونى فيوس Anthony Fuce رئيس المؤسسة القومية للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكية أن فيروس كورونا أخطر بعشر مرات من فيروس الأنفلونزا.
ومن أبرز تأثيرات جائحة كورونا أنها جعلت العالم كله في نفس الموقف، وتأثرت غالبية القطاعات بالفيروس، فوفقاً لمنظمة اليونسكو هناك (100) دولة أغلقت مدارسها ومؤسساتها التعليمية، وأجبر (862) مليون طالب على مستوى العالم على البقاء في منازلهم.
الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي كإجراءات للمواجهة
يعد الحجر المنزليStaying at home أفضل إجراء في مواجهة انتشار الفيروس السريع، وذلك وفقًا لدراسات وتقارير منظمة الصحة العالمية والجهات الصحية في دول العالم، وممارسة التباعد الاجتماعي Social Distancing، وغسل اليدين بالصابون والمعقمات بصورة مستمرة.
ويعرف قاموس “ويبستر” التباعد الاجتماعي على أنه ممارسة تهدف للحفاظ على مسافة جسدية أكبر من المعتاد عن الأشخاص الآخرين، أو تجنب الاتصال المباشر بالأشخاص أو الأشياء في الأماكن العامة أثناء تفشي مرض معد، من أجل تقليل الإصابة به أو انتقال العدوى.
وتؤكد إليسا إبل، الأستاذة ونائبة الرئيس في قسم الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أن التباعد الاجتماعي “يساعدنا على التأقلم والتكاتف معًا من أجل إبطاء انتشار الفيروس، خاصة إذا تمكنا من إدارته بشكل جيد، وضرورة أن نركز على أفضل ما لدينا وأن نكثف الحديث عن الأشياء الإيجابية والهادفة التي تحدث الآن”.
وتؤكد إبل أن التباعد الاجتماعي “يشكل فرصة للتفرد بالذات ومنحها قسطا من الراحة وممارسة الأنشطة المنزلية التي كان الإنسان يتوق لها خلال انشغالاته اليومية العادية”، وفق ما ذكر موقع “يو إس نيوز” الأميركي. (سكاى نيوز، 2020)
هل هناك فوائد للوضع الراهن؟
على الرغم أن معاناة الكثيرين من طول فترة الحجر المنزلي وتقييد حريتهم في الانتقالات، والسفر، وما يسببه لهم من آثار نفسية سلبية إلا إنه في المقابل هناك فوائد إيجابية أثبتتها الدراسات والأبحاث لا يجب أن نتجاهلها:
1- توفير الوقت المنقضي في ارتياد المواصلات والانتقالات للذهاب للعمل أو للتعليم، فوفقًا لدراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المواطن الأمريكي قد قضى زمن (225) ساعة في عام 2018 في الذهاب للعمل والعودة منه من خلال وسائل النقل والمواصلات.!
كما أشار تقرير “جالوب” لبيئة العمل الأمريكية أن الموظفين عندما يعملون من منازلهم لمدة ثلاث أو أربع أيام يزداد تحمسهم للعمل، وتزداد نسب الإنتاجية.
وتأتي تلك النتائج خصوصًا مع الوضع في الاعتبار أن جهات العمل لجأت إلى إلغاء المهام الروتينة، والاجتماعات الغير مجدية، كما بدأ الكثير من المفكرين في الدعوة إلى تبنى نظام الدخل العالمي الموحد Universal Basic Income وتوزيع الدخل على الناس بغض النظر عن وظائفهم وأعمالهم، في ظل تلك الأوضاع الحالية.
2- من النتائج الإيجابية للأوضاع الراهنة هو تنبه دول العالم إلى الحاجة إلى زيادة ميزانيات القطاع الصحي، وتجسين أوضاع الظروف الحياتية؛ فالكثير من دول العالم اضطرت إلى دفع ثمن ما قامت به من إجراءات تقشفية في الإنفاق على القطاع الصحي.
3- تحسين بيئة كوكب الأرض نتيجة توقف شركات الطيران، وتقليل معدلات حركة وسائل المواصلات والانتقالات، فقد رصدت الصور التي التقطتها وكالة ناسا تقليل معدلات الغازات النتروجينية، مثلاً فدولة الصين قلت الانبعاثات النتروجينية بنسبة 25%، وطبقاً لجامعة ستانفورد الأمريكية فإن هناك مليون مواطن صيني يموتون سنوياً نتيجة تلوث الهواء، وأنه مع تقليل تلك الانبعاثات فستتاح الفرص لآلاف الصينين للنجاة والحياة واستكمال حياتهم.
4- أثبتت معايشة التجربة الحالية أن البشرية لكها في مواجهة عدو شرس، ضخم التأثير.. لا يفرق بين دولة وأخرى سواء متقدمة أم نامية، وقد أثبتت التجربة وهم أسطورة النجاة الفردية، فالعالم كله في سفينة واحدة، وسلامة أثرى الأثرياء فى الولايات المتحدة الأمريكية يعتمد على سلامة أفقر الفلاحين فى الصين مثلاً، ولا شك أن الوضع الحالى يوضح بصورة جلية أهمية التضامن والترابط بين البشر، ووجود عدو خارجي هو أقوى عامل للاتحاد بين البشر والمشاركة فى التصدي له.
5- أتاح الحجر المنزلي لآلاف البشر الجلوس في منازلهم وبين عائلاتهم، والتواصل مع أفراد الأسرة بصورة أعمق وأقوى نتيجة طول الفترة المنقضية فى المنزل، كما أتيح للملايين عبر العالم قضاء الوقت في الهوايات المفيدة كالقراءة، والتعلم، والالتحاق بمواقع التعلم الالكتروني، وتحقيق الكثير من الإنجازات على المستوى الفردي.
ختامًا، إن كل منا جندي فى المعركة ضد كورونا، ولا بد أن نعمل كأفراد على الالتزام بالقواعد والإجراءات السليمة، كممارسة الحجر المنزلي، والحرص على تعقيم اليدين باستمرار بالماء والصابون، وفي حال الخروج من المنزل لتلبية أحد متطلبات الحياة اليومية فلا بد من ممارسة التباعد الاجتماعي، وعدم مصافحة الآخرين، أو معانقتهم، أو تقبيلهم، واستخدام المعقمات، وفي حال الوجود فى أماكن مغلقة لا بد من ارتداء الكمامات.
كما يجب علينا كآباء وأمهات أن نحاول بث الاطمئنان بين أفراد الأسرة، وألا نفرط فى متابعة أخبار المرض عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، كام يجب علينا متابعة أوضاع أبنائنا ومدى تأثير أخبار المرض عليهم، وعلينا أن ننتهز الفرصة لنقترب منهم أكثر ولنشاركهم المشاعر والعواطف، وأن نغرس فيهم الثقة فى أن ذلك الوضع مؤقت وأن الحياة ستعود إلى طبيعتها، وأن هناك عشرات الأبحاث والدراسات التي تجري لإيجاد الدواء واللقاح في مواجهة المرض، وأن نحرص على متابعتهم لتعليمهم، وأن نشاركهم فى ألعابهم، وكذلك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وان نحرص على تنظيم أوقاتهم، وإشعارهم بضرورة استغلال الوقت في القيام بكل ما هو مفيد، وحتى تتحول تلك المحنة إلى منحة نستفيد منها ومن الدروس التي تحملها في جوانبها.
المراجع
- اليونسكو (2020): اضطراب التعليم بسبب فيروس كورونا المستجد، https://unesco.org
- عبد السلام الزغيبي (2020): الحياة فى زمن كورونا، بوابة الوسط، 30/4/2020.
- موقع قناة سكاي نيوز (2020): ماذا يعني إعلان منظمة الصحة العالمية “كورونا” وباءً عالمياً؟ https://www.skynewsarabia.com