في صالة الانتظار تتردد الأسماء، بين المغادرة والبقاء، كاد قلبه ينخلع من صدره حينما سمع اسمه: أحمد طه ؟ّ.
– تمام يا فندم.
– ستكون آخر المغادرين من الصالة، انتظر.
يسأل أحدهم: وما معنى آخر المغادرين، هل قبلت في الوظيفة أم لا؟.
ينظر إليه في تبرم ثم يتركه ويذهب.
يقلب في الأوراق التي يحملها بين يديه، ينظر في وجوه من حوله؛ لباسهم، أناقتهم، هواتفهم، يرن هاتفه، يخجل من الحديث فيه، يغلق الخط ثم يدسه في جيبه، يقف أمام زجاج النوافذ ليرتب ملابسه، يتأكد من شكله، يسأل: هل يرقى بي للحاق بركبهم ؟!.
تتتابع الأسماء؛ لإجراء المقابلة، وظيفة في السفارة في أكبر دول العالم، لا يزال يردد أسئلته: تُرى ما المعايير الموضوعة لاختيار صاحب الحظ؟.
يعيد النظر في وجوههم، لباسهم، هواتفهم، نظراتهم له، يعود بذاكرته، يتذكر عناء سنواته الماضية، يناجي نفسه: إيانا أحق بهذه الوظيفة؟.
تقل الأنفاس في القاعة، تنظر إليه الفتاة المرشدة إلى اللجنة في تأمل، يأتيه اسمه من بعيد: أحمد طه؟.
– معك سيدي.
– تفضل مع الآنسة.
خطوات ينقصها الثقة، تقترب منه الفتاة أكثر، بصوت منخفض تلقنه التعليمات: كن واثقًا، ملكًا على هؤلاء، تيقن أن خسارة اليوم هى ربح الغد.
تزيده كلماتها قلقًا، في تمهل يسألها: ولماذا كل ربح ندفع ضريبته خسارة مسبقة؟.
تدفع الباب أمامه وهى تردد كلماتها: سيجيبك هؤلاء عن سؤالك.
يفاجئه أوسطهم: ما آخر بلد عربي زرته ؟.
– لم أغادر بلدي من قبل.
– إذن أنت لا تملك جواز سفر.
– نعم، لا أملك.
– أكيد المانع لذلك إما الانشغال بالدراسة، أو الحب الزائد لبلدك.
– بهدوء يجاوبه: أملك بالكاد حق تذاكر المترو؛ لأذهب إلى جامعتي.
– إذا طلبت منك إخراج ما في جيبك فماذا أجد؟.
– بهدوء: ستجد بطاقتي الشخصية، وعددًا من الجنيهات تكفيني للعودة، ودفتر صغير أدون فيه ملاحظاتي، لن تجد أكثر من ذلك.
يعلم ماذا يقصدون، يبحثون عن أرصدة البنوك، والعائلة، والرجل الكبير الذي دله على هذا المكان؛ فمثله لا يأتي وحيدًا.
يفتح الثلاثة الملفات الملقاة أمامهم، حياة حافلة بالإنجازات؛ شهادات علمية، دورات، لغات متعددة، جوائز حصل عليها.
” مثل هذا لا يُترك ” يردد كبيرهم جملته ثم يغلق ملفه.