إن من الناس ناسًا اختارهم الله ليكونوا قمح هذه الإنسانية؛ ينبتون ويحصدون ويطحنون ويعجنون ويخبزون؛ ليكونوا غذاء للإنسانية في بعض فضائلها، وكأن الله أجرى في أعراقهم دم نبي يقتل أو يصلب.
هؤلاء الثلة المصطفاة من الخلق هم الذين لا تظلم نفوسهم في حلكة البأساء الداجية، ولا تدليهم المسكنة إلى حضيضها الأرعن، ولا تدقهم رحى الضر إذا دارت عليهم.
هؤلاء هم أصحاب الإيمان الصحيح الذي خالطت بشاشته أرواحهم فأعطوا الله الرضى من القلب؛ ثقة بوعده ورجاء لما عنده، فوهبهم الله نفوسا راضية مرضية تقول لمصائبها وهي مطمئنة: نعم.
وتقول لشهواتها وهي مطمئنة: لا.
وإنما مثل هؤلاء كمثل الشجرة الخضراء تبتلى باليبس في بعض أوقاتها، غير أن لها فطرة مستقرة في داخلها تمسك عليها يقينها بتغير الحال، وإن كان ظاهرهًا إعلانًا ظاهرًا لفأس المستدفئ.
جعل الله القارئ والكاتب من هذا النمط الأعلى