شعائر العبادات في الإسلام مؤسسة على مبادئ ومقاصد حيوية شاملة لكل مقومات البناء الإسلامي لحياة الإنسان الدنيوية والأخروية في كل المجالات، ولو حولنا وعينا بهذه الأبعاد الحيوية إلى واقع مشهود لاستقام حال المجتمع الإسلامي وتحققت سعادة الأمة الإسلامية، وتحقق مراد الله تعالى فيهاقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج-32)، والقصد من العبادات هو التقرب إلى الله تعالى كما يقول العز بن عبد السلام : “يعني التقرب إلى الله عز وجل: القرب من وجوده وإحسانه المختصين بعبادة المؤمنين، وأن يعامل المتقرب إليه معاملة من تقرب إليه بالطاعة والتعظيم، والخضوع والتفخيم، وإلا فالقرب من ذاته محال، لأن القرب والبعد من صفات الأجسام”. وقال تعالى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (المطففين 28).
الحج هو الركن الوحيد الذي تجتمع فيه المعاني الكبرى للدين الإسلامي، وتتحقق فيه مقاصد الإسلام كلها، ومنها المقاصد العقدية والتربوية.
والحج من العبادات المعظمة في الإسلام، التي تعد مدرسة متعددة التخصصات المتعلقة بحياة الإنسان، يستلهم منها المسلم دروسًا خالدة ومعاني سامقة، فهو يعني الخضوع لله وحده والانقياد لأداء مناسكه عمليًّا وفكريًّا وعقليًّا فالحج ليس طقوسًا تنفذ هنا وهناك دون استحضار لمعانيه ومقاصده البعيدة والقريبة، فقاصد الحج يترك الأهل والديار ويتوجه إلى بيت الله الحرام، في ضيافة الرحمان ليؤدي ركن الإسلام الخامس، حيث يقف على حقيقة قصة الإنسان في الوجود والمهمة التي من اجلها خلق، ومن ثم يستطيع الإنسان أن يحقق مراد الله تعالى ويفوز الإنسان بالجنة، حيث يقول: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
المقاصد العقدية والتربوية للحج
الحج هو الركن الوحيد الذي تجتمع فيه المعاني الكبرى للدين الإسلامي، وتتحقق فيه مقاصد الإسلام كلها، ومنها المقاصد العقدية والتربوية، فشعار الحج لبيك اللهم لبيكوهو شعار التوحيد، وهذا يعني تربية النفس على توحيد الله واخلاص العبادة له. ووحدة العقيدة هي التي تجمع بين الشعوب والأمم والتي تقضي على عوامل التفرق مهما كانت، فالعقيدة الإسلامية هي التي وحدت القبائل العربية في الجزيرة العربية، بل وحدت بين العرب وغيرهم تحت راية التوحيد، وهذا المبدأ يترسخ أكثر في الحج، فحين يقف المسلم أمام بيت الله الحرام يستحضر عظمة الخالق عز وجل في خلقه وهو يرى الأجناس البشرية مختلفة في الألوان والأشكال واللغات تطوف بالبيت العتيق ملبية ومعظمة للكعبة المشرفة، فيزداد ايمانه بخالقه، ومن ثم يستحضر رقابة الله تعالى له في كل زمان ومكان.
والحج من العبادات المعظمة في الإسلام، التي تعد مدرسة متعددة التخصصات المتعلقة بحياة الإنسان، يستلهم منها المسلم دروسًا خالدة ومعاني سامقة، فهو يعني الخضوع لله وحده والانقياد لأداء مناسكه عمليًّا وفكريًّا وعقليًّا فالحج ليس طقوسًا تنفذ هنا وهناك دون استحضار لمعانيه ومقاصده البعيدة والقريبة.
وهكذا تبدأ عملية البرمجة العقلية والنفسية والروحية التي تهيء الإنسان إلى التربية العقدية فحين يرتدي ملابس الإحرام، يتجرد من كل متعلقاته ويتذكر منازل الآخرة، وتجتمع الأجناس البشرية على صعيد واحد في عرفة لا يملكون من الدنيا إلا ما يواري سوءتهم، تخلوا طواعية عن كل شيء، يطلبون من الله تعالى المغفرة والرضا، وهذا الموقف يذكرهم بيوم الحشر والحساب، والفرق بين ساحة عرفات وساحة الحشر أن الأولى ساحة جاءها الإنسان طواعية لأجل الامتحان، والثانية جاءها قهرًا لأجل اظهار نتائج الامتحان.
فأعمال الحج تتحقق فيها أصول الإيمان الستة، بداية من الإيمان بالله تعالى إلى الإيمان باليوم الآخر، فقد وعد الله عباده المستجيبين لندائه شهود منافع مطلقة، لا حصر لها، ومنها المنافع الاعتقادية الإيمانية التي قد آمن بها دون أن يشهدها افتراضيًّا، فحين يؤدي مناسك الحج يشاهد آثارها الواقعية من الإيمان بالله من خلال بيته العتيق، ثم الإيمان بالكتب والملائكة والرسل، فهذا المكان المقدس هو الذي نزل فيه القرآن الكريم على النبي محمد عليه الصلاة والسلام من خلال الوحي جبريل عليه السلام.
القرآن يؤكد على مفهوم الأمة الواحدة التي تتعايش وتتكيف مع بعضها، والوحدة الإسلامية ليست مجرد مقاصد أو غاية، بل هي جوهر الإسلام القائم على التوحيد ومظاهرها واضحة جلية في جميع أركان الإسلام، وبالأخص ركن الحج، حيث نجد جموع الحجاج وهي تنادي بأعلى صوتها ملبية داعية للوحدة، فالمسلمون يجتمعون على صعيد واحد من بلدان شتى دون تمييز بين غنيهم وفقيرهم.
قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج 27-28)، الإنسان وهو ينظر إلى بيت الله الحرام يتذكر النبي ابراهيم عليه السلام وهو يبني قواعد البيت قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(الحج 26)، فبناء البيت ورفع قواعده يتلازم مع اقرار التوحيد، ونبذ الشرك بأنواعه، وهذا يعني تربية الضمير على التوحيد ومراقبة الله تعالى في الأقوال والأفعال، مما يؤدي ذلك إلى الالتزام التام والتحلي بالسلوك الحسن والقيم الفاضلة تلك هي المنافع الاعتقادية والتربوية التي يستفيد منها الحاج من خلال أداء مناسك الحج.
مبدأ وحدة الأمة الإسلامية
الوحدة الإسلامية أصل من أصول الشريعة الإسلامية، قال تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92)، فالقرآن يؤكد على مفهوم الأمة الواحدة التي تتعايش وتتكيف مع بعضها، والوحدة الإسلامية ليست مجرد مقاصد أو غاية، بل هي جوهر الإسلام القائم على التوحيد ومظاهرها واضحة جلية في جميع أركان الإسلام، وبالأخص ركن الحج، حيث نجد جموع الحجاج وهي تنادي بأعلى صوتها ملبية داعية للوحدة.
أعمال الحج تذكرنا بالوحدة الإسلامية بداية بالإحرام وانتهاءً بطواف الافاضة، فترى الحجاج وقد جاؤوا من كل فج عميق، لمقصد واحد إنه طلب المغفرة، والتقرب إلى الله بأداء ما افترضه عليهم، تحت لواء واحد.
فالمسلمون يجتمعون على صعيد واحد من بلدان شتى دون تمييز بين غنيهم وفقيرهم، وعربيهم وعجميهم، يعبدون إلهًا واحدًا، ويقتدون بنبي واحد، وقبلتهم واحدة، وهدفهم واحد، وتلبيتهم واحدة، في مكان وزمان واحد إنها الوحدة بكل معانيها التي تقتضيها الأخوة في الدين والتي جمعتهم في مكان واحد، يقفون في الصلاة صفًّا واحدًا، على قلب رجل واحد.
وحدة الهدف والمصير
أعمال الحج تذكرنا بالوحدة الإسلامية بداية بالإحرام وانتهاءً بطواف الافاضة، فترى الحجاج وقد جاؤوا من كل فج عميق، لمقصد واحد إنه طلب المغفرة، والتقرب إلى الله بأداء ما افترضه عليهم، تحت لواء واحد، إنه الإسلام وشعار واحد “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك” وهكذا يجب أن يكون المسلمون في هدفهم وشعاراتهم فكل شعار سوى الإسلام باطل، وكل مقصد لا يخدم الإسلام مردود على صاحبه، تلك هي الحقيقة الغائبة عن تفكيرنا وواقعنا، فغالبية الحجيج يحجون بالملايين كل عام يؤدون المناسك على خالية من مقاصد الحج ومعانيه الروحية وفوائده ومنافعه، ثم يرجعون إلى بلدانهم المتفرقة المتناحرة لأسباب واهية حول الحدود الجغرافية أو لأسباب سياسية وأخرى مذهبية أو مصلحية، وكلها مصطنعة ومفبركة، وحتى بين الأسر والمجتمعات في البلد الواحد لم تتحقق الوحدة بسبب الخلافات والنزاعات، في حين نجد الأمم الأخرى تحقق الوحدة بالرغم من اختلاف في الديانات واللغات، فيتفقون على مصالح مشتركة. إذن فالوحدة أصبحت مطلبا ملحا لجماهير الأمة الإسلامية لأجل النهوض وتحقيق وحدة الهدف والمصير ليكون لها موقع بين الأمم الأخرى.
وحدة تتحقق بالتعارف
جاء الحجاج من بلدان وقبائل شتى، في مكان واحد جمعتهم أخوة الإسلام، والتعارف بينهم أمر حتمي وإن كانوا من بلد واحد نظرًا لوحدة المكان، وطول المقام، وبهذا التعارف تزداد روابط الألفة والأخوة بينهم، وكثيرًا ما يمتد هذا التواصل إلى ما بعد العودة إلى ديارهم، حيث تتواصل مراسلات البر والمعرفة، وتزداد روابط المحبة بينهم، وهذا من مقاصد الإسلام.
الوحدة الإسلامية ليست مجرد مطلب أو غاية بل هي جوهر الإسلام ، وتكمن أهمية ذلك في كونها شرط النصر والتمكين للدين الإسلامي، ولأنها مصدر قوة المسلمين..
ومن منافع الحج الدعوة إلى التعارف، باعتباره شعور يدل على أننا أمة واحدة وإن اختلفت الأوطان واللغات والألوان، عندما يتعرف العربي بالأعجمي يستشعر معنى الأمة التي تجمعهم كلمة التوحيد، والتعارف يعمل على تبادل المنافع والخبرات بين المسلمين في شتى الميادين العلمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وفي النهاية يتحقق بناء الحضارة والتطور والتقدم لكل بلد من البلدان الإسلامية، ونقل قضايا الأقليات المسلمة التي تعاني الظلم والأزمات وهذا يفضي إلى احساس المسلم بأخيه المسلم الذي يعاني الاضطهاد أو الفقر أو الحاجة، ومن ثم التعاون على البر والتقوى.
لماذا الوحدة الإسلامية وكيف تتحقق؟
الوحدة الإسلامية ليست مجرد مطلب أو غاية بل هي جوهر الإسلام، وتكمن أهمية ذلك في كونها شرط النصر والتمكين للدين الإسلامي، ولأنها مصدر قوة المسلمين، ولا قيام لمصالح المسلمين في الدنيا والدين إلا بوحدتهم واجتماع كلمتهم على الحق، وبالوحدة تستطيع الأمة الإسلامية أن تبني حضارتها وهي حضارة العلم والإيمان والنهضة الحيوية الشاملة، وبذلك تصبح لها مكانة بين الأمم الأخرى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وإذا أردنا أن نحقق الوحدة يجب أن نُفّعِل مقومات الوحدة في العقيدة والعبادة، ونتفق على القواسم المشتركة، وننصر قضايا الأمة، ونتعلم من الحج كيف نتحد، وننسى الخلافات، ونجتمع على كلمة واحدة ونعتصم بحبل الله المتين كما قال تعالى.