البصمة هي الخاتم الإلهي الذي يتميز به كل إنسان عن غيره، إذ لكل إنسان بصمته الخاصة به؛ في صوته، ورائحته، وعينه، وأذنه، ويده، وقدمه، وشفته، ودمه، وشعره، وغيرها . ولكن كيف تتشكل هذه البصمات؟ كيف تتنوع الوجوه والأجسام؟ وكيف تتباين الألوان والصفات؟
إن بصمة العين التي اكتشفها الأطباء منذ عدة سنوات، وتستخدمها الولايات المتحدة وأوروبا حاليًّا في المجالات العسكرية، هي أكثر دقة من بصمة أصابع اليد.
1 – بصمة الإبهام
بصمة الإبهام هي خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات ، وتعلو الخطوط البارزة فتحات للمسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوى وتتفرع منها تغصنات وفروع، لتأخذ في النهاية – وفي كل شخص – شكلاًمميزًا . وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم حتى التوائم المتماثلة التي أصلها في بويضة واحدة . وهذه الخطوط تترك أثرها على كل جسم تلمسه، وعلى الأسطح الملساء بشكل خاص.
تتكون بصمة الإبهام لدى الجنين في الأسبوع الثالث عشر (الشهر الرابع) وتبقى إلى أن يموت الإنسان، وإذا حفظت الجثة بالتحنيط أو في الأماكن الثلجية، تبقى البصمة كما هي آلاف السنين دون تغير في شكلها، وحتى إذا ما أزيلت جلدة الأصابع لسبب ما، فإن الصفات نفسها تظهر في الجلد الجديد. كما أن بصمة الرجل تختلف عن بصمة المرأة، ففي الرجل يكون قطر الخطوط أكبر منه عند المرأة، بينما تتميز بصمة المرأة بالدقة وعدم وجود تشوهات تقاطعية.
ومن الذين اهتموا بدراسة البصمات، الباحث الألماني (ج. س. أ . مايو) – الذي أعلن بعد ذلك -في عام 1856- أن الخطوط البارزة في بنان الإنسان تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل منذ ولادته وحتى وفاته. ودلل على قوله هذا بتجربة عملية؛ إذ أخذ طبعة بنانه الأيمن ثم عاد بعد مضي أربعين عامًا وأخذ طبعة نفس البنان ثانية، فوجد أنه لا يزال كما هو لم يطرأ عليه شيء من التعديل أو التغيير.
بصمة الإبهام واستخدامها في الجريمة: لقد قام العلماء بتصنيف البصمات، بما فيها من منحنيات وخطوط وثنيات ومنخفضات ومرتفعات، إلى أصناف عديدة، وجمعوها تحت أنواع رئيسة تتفرع عنها أنواع فرعية، وذلك لسهولة تتبعها. وحين تُعرض عليهم بصمة ما، فإنهم بذلك يستطيعون أن يرجعوها إلى ما لديهم من أنواع، وبذلك يعرفون صاحبها بسهولة، فإن كان مشتبهًا في جريمة ما، كانت دليلاًقويًّا عليه لا يمكن إنكاره، فهو صورته الشخصية وجسده الحي في مكان الجريمة.
وقد اختُلف في عدد العلامات اللازمة التي يجب توافرها للمقارنة بين البرمجة المطبوعة الحقيقية من بلد إلى آخر، إلى أن جاء مؤتمر 1967 الدولي في باريس في نوفمبر، حيث تم الاتفاق على توحيد عدد العلامات في مختلف دول العالم باثنتي عشرة علامة مميزة، حتى لا يتاح للهاربين الإفلات بسبب الاختلاف العددي لأخذ البصمة من دولة لأخرى.
ابتكر “لورانس فارويل” تقنية جديدة تعرف باسم “بصمة المخ” التي يمكن أن يتحدد من خلالها مدى علم المشتبه به بالجريمة، مما يمكِّن المحققين من معرفة مرتكبي الجرائم.
وجاء في كتاب “الطب الشرعي” للأستاذ زياد درويش: “ولكي نقرر أن البصمتين تعودان لشخص واحد، يجب أن تتفقا في الشكل (أقواس، منحدرات) وفي شكل الزاوية والمركز، وفي السعة، وفي وجود أي آثار لجروح أو ندبات، وفي الصفات الفرعية للخطوط المكونة للبصمة من حيث بداية هذه الخطوط وانتهاؤها وانحرافها وتفرعها أو اندغامها في خط آخر، أو تكون جزرًا في طريق الخط، ويكتفى غالبًا بوجود اثنتي عشرة نقطة اتفاق للقول بأن البصمتين متماثلتان وإن كان الحصول على عدد أكبر من نقاط الاتفاق ممكنًا في أكثر الأحيان”.
وقد قدّر “غالتون” أن هناك أقل من فرصة واحدة من لوجود بصمة واحدة من 64 مليارًا مطابقة للأخرى، وهذا الرقم بالطبع أضعاف عدد سكان الكرة الأرضية في يومنا هذا. وقد جاء في الموسوعة البريطانية أن البصمات تحمل معنى العصمة – عن الخطأ- في تحديد هوية الشخص، لأن ترتيب الأثلام أو الحزوز في كل إصبع عند كل إنسان، فريدة ليس لها مثيل ولا تتغير مع النمو وتقدم السن.
2 – بصمة الجينات
البصمة الجينية لا يمكن محوها ولا يمكن رؤيتها إلا بعد استخدام وسائل غاية في التعقيد. وهي بصمة تعكس -بشكل ما- شخصية صاحبها، وتحدده وتميزه عن سائر البشر. وعند مقارنة ترتيب المناطق المذكورة بسلاسل الحمض النووي المأخوذ من الأب ومن الأم، فإنه يمكن ببساطة تحديد المناطق القادمة من الأب والمناطق القادمة من الأم، وبالتالي يمكن الجزم بأن الحمض النووي للأب والحمض النووي للأم رغم الاختلاف البين بين تسلسل المناطق المصبوغة على سلاسل الأحماض الثلاثة (الأب والأم والابن).
إن دراسة ” البصمات الجينية” فتحت مجالات عديدة للبحث ما زال معظمها في أول الطريق، فهناك علاقتها بالأمراض الموروثة والمكتسبة، وعلاقاتها بالمناعة وقدرة الجسم على مقاومة مختلف التحديات، وهناك علاقتها بشخصية الإنسان وقدراته العقلية والجسدية، واستعداداته النفسية وغير ذلك مما يصعب حصره. وكلما بدأ البحث في مجال، بدت للباحثين مجالات أخرى كثيرة.
3- بصمة العين
إن بصمة العين التي اكتشفها الأطباء منذ عدة سنوات، وتستخدمها الولايات المتحدة وأوروبا حاليًّا في المجالات العسكرية، هي أكثر دقة من بصمة أصابع اليد؛ لأن لكل عين خصائصها، فلا تتشابه مع غيرها ولو كانت لنفس الشخص.
وبصمة العين التي يمكن رؤيتها مكبَّرة 300 مرة بالجهاز الطبي عامل، تجعل للعين الواحدة بصمة أمامية يحددها أكثر من 50 وأخرى خلفية، وباللجوء إليهما معًا يستحيل التزوير. وتنقسم بصمة العين إلى:
أ- بصمة الشبكية: هي الطبقة العصبية الحساسة للعين، وتكوِّن الجزء الداخلي لجدار العين. ويرى الناظر والمدقق لمسار الأوعية الدموية بالشبكية، أنها تختلف من شخص لآخر في شكلها ومكانها وفي تفرعاتها وكذلك تفرعاتها الثانوية، وليس ذلك فحسب بل تختلف أيضًا في نفس الشخص . فمسار الأوعية الدموية للشبكية في العين اليمنى تختلف عن العين اليسرى، هذا في العين الطبيعية. ناهيك عن أن كل عين تختلف عن الأخرى من حيث حجمها وقوة إبصارها، وهذا أيضًا يوسع دائرة الاختلاف بين العينين؛ فهذه عين حجمها صغير مصابة بطول نظر، وتلك عين حجمها كبير مصابة بقصر نظر.
بــ – بصمة القزحية: لقد اجتذبت العيون عالم الحاسوب، فـ” جون دوجمان ” من جامعة كمبردج البريطانية، استجاب لسحرها ولكن بطريقته الخاصة، مستخدمًا آلة ساحرة أيضًا هي الحاسوب، لكشف أسرار العيون .
البصمة هي الخاتم الإلهي الذي يتميز به كل إنسان عن غيره، إذ لكل إنسان بصمته الخاصة به؛ في صوته، ورائحته، وعينه، وأذنه، ويده، وقدمه، وشفته، ودمه، وشعره، وغيرها..
وقد اعتمد “دوجمان ” على حقيقة تشريحية تقول إن القزحية، الجزء الملون في العين والذي يتحكم في كمية الضوء النافذة من خلال البؤبؤ أو إنسان العين، تتركب من نسيجين عضليين وتجمعات من ألياف مرنة، وإن هذه الألياف تتخذ هيئتها النهائية في المرحلة الجينية، ولا تتبدل بعد الميلاد.
استخدم “دوجمان ” آلة تصوير تعمل بالأشعة تحت الحمراء، صور بها توزيع هذه الألياف العضلية، ثم عالج الصور المتحصل عليها ببرنامج الحاسوب، وحول الصور بيانات رقمية (وهذه الآلة تختلف عن الجهاز الذي يستخدمه أطباء العيون في الكشف على العين). كما أجرى “دوجمان” 30 مليون عملية مقارنة بين صفات قزحيات العيون التي صورها مترجمة إلى بيانات رقمية، فلم يعثر على قزحتين متطابقتين.
الأكثر من ذلك، أن عدم التطابق ينسحب على العينين اليمنى واليسرى لنفس الشخص، والأكثر إثارة أن نظام توزيع الألياف في القزحية يختلف بين التوائم، وهذا يعني أن طريقة “دوجمان” توفر لنا وسيلة أكثر دقة من الحمض الوراثى (DNA)، ناهيك عن بصمات الأصابع في التحقق من شخصيات الأفراد.
4- بصمة العرق
لكل إنسان بصمة لرائحته المميزة التي يتفرد بها وحده دون سائر البشر. واليوم أصبح يستخدم جهاز قياس الرائحة وتسجيل مميزاتها بأشكال متباينة ومخططات علمية لكل شخص، وهي تعتمد على أن لكل شخص رائحته الخاصة التي لا تتفق مع غيره، والتي تبقى مكانه حتى بعد مغادرته لهذا المكان، وعليها قامت فكرة الكلاب البوليسية المدربة، إلى درجة أن الكلب المدرب يستطيع أن يميز بين رائحة توأمين متطابقين تمامًا . يقول البروفيسور “وولتر نيوهاوس” من جامعة إيرلانجن بألمانيا :”إن كل خطوةِ قدَمٍ عاريةٍلإنسان بالغ، تترك على الأرض كمية من العرق تقدَّر بحوالي أربعة أجزاء من بليون جزء من الجرام، ورغم ضآلتها وعجز أيّة وسيلة متاحة لاكتشافها، إلا أنها كافية لأنف الكلب المدرب لتتبع مسارها”.
5- بصمة الصوت
يقول الخبراء إن صوت الإنسان أكثر تعقيدًا مما نتصور . وحسب موقع CNN تعتبر أصواتنا فريدة أو أكثر تميزًا من بصمات أصابعنا، كما أن لأصواتنا خصائص محددة يبلغ عددها أكثر من 100 خاصية، بعضها تتعلق بسماكةِ وطولِ أحبالنا الصوتية، وشكل ألسنتنا، والجيوب الأنفية، 50٪ الأخرى تتعلق بشخصياتنا، مثل النبرة والنغمة والسرعة.
أما ولذلك يحاول العلماء اليوم استخدام الصوت بدلاًمن كلمات السر أو إثبات الشخصية، وبالتالي أصبح بإمكان أيّ شخص أن يجري أيّ معاملة -في البنك مثلاً- من خلال اتصال هاتفي فقط ، من دون استخدام أيّ كلمة سر أو بطاقة ائتمان أو تعريف شخصية، فبصمة الصوت أدق من أيّ كلمة سر.
ولقد استغل البحث الجنائي هذه البصمة في تحقيق شخصية الإنسان المعين، حيث يمكنهم تحديد المتحدث حتى ولو نطق بكلمة واحدة؛ ويتم ذلك بتحويل رنين صوته إلى ذبذبات مرئية بواسطة جهاز تحليل الصوت ” الإسبكتروجراف” ، كما بدأت البنوك في أوروبا تستخدم هذه البصمة؛ حيث يخصص لبعض العملاء خزائن، وهذه الخزائن لا تفتح إلا ببصمة الصوت.
يولد كل إنسان وينمو حاملاً بصمة أذنه المميزة والتي لا تتغير منذ ولادته وحتى مماته، ولا تتشابه بين شخصين على ظهر الأرض . توقع باحثون تغيير الإجراءات الأمنية في المطارات فيما يتعلق بتحديد هويات المسافرين.
6- بصمة الشفاة
لقد ثبت أن بصمة الشفاه صفة مميزة، لدرجة أنها لا يتفق فيها اثنان في العالم . وتؤخذ بصمة الشفاه بواسطة جهازٍ به حبر غير مرئي، حيث يضغط بالجهاز على شفاه الشخص بعد أن يوضع عليها ورقة من النوع الحساس، فتطبع عليها بصمة الشفاه، وقد بلغت الدقة في هذا الخصوص إلى إمكانية أخذ بصمة الشفاه حتى من على عقب السيجارة.
7- بصمة المخ
ابتكر “لورانس فارويل” تقنية جديدة تعرف باسم “بصمة المخ” التي يمكن أن يتحدد من خلالها مدى علم المشتبه به بالجريمة، مما يمكِّن المحققين من معرفة مرتكبي الجرائم. وتعمل تقنية فارويل الجديدة بقياسِ وتحليلِطبيعة النشاط الكهربائي للمخ في أقل من الثانية لدى مواجهة صاحبه بشيء على علم به. وعلى سبيل المثال، إذا ما عُرض على قاتلٍ جسمٌ من موقع الجريمة التي ارتكبها -لا يعرفه سواه- يسجل المخ على الفور تعرفه عليه بطريقة لا إرادية، وتسجل التقنية ردود أفعال المخ بواسطة أقطاب كهربية متصلة بالرأس ترصد نشاط المخ كموجات، وأما الشخص الذي لم يكن في موقع الجريمة فلن يظهر على مخه أي ردة فعل.
8- بصمة الأذن
يولد كل إنسان وينمو حاملاً بصمة أذنه المميزة والتي لا تتغير منذ ولادته وحتى مماته، ولا تتشابه بين شخصين على ظهر الأرض . توقع باحثون تغيير الإجراءات الأمنية في المطارات فيما يتعلق بتحديد هويات المسافرين عندما يتم استبدال البصمات التقليدية -كالأصابع ولون العينين- إلى بصمة جديدة تعتمد شكل الأذن.
ونشرت صحيفة الصنداي تلجراف البريطانية، تقريرًا بعنوان “فحص الأذن قد يكون وسيلة سليمة للتحقق من هويتك”، أشارت فيه إلى أن زمن بصمات الأصابع أو لون العينين أو الإجراءات الأمنية في المطارات، قد ينتهي قريبًا عندما يتم الاعتماد على الأذن لتحديد هويتك والسماح لك بدخول بلد ما.
هذا ويتوضح من كل ما سبق أن الإنسان كله بصمات؛ يده، قدمه، شفته، أذنه، دمه، شعره، عينه، وغيرها. وتخدم البصمات في إظهار هوية الشخص الحقيقية بالرغم من الإنكار الشخصي أو افتراض الأسماء، أو حتى تغير الهيئة الشخصية من خلال تقدم العمر أو المرض أو العمليات الجراحية أو الحوادث .
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر .