هل صادفت في يوم من الأيام -وأنت تسير في الطريق- شخصًا لا يستطيع أن يشرح لمن يحاول مساعدته ماذا يريد؟ ثم اكتشفت فيما بعدُأن كلاًّمنهما يتحدث بلغة لا يعرفها الآخر.
هذه الحالة قد يُعانيها شخص عند ذهابه لبلد يجهل لغته، فما بالك بمن يتعرض لهذه المعاناة يوميًّا، ليصل به الحال أن يخشى من النزول إلى الشارع بمفرده، والشعور بالغربة وسط أهله وداخل وطنه؟! ولكن رحمة الله التي وسعت كل شيء ألهمت بعض الأصحّاء بالتطوع لخدمة هؤلاء وكسب صداقتهم، وكانت أول خطوة بتعلم لغتهم. هذا وأقدم إليكم من واقع خبرتي بهذا العالم الصامت (عالم الصم وضعاف السمع) بعض المعلومات.
عندما نسمع كلمة ” لغة الإشارة” لأول وهلة، يخطر بالأذهان صورة الأشخاص الذين نراهم في الشوارع يشيرون بأيديهم، ولكن كيف يتفاهم هؤلاء مع الناس؟
الإعاقة السمعية
يُقصد بالإعاقة السمعية تلك المشكلات التي تحول دون أن يقوم الجهاز السمعي عند الفرد بوظيفته، أو تقلِّل من قدرة الفرد على سماع الأصوات المختلفة.
إذن ما هو الصمم؟
الصمم هو النقص الجزئي أو الكلي في القدرة على سماع الأصوات أو فهمها، ويقال للشخص ضعيف أو منعدم السمع : أصم.
إذن من هو الأصم؟ ومن هو الأبكم؟
الأصم هو الشخص غير القادر فعليًّا على الكلام، أو الشخص الذي فقد القدرة على نطق الحروف، بل هو قادر فقط على إصدار الأصوات من الحنجرة دون المرور بالأوتار الصوتية. والأبكم هو الشخص الذي يعاني من مشاكل في أعضاء إنتاج الكلام أو خلل في مراكز إنتاج الكلام في الدماغ، ولكن يكون جهاز السمع لديه سليمًا، وتكون المشكلة لديه في النطق، ويمكن التدخل للتغلب على هذه المشكلة من خلال التأهيل وعلاج النطق لدى الشخص.
من هنا ندرك أن الأصم هو من تكون لديه مشكلة في أعضاء السمع ولكن أعضاء إنتاج الكلام عنده سليمة، لذلك لا يستطيع نطق الأصوات لأنه لا يسمعها ولو سمعها لنطقها، وهذا ما لا يعلمه الكثير، لذلك فالمُسمى الأفضل هو “الصم وضعاف السمع” وليس الصم والبكم.
مستويات الإعاقة السمعية
تبدأ مستويات الإعاقة السمعية من ضعف سمعي بسيط ومتوسط إلى أن تصل لضعف سمعي شديد (حالات الصمم/عدم القدرة على السمع نهائيًّا).
ويصنَّف الصمم إلى نوعين وفقًا لوقت حدوث الإعاقة السمعية :
-1ويوصف به أولئك (Congenitale) صمم فطري خلقي الأطفال الذين ولدوا صُمًّا.
يا ليت المدارس تقيم دورات صيفية للغة الإشارة.. يا ليت المحاكم والجامعات وأقسام الشرطة والمستشفيات والمصالح الحكومية تهتم بهذه اللغة.
-2 ويوصف به (Adventitious) صمم عارض أو مكتسب أولئك الذين ولدوا بحاسة سمع عادية، ثم أصيبوا بالصمم لحظة الولادة أو بعدها مباشرة قبل اكتسابهم الكلام واللغة، أو في سن الخامسة بعد اكتسابهم الكلام واللغة، مما ترتب عليه فقدانهم المهارات اللغوية بصورة تدريجية، وذلك نتيجة الإصابة بمرض ما، أو التعرض إلى حادثة أدت إلى الفقدان السمعي. فعلى الآباء الانتباه والاهتمام بأطفالهم عند شكاياتهم حول السمع، وإلا ستكون عائقًا في حياة الطفل نفسيًّا وتعليميًّا، لأنه إذا وقع فقدان كبير في السمع – قبل سن الخامسة – تتلاشى من مخيلة الطفل الذكريات المتعلقة باللغة والكلام تدريجيًّا فيتساوى مع الطفل الذي ولد أصم.
النطق عند الصم
لا علاقة بين الإعاقة السمعية وانعدام القدرة على النطق كما وضحنا، (3 سنوات فما فوق) وبعض الصم الذين أصيبوا في مراحل عمرية متقدمة عندهم قدرة على التعبير لفظيًّا، وتطور النمو اللفظي عن طريق تدريبات التخاطب.
لغة الإشارة
عندما نسمع كلمة ” لغة الإشارة” لأول وهلة، يخطر بالأذهان صورة الأشخاص الذين نراهم في الشوارع يشيرون بأيديهم، ولكن كيف يتفاهم هؤلاء مع الناس؟
تعريف الإشارة: هي مجموعة من الإشارات اليدوية اصطلح عليها الصُم لتكون طريقة للتواصل فيما بينهم من جهة، وبين الأصم وأخيه السويّ الذي أتقن هذه اللغة من جهة أخرى.
تاريخ لغة الإشارة: تواجدت لغة الإشارة مذ أن تواجد الصم في العالم، وكانت أول محاولة لجمع مفرداتها في القرن السابع عشر ، حيث نشر “جوان بابلو بونيت ” مقالة 1620 في مدريد عام بالإسبانية بعنوان ” اختصار الرسائل والفن لتعليم البكم الكلام” ، فاعتُبر هذا أول وسيلة للتعامل مع علم الأصوات ومعالجة صعوبات النطق.
كما أنها أصبحت وسيلة للتعليم الشفهي للأطفال الصم بحركات الأيدي، والتي تمثل أشكال الأحرف الأبجدية لتسهيل التواصل مع الآخرين. ومن خلال أبجديات “بونيت” قام الأطفال الصم في مدرسة “تشارلز ميشيل ديليبي” باستعارة تلك الأحرف، وتكييفها بما يعرف الآن بدليل الأبجدية الفرنسية للصم، وقد نُشر دليل الأبجدية الفرنسية في القرن الثامن عشر، ثم وصل حتى زمننا الحاضر بدون تغيير. ولقد استُخدمت لغة الإشارة الموحدة في تعليم الصم في إيطاليا وغيرها بعد ذلك.
معلومات لا بد منها: هناك بعض المعلومات يجب أن نعلمها عن لغة الإشارة بشكل عام وهي:
- هذه اللغة تستخدم في كثير من بلدان العالم وإن كان يوجد بعض الاختلافات من بلد لآخر بسبب التوزيع الجغرافي.
- ليست لغة الإشارة طريقة أخرى لاستخدام اللغة العربية أو بديل عنها مثل الكتابة، بل علينا أن نُعلّم الأصم القراءة والكتابة حتى لا يصبح جاهلاً.
- لغة الإشارة لا يمكن تعلُّمها من الكتب، وإنما عن طريق أستاذ مع الممارسة، والأهم الاختلاط بالأصم المستخدم الأول للغة .
- هذه اللغة كأي لغة، بها بعض “الأسرار” لا تنكشف إلا بمخالطة الصم فترات طويلة، مثل اختصارات الإشارات، الترحيب، ترتيب الكلمات في الجملة.
محتويات لغة الإشارة: أولاً لكي نتعرف على ما تحتوي هذه اللغة من أسرار، لا بد أن نبحث عن مُعلِّم يأخذ بأيدينا ويعطينا مفاتيح هذه اللغة. فتجربتي عندما أردت أن أتعلم لغة الإشارة، ذهبت في مصر إلى إحدى الجمعيات الخيرية والتحقت بنشاط الصم وضعاف السمع، وبدورة تدريبة مدتها ثلاثة أشهر. فعرفت من أستاذتنا في أول محاضرة أنَّ لغة الإشارة تعتمد على حركة اليدين، لغة الجسد، تعابير الوجه، ويمكن إضافة تحريك الشفاه لضعاف السمع.
وبالتالي يمكن تقسيم لغة الإشارة إلى:
- إشارات تحاكي طريقة استخدام الشيء، مثلاًغسل الملابس، القطع بالسكين.
- إشارات تحاكي شكل الشيء، مثل طائرة، فيل.
- إشارات تحاكي طريقة تنفيذ الفعل، مثل يمشي، يجري.
- إشارات تشير إلى مكان الشيء، مثل الكبد، العين.
وبعد أن تعلمت أساسيات لغة الإشارة سألت نفسي: ما الهدف من تعلمي هذه اللغة؟! هل الفضول أو المباهاة بمعرفة شيء مميز أم شيء آخر؟ فحاولت أن يكون الهدف هو الخدمة؛ خدمة هذه الفئة المهمشة في المجتمع العربي خصوصًا.
لقد أخرجت لنا منظمة الصحة العالمية في تقرير على موقعها الرسمي بشهر فبراير عام % من سكان العالم -أي ما يقارب 5، معاناة نسبة تتجاوز 2014 328 مليون شخص – من فقدان السمع المسبب للعجز بنسبة 360 5 مليونًا من الأطفال.
ثم إن نسبتهم حاولي 32 مليونًا من البالغين ومليون أصم في الوطن 12 ملايين أصم في مصر، وما يقارب من العربي. ولا شك أن هذا الكم الهائل يحتاج إلى جيش من المترجمين المتطوعين، فأقول يا ليت بعض الضباط يتعلمون لغة الإشارة لحفظ حقوق الصم.. يا ليت بعض الأطباء يتعلمون لغة الإشارة لمداواة الصم..
يا ليت المدارس تقيم دورات صيفية للغة الإشارة.. يا ليت المحاكم والجامعات وأقسام الشرطة والمستشفيات والمصالح الحكومية تهتم بهذه اللغة حتى لا يجد الصم وضعاف السمع صعوبة في التواصل مع الناس والتفاهم معهم.. يا ليت ذلك.
(*) كاتب وباحث مصري .