المختصون في الحقل التربوي يؤكدون على أن الإصلاح الذي يغفل ولا يقدر تقديرًا صحيحًا لقوة الثقافات القائمة في المدرسة ويكون مفروضًا من فوق، محكوم عليه بالفشل. وعند الحديث عن التعليم وقضاياه فان أول ما يتبادر إلى الأذهان صورة المدرسة. والتي قال عنها على وظفه (2004)، ما تزال: “البوتقة التي يتشكل فيها الإنسان ويتكون تربويًّا، ولقد تحولت المدرسة باختصار من ظاهرة تربوية بسيطة إلى ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد (1)،والتي هي اليوم، بحاجة إلى إصلاح مستمر لتواكب التغيرات، وتؤدي الدور المناط بها.
الإصلاح المدرسي:
هي عملية يتم من خلالها مراجعة وتقويم واقع الأداء المدرسي بشكل عام، بحيث يؤخذ في الاعتبار العوامل المؤثرة داخلية كانت أو خارجية، وتشخيص جوانب القوة وجوانب الضعف، بطرق علمية سليمة، ثم إدخال تغييرات وتجديدات، تعالج جوانب الضعف وتدعم جوانب القوة، وتحسن من الأداء المدرسي(2).
مداخل الإصلاح المدرسي:
يذكر الكراسنة والخزاعلة: أن مداخل الإصلاح متعددة ومتنوعة بتنوع الأهداف والغايات التي وجدت من أجلها المدرسة في المجتمعات الإنسانية المختلفة؛ فمنها ما انطلق من تغيير المناهج المدرسية أو إعداد المعلمين وتأهيلهم، ومنها ما تبنى تغيير الخطط الدراسية وتصميم التدريس، أو إعادة تشكيل البنية التحتية للمدرسة وتنويع مصادر وتقنيات التعلم المختلفة، ومنها ما أكد على إصلاح الإدارة المدرسية، أو إشراك المجتمع بعناصره ورموزه المختلفة، ومنها ما قام على الدعوة إلى حوسبة التعليم، وجهود الإصلاح المبذولة وفقا لهذه المداخل تأتي انسجامًا مع التطور والتغيير التربوي في مختلف مدخلات العملية التربوية(3).
مستويات الإصلاح المدرسي:
يمكن التمييز بين مستويين رئيسين للإصلاح المدرسي هما:
- تغيير أو إصلاح تدريجي وصغير على نحو مستمر حيث يصبح الهدف إحداث تغيير محدود وتحسينات مستمرة بمرور الوقت، مثل: تغييرات جزئية في المناهج أو التدريس أو التطوير المهني.
- تغيير أو إصلاح مدرسي ضخم وشامل يتطلب هذا المستوى الشامل من الإصلاح إعادة النظر في جميع مكونات وعمليات المدرسة.
مرتكزات الإصلاح المدرسي:
وحتى يتسنى لعملية الإصلاح المدرسي أن تحقق أهدافها، لا بد لها من مرتكزات أجملها الخطيب بالمبادئ الأساسية التالية:
- الحداثة أو التحديث: ويتمثل هذا المبدأ بضرورة تحديث نظم التعليم لممارساتها وإجراءاتها، بحيث تواكب هذه الممارسات ما طرأ من تطور على نظريات التعلم والتعليم فضلاً عن ضرورة مواكبة التطورات التي طرأت في المجالات العلمية والمعرفية والتجارب والخبرات الإنسانية.
- المرونة: ويتمثل هذا المبدأ بقدرة نظم التعليم على تلبية الاحتياجات التربوية والعلمية المتجددة والمتفاوتة للطلبة.
- الارتباط أو العلاقة: ويتمثل هذا المبدأ بضرورة ارتباط نظم التعليم أو إقامة العلاقة بين هذه النظم والاحتياجات والمطالب المتغيرة والمتجددة للمجتمعات المعاصر ة(4).
ويعتمد نجاح مشروع الإصلاح المدرسي على تفاعل إيجابي بين هذه المقومات، فالعلاقة بينها هي علاقة اعتمادية أي أن من غير المحتمل أن ينجح الإصلاح المدرسي حتى وإن كان ملائمًا للمتعلمين ما لم يصاحبه تهيئة مناسبة لهيئة التدريس وللبيئة الحاضنة المدرسية بكل استحقاقاتها المادية والثقافية.
والحديث عن إصلاح المدارس كما يرى (الصغير) يقتضى الحديث عن التغيير في ثقافة المدرسة وما يموج بها من ممارسات مهنية يومية.
مفهوم ثقافات المدرسة: هي منظومة من القيم والمعايير والمعتقدات والمبادئ والممارسات التي تكونت في المدرسة مع الوقت، نتيجة لتفاعل مجتمع المدرسة مع الإدارة و المعلمين والطلاب، وهي منظومة تتكون من التوقعات والقيم التي تشكل طريقة تفكير الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم في المدرسة. ويقتضي تحديد ثقافة المدرسة الإجابة عن التساؤلات التالية:
ما نظام القيم الذي يساعد على تنفيذ رؤية المدرسة؟
ما تأثير القيم ومبادئ العمل على مستقبل العمل المدرسي و تنفيذ رؤية المدرسة؟(5).
مظاهرو مستويات وخصائص ومحددات ثقافات المدرسة:
يرى ريد reid،أن ثقافات المدرسة –كشأن أي نظام اجتماعي- يمكن النظر إليها من المظاهر التالية:
- أنها وسيلة يختار منها الأفراد آليات عمل الأشياء، ووسائل الوصول إلى الهدف.
- أنها منضبطة تخضع فيها أفعال الأفراد واستخدام الأدوات للقواعد والنظم التي تحدد ما ينبغي عمله أولا.
- أنها توجيهية إرشادية،يشتق منها الأفراد قيمهم النهائية.. والأهداف التي يعيشون من أجلها(6).
أما فيما يخص المستويات التي تظهر بها ثقافات المدرسة ،فيرى دالان dalin، أنها تكون على مستويات مختلفة هي:
- مستوى ما وراء العقل، وفيه يكون إدراك القيم كالميتافيزيقا، وترتكز على المعتقدات، الرمز الأخلاقي، البصيرة الروحية
- مستوى العقل؛ حيث تشاهد القيم خلال سياق اجتماعي للمعايير، والعادات، والتوقعات، وتعتمد على التبريرات الجمعية.
- مستوى العقل الفرعي،وفيه يخبر الفرد القيم كتفضلات شخصية ومشاعر ذات جذور وجدانية،وتكون أساسية و مباشرة.
- ويواصل دالان dalin في عرض تحليله لثقافات المدرسة أن المستوى الثاني (مستوى العقل)، يلاحظ التزام معظم المدارس بنسق قيمي واضح حال تحديد وصياغة أهدافها ومعاييرها، وقواعدها وتعليماتها، المنهج، الممارسات اليومية،العادات والاحتفالات.
وفي تحليل القيم على مستوى الممارسة يظهر أن مستوى (العقل الفرعي)، يلعب دورًا مهما في أكثر المدارس، لأن هذه الأخيرة ليست معتادة للتعبير عن نفسها على مستوى العقلاني(7).
وإضافة للمظاهر والمستويات نجد، أن من خصائص ثقافات المدرسة، أنها ذات أنماط مميزة للسلوك، القيم والبيئة المادية، والتي تختلف من مدرسة إلى أخرى، وإن تشابهت في بعضها،كما نجد هناك اختلاف في معايير الممارسات التدريسية من مدرسة إلى أخرى وهو ما يقلل من قدرة الإصلاحات التربوية على تحسين كل المدارس،دون مراعاة لثقافتها.
كيف تؤثر ثقافة المدرسة على جهود الإصلاح التربوي؟
ثقافة المدرسة كداعمة للإصلاح التربوي:
حتى يتسنى لثقافة المدرسة بأن تلعب دورًا في إنجاح وتدعيم الإصلاحات التربوية، يجب أن يكون النظام التربوي يتسم بالمرونة، من خلال إقامة مؤسسات تعليم مفتوحة القنوات تلبي حاجة الطلاب المتنوعة، والتي تتغير بتغير حاجات المجتمع و المتغيرات العالمية…فالمدارسة الداعمة للإصلاح هي مدرسة:
- أهدافها التربوية واضحة يسعى كلا الطرفين إلى تحقيقها.
- تبحث عن أفضل طريقة لعمل الأشياء أي،تحدد الأفكار و من ثم تطبقها.
- يتولى قيادتها مدير يكون مربي جيد.
- أن تكون التربية هي جوهر مهمتهم جميعا.
- لديها برنامج تقويم منتظم ومنظم.
- أن تكون بيئة منظمة وآمنة للتعلم.
- الجميع يعمل على تحرير العقول، تحفيز الإبداع والخيال وإتاحة الفرص.
- الجميع يعمل بنوع من الاستقلالية.
ثقافة المدرسة كمعوق للإصلاح التربوي:
يحفل المجتمع المدرسي بعديد من المشكلات التي تتداخل مع بعضها البعض وتتبادل التأثير فيما بينها، وتتسم ثقافات المدرسة بطابع معين يؤدي في النهاية إلى تقويض جهود الإصلاح التربوي، حيث تشير الدراسات إلى مشكلات مثل:
- المناخ الاجتماعي السائد في كثير من النظم التربوية وداخل الفصل الدراسي ..والذي تعوزه الديمقراطية في كثير من الأحيان.
- هناك سوء فهم لفحوى ومحتوى الإصلاح المطلوب تطبيقه من طرف القائمين عليه.
- غياب أو نقص المهارات الأزمة للقيام به أو تعامل معه.
- فقدان الثقة بقدرة النظام على إنتاج إصلاحات ناجحة.
- ما تتسم به ثقافة المدرسة من الحذر و الخوف(7).
إضافة إلى مشكلات أخرى مثل: الغياب المتكرر الهروب من المدرسة، الإضرابات، الضبط والانضباط في الصف (ليفنسون) وانتشار ثقافة العنف والدروس الخصوصية، الغش، والانحرافات السلوكية المختلفة، وهي مشكلات تقلل من كفاءة العملية التعليمية و تحول دون تحقيق أهدافها كاملة.
الثقافة المدرسية ليست ركامًا من المعارف العلمية الخالصة، وإنما هي بالإضافة إلى ذلك، نمط من القيم، ونسق العلاقات، ونظام للتفاعل بين أعضائها. وتكمن مهمة هذه الثقافة في تشكيل أنماط من السلوك والاتجاهات والوعي عند الناشئة وذلك علاوة على الدور والوظيفة العلمية التي تؤديها.
فنجاح الأطفال في المدرسة، لا يتوقف على مدى تمثلهم للجانب العلمي في ثقافة المدرسة فحسب، وإنما يرتهن ذلك في مدى قدرتهم على تمثل معاييرها السلوكية وفي تشربهم لقيمها الثقافية، فالمدرسة بيئة نفسية اجتماعية قبل أن تكون بيئة معرفية يقول على وظفة(9)، من هنا فإن تحقيق الأهداف الشاملة للعملية التربوية القائمة في المدارس، تحتاج إلى ضرورة التعرف على الثقافة السائدة في المدارس لما تشمل عليه من فلسفة، وقيم ومعتقدات، وأعراف وتوقعات إذ تمثل في الواقع حصيلة التفاعل الاجتماعي للعاملين في المجتمع المدرسي.
الهوامش:
(1) علي وظفة وعلي جاسم: علم الاجتماع المدرسي، بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر،ط1،لبنان 2004.
(2) الخطيب أحمد: تجديدات تربوية و إدارية: عالم الكتب، عمان 2006
(3) الصالح عبدالله: المنظور الشامل للإصلاح المدرسي، ورقة عمل مقدمة في لمؤتمر الإصلاح المدرسي تحديات وطموحات ،17،19، ابريل ،2007دبي الامارات.
(4) بوفلجة غيات: التربية والتكوين بالجزائر، مخبر البحث في علم النفس وعلوم التربية ،دار الغرب للنش والتوزيع ،ط1، 2002.
(5) محمد ماهر الجمال: نحو ثقافات داعمة للإصلاح التعليمي ،المكتبة الأكاديمية 2006.
(6) محمد ماهر الجمال مرجع سابق.
(7) بلقيس غالب الشرعي،2007
(8) علي وظفة وعلي جاسم: 2004
(9).أحمد عبد الحميد، الصمادي معايرة: اتجاهات طلبة المرحلة الأساسية نحو المدرسة، مجلة جامعة دمشق، المجلد 22، العدد الثاني،2006.