تأكل منا الحياة كل يوم قطعة تأخذ من أنفاسنا أيامًا لا تعود، وتتركنا نتقلب على وجع ذاكرة بالية وقديمة تمتص منا السويعات ونحن في الملاهي فلا ندري إلا وقد أصابنا الهزال على مشارف الهرم ونحن شبه فارغين ومصدومين جدًا، هذه التعرية التي تتآكل منها جبال شبابنا الشامخ والعنيف، والتي ظنناها لا تخور ولا تفنى قادمة لا محالة، ترحل ببقايانا إلى نهايتنا الحتمية ولا من أسيجة تمنعها أو حتى تأخرها ساعة إضافية.
هي مستمرة في الأخذ تأكل دون توقف لن تصيبها تخمة ما تستريح على إثرها لتترك لنا بعضًا منا، ستأكل من أيامنا عمرًا دون شبع، وتسرق من رصيد الذكرى ما سلمناها إياه، ونحن في غفلة عن كل هذا التآكل الذي يصيبنا دون أن نفعل شيئًا إزاءه، دون أن ننتفض دون أن نجاهد، لكن بإمكاننا تغيير شيء واحد فقط بإمكاننا جعل هذا التآكل مشرفًا أكثر، بإمكاننا مجابهة ضعفنا هذا بأن نقاتل حتى آخر رمق، بأن نصنع من أيامنا حياة موازية لا تفنى ولا تؤكل، حياة نخلد فيها ونحيا إلى الأبد، تسبح فيها أسماؤنا على شواطئ التاريخ ذكرًا طيبًا.
الخسارة يا أصدقائي هي أن نفلس في صناعة التاريخ وأن تموت أسماؤنا مع أجسادنا بلا أثر يذكر، الخسارة أن نظل وجبة شهية للحياة تفترس أيامنا دون هوادة لأنها شهية وسهلة، الخسارة أن نكون سريعي البلع والهضم، لا عمل يقف في الحلق شوكة ولا أثر يبطئ سير الأيام ولا إنجاز يجعل الحياة تأخذنا بحفاوة أكثر، كي تعيش الخلود وتحقق شيئًا من الرضا كن عصي الهضم، قاوم ولاحق الأيام كريح عاصف أوقفها بحرارة ما تقدمه وباشتعالك المستمر لا تكن شيئًا يمر بسهولة كن رقمًا صعبًا كن مدادًا يترك بصمته لا خطوطًا بقلم رصاص يصيبه العدم بحكة ممحاة، كن أنت شيئًا لا ينسى، تمرد على الحياة كي تعطيك وتأخذ منك على السواء، اخنق رتابتها وتسرب أيامك في جوفها.
لاتقف عاجزًا فتجهز عليك بل قف كالنار تحرق ولا تحترق تأكل ولا تؤكل، كن كالزلازل كالبراكين كالرعد كن ثائرًا في وجه الحياة وكن لحنًا ماتعًا لها، كن أسطورة يتلوها الصغار في المدارس أو كن كأبطال السينما يقف الناس مشدوهين أمامهم، كن أنت الإضافة المهمة كن كحكايات الجدات كن التغيير المنشود اخلق نفسك وكن وفيا لحلمك اصنع تاريخك بيدك كي تعيش طويلاً ولا تذروك رياح النسيان في المقابر وسجلات الموتى …