إن بناء الإنسان الصالح وتهذيب أخلاقه وإعداده إعدادًا تربويًا فاضلاً من أهم مقاصد الإسلام، ومن هنا ركز الدين على بناء الفرد بناءً صحيحًا ليضمن سلامة المجتمع. كما أن الدعوة الإسلامية عالمية، موجهة للناس كافة، تقوم على الكرامة والحرية والعدل والمساواة، وفي إطار من هذه الشمولية كفل الإسلام للإنسان الحق في الحياة، والكرامة والعدل وحق العمل والأمان وحق الهجرة، كما كفل للإنسان حرية العقيدة، والتفكير، والضمير والرأي، والمسكن والتنقل وغير ذلك من الحقوق الأساسية. وصرح الخالق العظيم سبحانه بهذا التكريم فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الإسراء:70).
إن المصارف الإسلامية العاملة في الدول الإسلامية مطالبة بضرورة أن تولي مزيد من الاهتمام لمجال التمويل العقاري، وما لذلك من أثر في حل مشكلة الإسكان التي نعاني منها.
وتمس مشكلة الإسكان كل أسرة؛ فالمسكن أحد الاحتياجات الأساسية للإنسان، شأنه في ذلك شأن الغذاء والكساء، وهو أحدد الحقوق الأساسية للإنسان، وليس أدل على أهمية المسكن من ارتباطه بالسكينة والأمان والخصوصية، ومن ثم فهو قضية تؤثر على أمن واستقرار ورفاهية وصحة وسلامة الفرد والأسرة والمجتمع، وتعد مشكلة الإسكان من أهم القضايا التي تواجه الدول النامية، نظرًا لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية على الدولة وعلى فئات كثيرة من المواطنين خاصة الشباب ومحدودي الدخل. كما تزداد أهميتها في ضوء ما لها من آثار سياسية مهمة، فهي تؤثر على علاقة المواطن بالدولة، فتوفير المسكن الآمن والملائم للمواطن يمثل له الاستقرار والانتماء للدولة ويعزز ثقته فيها.
ومشكلة الإسكان متراكمة ومتعددة الأبعاد، فلا تقتصر على عدم وفرة المعروض من الوحدات السكنية لمقابلة نوعية الطلب عليها، بل تشمل أبعادًا أخرى كالإسكان العشوائي، والوحدات المغلقة واختلال العلاقة بين المالك والمستأجر، وإهمال صيانة الثروة العقارية، وسوء توزيع السكان وارتفاع الكثافة السكانية، وعدم كفاية بعض المرافق في بعض المناطق والامتداد العمراني على الأراضي الزراعية، وغيرها.
وقد باتت الحاجة الذي الخدمات الاجتماعية والحماية الاجتماعية مكرّسة في المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخصوصًا في إعلان الألفية فالمواد 22 و22 و26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، أكدت الحق في الضمان الاجتماعي، وكذلك المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966. وفي عام 2007 حدد الاتحاد الأوروبي في معاهدة لشبونة إجراءات لتنسيق سياسات الاحتواء الاجتماعي والحماية الاجتماعية وفي عام 2009، جمعت مبادرة الحد الأدنى للحماية الاجتماعية 19 هيئة من هيئات الأمم المتحدة وبضع مؤسسات مالية دولية و14 شريكًا في التنمية للنهوض بهدف حصول الجميع على خدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والسكن والمياه والصرف الصحي، بالإضافة الذي تحويلات اجتماعية لضمان الدخل والأمن الغذائي والتغذية الكافية.
والإسكان بمفهومه الشامل لا يعني بناء وحدات سكنية فقط، ولكن يدخل في هذا الإطار قواعد ونظم كثيرة منها: توفير الأراضي، والتخطيط العمراني، وصناعة مواد البناء والتشييد، والنظم الصحية، والأهم توفير التمويل المالي للمشروعات الإسكانية.
وتعد مشكلة الإسكان من أهم المشكلات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، وبين المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أهمية توجه المصارف الإسلامية للاستثمار في تمويل الإسكان في الدول الإسلامية، إذ تدل المؤشرات على اتساع الفجوة الإسكانية في العالم الإسلامي. الفجوة بين الحاجة الذي المأوى وبين توفيره، إذ إن نحو 45 % من سكان العالم الإسلامي يفتقرون الذي المأوى سواء تملكًا أم تأجيرًا، وذلك بغض النظر عن نوعية سكن من يملكون المأوى، إذ يفتقر أكثر من 60 % من المساكن الذي أبسط قواعد السكن الصحي والمرافق الأساسية، بل هي مجرد أكواخ بالية.
إن ارتفاع تكلفة الأراضي والبناء بسبب زيادة الطلب على المساكن قد أدى الذي عدم قدرة غالبية الأسر الناشئة على امتلاك المساكن، ومع أهمية القطاع السكني تظهر أهمية التطوير العقاري لمشاريع الإسكان حيث إن الازدياد الحالي للمساكن لا يلبي الاحتياجات المستقبلية للأسر الناشئة، وإنما من الضروري أن يفسح المجال للتخطيط العمراني بطريقة علمية ومدروسة مع مقابلة ذلك بتوفير التمويل اللازم لتحقيق الهدف العمراني على نمط حضاري وأسلوب متميز مع تطوير الأنظمة التي تعمل على توفير الضمانات المناسبة للمولين. وللتمويل العقاري لقطاع الإسكان صيغ شرعية متعددة يمكن أن تلبي سائر احتياجات المستثمرين -المطورين- للمجمعات السكنية والتجارية على حد سواء واحتياجات الأفراد -المستفيدين- الراغبين في تملك المساكن.
ويمكن للمصارف الإسلامية الدخول في مجال المقاولات لما يتوافر لديها من دائرة هندسية، وتمويل مالي ضخم، كما يمكن أن تنشئ شركات مقاولات أو مشاركات أو شركات تمولها عن طريق شراء سندات استصناع في تلك الشركة، أو من توكل إليها بعض الأعمال التي تستند إليه بعقود مقاولة.
ولأساليب التمويل الإسلامي خصائص متعددة تسهم في حل مشكلة الإسكان وتنشيط سوق العقارات، وتتمثل إجمالاً فيما يلي:
– التعدد: حيث لا يقتصر الأمر على آلية واحدة مثـل القائم الآن وهي القروض ولكنها تتمثل في عدة آليات مما يتيح فرصة أكبر للاستخدام.
– التنوع: بما يناسب الحالات والجهات المختلفة سواء لتمويل المنتجين أو لتمويل طالبي السكن.
– مراعاة التوازن والعدالة في توزيع المنافع والمخاطر بين طرفي التمويل بخلاف ما عليه أسلوب القرض الذي يحمل المقترض وحدة جميع المخاطر ويجعل حصوله على المنافع احتمالياً.
إن ارتفاع تكلفة الأراضي والبناء بسبب زيادة الطلب على المساكن قد أدى الذي عدم قدرة غالبية الأسر الناشئة على امتلاك المساكن.
– العمل على تقليل درجة المخاطر بإقرار الضمانات المناسبة.
– ابتعادها عن الفوائد الربوية المحرمة شرعًا.
– أنه ثبت بالواقع والتجربة نجاح هذه الآليات في التمويل العقاري في العصر الحاضر حيث إن بعض البنوك الإسلامية في منطقة الخليج تطبق هذه الآليات بنجاح.
– توجه بعض الآليات الذي تنظم أسلوب ديموقراطية التمويل، بالتوجه مباشرة نحو المدخرين بدلاً من وساطة المؤسسات المالية بين طرفي العلاقة التمويلية.
– إمكانية إنشاء أدوات مالية بناء على بعض الآليات وقابلية هذه الأدوات للتداول في السوق الثانوية أو التسييل قبل حلول موعد التصفية مما يوفر بضاعة جديدة في سوق الأوراق المالية.
لهذا فإن المصارف الإسلامية العاملة في الدول الإسلامية مطالبة بضرورة أن تولي مزيد من الاهتمام لمجال التمويل العقاري، وما لذلك من أثر في حل مشكلة الإسكان التي نعاني منها. وأن تفعل لصيغ التمويلية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مثل: صيغة المشاركة المنتهية بالتمليك، وصيغة المرابحة للآمر للشراء، وصيغة الإجارة مع الوعد بالتملك، وصيغة الاستصناع المقسط. كما أنها مطالبة بضرورة إنشاء إدارة هندسية تضم عناصر ذات كفاءة ومؤهلة. وبحث امكانية تخفيض معدلات هامش ربحية المصارف الإسلامية في مجال التمويل العقاري، وذلك من باب مسؤوليتها الاجتماعية.