تهدف الدعوة الإسلامية إلى جذب المدعوين إلى الدين الإسلامي الحنيف، وتعريفهم بمقاصده وغاياته وترغيبهم بشعائره وشرائعه. ولتحقيق هذا الهدف السامي يسير الداعية وفق منهج مدروس فيستخدم أسلوبًا مناسبًا؛ ليصل بدعوته إلى برّ السلام المنشود بطريقة مشروعة .
وقد استخدم الدعاة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان الأساليب الدعوية المتنوعة؛ ليوصلوا دعوتهم إلى الناس، وليبلغوهم من خلالها تعاليم دينهم. ومن أبرز الدعاة الذين استخدموا أساليب مميّزة لنشر دعوتهم أمهات المؤمنين –رضي الله عنهنّ- ومن أهم تلك الأساليب الدعوية :
قد استخدم الدعاة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان الأساليب الدعوية المتنوعة؛ ليوصلوا دعوتهم إلى الناس.
التعليم
أسلوب التعليم من الأساليب الهامة التي لا غنى للداعية عنها، فالدعوة بدون التعليم تبقى كلمات مثالية توجيهية، لن يستفيد المدعو منها إلا بتطبيقها في واقع حياته العملية، وهذا هو دور الداعية، وذلك بتعليم المدعو بالطريقة الصحيحة المشروعة، وبذلك يجتمع عنده كلّ من العلم والعمل.
وأمهات المؤمنين ممن حُزنَ قصب السبق في هذا المجال، فعلّمن الجاهل وصحّحن للمخطئ، وقوّمن المعوّج. ومن النماذج على استخدامهن لهذه الوسيلة: ما رُوي عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: “كنتُ نازلاً على عائشة، فاحتلمتُ في ثوبي، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها فبعثت إليّ عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قال قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئا؟ قلت: لا، قالت: “فلو رأيت شيئا غسلته!؟ لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري(1)”. فعائشة –رضي الله عنها- لـمّا أخطأ عبد الله لم تدعه وشأنه، بل بادرت إلى تصحيح خطئه بالاستدلال بفعلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتُعلّم عائشة -رضي الله عنها- أحد مواليها طريقة الوضوء على نحو عملي: بأن تتوضأ أمامه وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بُغية ترسيخ الطريقة الصحيحة في ذهنه، عن سالم سبلان -وكان عبدًا مملوكًا، وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره- قال: “أرتني عائشة كيف كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ (2) “.
وكانت –رضي الله عنها- لا تتحرج من إجابة المستفتيين عن أي مسألة من مسائل الدين، ولو كانت تتعلق بالشؤون الخاصة، بل كانت تشجع من يستحي من السؤال عن مثل تلك الشؤون، ومن ذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال لها: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: “سل ولا تستحي فإنما أنا أمك”(3).
وأم سلمة -رضي الله عنها- صرح آخر من صروح العلم في عصرها، وقد روى عنها الكثير من الصحابة والتابعين، وتتلمذ على يدها الكثير من طلبة العلم(4). ولِفقها العميق وسِعة علمها بأمور الدين، كان الصحابة يستفتونها فيما جهلوا من مسائل شرعية: اختلف الصحابة في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة، فأرسلوا إلى أم سلمة يسألونها، فقالت: “قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها(5).
ومثلها جويرية وصفية رضي الله عنهما، فقد روى عنهما، وتتلمذ على أيديهما العدد من الصحابة والتابعين(6).
ومن أمهات المؤمنين اللاتي حرصن على تعليم المجتمع ما لديهن من علم وفقه حتى في الأمور الزوجية الخاصة، أم حبيبة وميمونة –رضي الله عنهما- ولم يمنعهما الحياء من ذلك؛ لفهمهما التام إلا حياء في الدين .
روي عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل في الثوب الذي يجامعها فيه فقالت نعم إذا لم ير فيه أذى(7).
أسلوب التعليم من الأساليب الهامة التي لا غنى للداعية عنها، فالدعوة بدون التعليم تبقى كلمات مثالية توجيهية، لن يستفيد المدعو منها إلا بتطبيقها في واقع حياته العملية.
فمثل تلك الأحكام الشرعية الدقيقة الخاصة إن لم تروها لنا إحدى أمهات المؤمنين صعب علينا معرفتها؛ إذ إنها تتعلّق بخصوصية الزوج مع زوجته، ويُستحى عادة من الاستفسار عنها أو روايتها من قبل رجال الصحابة.
ومن وسائل التعليم التي استخدمتها أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- نقل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبليغها للناس.
فسودة -رضي الله عنها- روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث (8). وكذا عائشة -رضي الله عنها-، فقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا، طيبًا، مباركًا فيه(9)، ويبلغ مسندها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث(10)
أما حفصة -رضي الله عنها- فقد نقلت لنا عن رسول صلى الله عليه وسلم ستين حديثا(11)، ولزينب بنت جحش -رضي الله عنها- أحد عشر حديثا(12)، وجويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث(13)، ولميمونة: ثلاثة عشر حديثًا (14). وممن أكثرن من الرواية عن رسول الله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أم سلمة -رضي الله عنها-(15)، إذ روت عنه ثلاثمائة حديث وثمانية وسبعين حديثًا(16).
(1) رواه مسلم – 1/239- ح 290
(2) سنن النسائي – 1/72- ح 100
(3) مسند الإمام أحمد 97/ 6 – ح 24699
(4) تهذيب الكمال في أسماء الرجال- 35/320
(5) رواه البخاري-6/155- ح 4909
(6) المرجع السابق- 35/ 146، المرجع السابق-35/210
(7) السيرة النبوية – 2/396
(8) رواه البخاري- 1/59- ح 249
(9) سير أعلام النبلاء-2/269
(10) المرجع السابق- 2/ 135
(11) المرجع السابق- 2/ 139
(12) المرجع السابق -2/230
(13) المرجع السابق-2/218
(14) تلقيح فهوم أهل الأثر- 293
(15) سير أعلام النبلاء – 2/245
(16) الإصابة في تمييز الصحابة – 8/344