ويصوم الدب القطبي، والأرنب البري عندما يكسو الجليد الأرض ولا يجد شيئًا يأكله، فيدخل في صيام أو بيات شتوي حتى يذوب الجليد، فعندها يخرج من صومه. لكن مع نهاية شهر أغسطس سنويًّا، تعسكر الفقمة عدة أشهر على الشاطئ.
وتقوم الذكور باختيار عدد كبير من الإناث. عندها تُمسك عن الطعام لأسابيع، ساهرة على حراسة إناثها الشابة، أما الإناث المسنة فتضع صغارها في غضون أيام.
وعلى صغار الحيوانات، استبدال فرائها بسترة تناسب حياة الماء، فتنفصل عن أمهاتها، وتمتنع عن الطعام والشراب مُستلقية على الشاطئ..
وتستمر فترة صيامها نحو ستة أسابيع تنتهي بحلول يناير، ويحين موعد فطرها فتنزل إلى لجة الماء وتقبل على الطعام بنهم، فلا تلبث أجسامها أن تكتنز بالدهن، وتقضي الشتاء كله على هذا المنوال، حتى إذا ولّى الشتاء، ودّعت حياة البحر لتتمدّد تحت الشمس على الشاطئ وقد بلغت حد النضج الجنسي، فتتزاوج وتتكاثر، ثم تصوم وتفطر من جديد.
أما “الأسد” ملك الغابة، وهو من اللواحم، لديه وفرة من حامض “اليوريك” (Uric Acid) وهو أحد نواتج هضم واستقلاب البروتين، وعند عدم قدرة الكلي على التخلص منه، ترتفع نسبته في الدم، وترسب أملاح ذلك الحمض في المفاصل، مما يؤدي ذلك إلى صيام الأسد يومًا في الأسبوع (48 يومًا في العام).
قد تصوم بعض الحيوانات تعبيرًا عن الشعور بالحزن والألم، كما عند الكلاب عندما تفقد صاحبها وفاء له.
وقد تصوم بعض الحيوانات تعبيرًا عن الشعور بالحزن والألم، كما عند الكلاب عندما تفقد صاحبها وفاء له، أو عندما تتألم بسبب كسر أو جرح ما. ويصبر الجمل على الجوع والعطش ويصوم أيامًا عديدة، وهو يعتاش عند شُح الغذاء والماء على حرق الشحوم المخزنة في سنامه (يختزن حوالي 120 كلغ).
وقد يذوى هذا السنام حتى يميل على جنبه، وقد يمسي كيسًا خاويًا، لكنه يحتفظ بسيولة جيدة في دمه، وموزعًا للحرارة ومبددًا لها من سطح جسمه. ويسير قويًّا متماسكًا إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعبّ منه عبًّا ويستعيد في دقائق معدودات ما فقد من وزنه في أيام الظمأ.
ولديه استعداد خاص لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن يستعيد معظم ما فيه من ماء ليرده على الدم.
وعلى جانب آخر، يتحمل نبات الصبار العطش ويعيش بدون ماء فترات طويلة، كشأن حيوانات المناطق الصحرواية، كفأر الكنفر الأمريكي الشمالي؛ حيث يستطيع هذا الحيوان القارض العيش دون ماء، معتمدًا على ماء الدهون التي يحويها طعامه.
هذا وقد تصوم بعض الأشجار والنباتات وترتاح في الشتاء، خاصة النباتات المعمرة متساقطة الأوراق. فمن الخريف إلى الربيع تتباطأ وظائف أجزائها المختلفة، وتمسي في حالة سكون وصوم، فتقل عملية البناء الضوئي، وربما تتوقف تمامًا مع عملية النتح.
كما يقل عمل الجذور في امتصاص الغذاء والأملاح، وتتساقط أوراق شجرتي التوت والمشمش فلا يحدث تمثيل غذائي طيلة الشتاء. حتى إذا أتي فصل الربيع، ظهرت الأوراق من جديد، ولبست الأشجار حلتها الخضراء.
صفوة القول: “أمم ومخلوقات صائمة”.. عالم لا تنقضي غرائبه ولا تنتهي عجائبه. وينبغي ألا تمر هذه الغرائب وتلك العجائب على العاقل مرور الكرام، بل عليه أن يأخذ منها -وغيرها كثير- مِرْقَاةً للوصول، ومدعاة للقبول.
(*) كاتب وأكاديمي مصري.