الألعاب الرياضية في العصر الحديث، ترجع في أصولها التاريخية إلى ألعاب القوى والفروسية في العصور القديمة من حيث المرامي والأهداف وإن اختلفت في الأداء والحركات وضروب الألعاب وفنونها المتعددة والأساليب.
الرياضة في العصر الجاهلي
كان العرب في جاهليتهم يمارسون ضروبًا من الرياضة ذات الهدف المحدد والمقاصد النبيلة، فقد كان العربي يعتمد في رياضته على فرسه وساحه، وكانت الممارسة الرياضية والمران اليومي من أهم العوامل في بناء الشخصية للفارس الأصيل في معدنه وتكوينه الجسمانى السليم، واستعداده النفسي والخلقي. فعرف العربي ركوب الخيل والسباق بها، وعرف الكر والفر، والمقارعة بالسيوف والطعن بالرماح والرمي بالقوس، والمصارعة بين ندّين.. كل ذلك رياضة يومية وتدريب عملي له أهميته القصوى في تكوين شخصيته.
كان العرب في جاهليتهم يمارسون ضروبًا من الرياضة ذات الهدف المحدد والمقاصد النبيلة
الرياضة في التراث الإسلامي
من جملة الأشياء التي حثّ عليها الإسلام وشجعها؛ الرياضة. فلم تهمل الفكرة الجديدة القائمة على التصور الإسلامي لبناء الشخصية المستقلة، بوضع المنهج النظري والعمل في صياغة تكوين الفرد المسلم من حيث بناؤه الجسماني ومقوماته الإنسانية. لقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم حركة الفرسان وتدريباتهم اليومية، وشجع رياضة سباق الخيل وأشرف عليها بنفسه؛ عن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى “العضباء” وكانت لا تُسبَق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن حقًّا على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه” (رواه البخاري).
كما شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المصارعة والرمي؛ فحين خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا” (رواه البخاري). كما شجع حمل الأثقال، قال ابن القيم: “مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرًا ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم”، وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى أصحابه يتسابقون على الأقدام (الجري) ويقرّهم عليه. وعن عائشة رضي الله عنه أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، قال: “هذه بتلك السبقة” (رواه أبو داود).
شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المصارعة والرمي. وقد شجع الإسلام المسلمين على أن يكونوا أقوياء
هذا وقد شجع الإسلام المسلمين على أن يكونوا أقوياء؛ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير” (رواه مسلم). وعلى هديه صلى الله عليه وسلم سار الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- والتابعون والمسلمون؛ حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “علّموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبًا”. ثم إنه رضي الله عنه يرسل رسالة إلى فرسان المسلمين، يأمرهم بأن يلتزموا نظام حياة تكفل لهم القوة، وتمكنهم من الحركة والانضباط الجماعي حيث يقول: “أما بعدُ فاتَّزِروا، وانْتَعِلوا، وارتَدوا، وألقوا الخفاف، وألقوا السراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعُّم وزِيَّ العجَم، وعليكم بالشمس فإنها حمّام العرب، وتَمَعْدَدوا، واخْشَوْشِنوا، واخْلَوْلِقوا، واقطَعوا الركْبَ وانْزُوا على الخيل نَزْوًا، وارْموا الأغراض” (رواه البيهقي).
وعلى هذا النهج سار المسلمون وأصبح هناك رياضة إسلامية معروفة أوجدتها الحاجة الحياتية الملحة.. وقد اهتم مؤرخو العرب بالرياضة باعتبارها ذات فوائد نفسية وأخلاقية واجتماعية؛ من ذلك ما ذكره المؤرخ العلامة الحسن بن عبد الله في كتابه “آثار الأُول في ترتيب الدول”، حيث يقول: “واللعب بالكرة هو رياضة تامة حسنة، وصفها الحكماء والفضلاء من الملوك لرياضة الجسد، ورياضة الخيل واللعب بالكرة والجوكان واستعمالها بالغدوات من أتم الرياضات وأكملها وأنفعها، لأن من الرياضات ما يختص بالكفوف والسواعد مثل الشباك وتناول الطابة، ومنها ما يختص بأنواع البدن مثل الصراع وحمل الأثقال.. وهذه تعم البدن جميعه وهو يتحرك لها حركات مختلفة؛ والبصر يتبعها، والرأس يلتفت إليها، والأصوات والضجّات ترفع فيها. والخيل ترتاض وتلين رؤوسها للجوال والكر والفر وفيها من طلب المغالبة.. وأما نفع الرياضة بالجملة فظاهر معلوم لما جعله الله في الأبدان من الأخلاط المتغايرة المتغالبة التي موادها من الأغذية المختلفة”.
وتحدث عن الفوائد النفسية والخلقية التي تحققها تلك اللعب فقال: “منها السرور والفرح بالظفر، والاستيلاء مع مباشرة التألم من العجز والغلبة ومنها تعود الاجتماع والتدرب، ومساعدة الأصحاب لبعضهم، وتعاضد الأولياء وتعاونهم على الخصوم والأعداء”. وذكر ابن النفيس في معرض كلامه عن الرياضة البدنية في كتابه “الموجز في الطب”: “واللعب بالصولجان، رياضة للبدن والنفس لما يلزمه من الفرح بالغلبة والغضب”.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن علماء المسلمين أشاروا إلى وجوب تعلم الأطفال والأولاد الرياضة، وعدم إقصارها على الكبار من الشباب والكبار. من ذلك أن الإمام الغزالي أوجب اللعب كل يوم بعد انصراف الأولاد من الكتّاب (المدرسة) فقال: “إن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعليم إنما يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا”. وبلغ من اهتمام الإمام الغزالي بلعب الأطفال والأولاد أنه يرى ضرورة حضور الطفل مشاهدة الألعاب إن لم يتمكن منها، لأنها تروّح عن نفسه وتبعث فيه النشاط وتهذب أخلاقه.. فاللعب مما ترتاح له النفس حتى بالمشاهدة، حيث يقول: “إن أحسن الخلق في تطبيب قلوب النساء والصبيان مشاهدة اللعب، فهي أحسن من خشونة الزهد والتقشف بالامتناع”.
أما ابن مسكويه فقد قال: “يجب أن تكون ألعاب الصبيان تناسب أجسامهم الصغيرة ولا ترهقهم، وأن تكون هذه الألعاب جميلة ليستريح بها الصبي من عناء الدرس وينشط بالعمل”. أما عتبة بن الزبير فقد كان من أكثر خَلق الله اهتمامًا بالألعاب، لأنها تجعل من الشخص إنسانًا قويًّا في جسمه وفي خُلقه، فكان يقول: “يا بني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب”.
إن علماء المسلمين أشاروا إلى وجوب تعلم الأطفال والأولاد الرياضة، وعدم إقصارها على الكبار من الشباب والكبار.
أهم الألعاب الرياضية التي مارسها المسلمون
إضافة إلى الألعاب الشهيرة التي مارسها المسلمون كالمصارعة والسباحة والرمي والسباق والقفز وحمل الأثقال وألعاب الخيل والفروسية والصيد، مارسوا أيضًا ألعاب الكرة وكان لهم الفضل في تطويرها ونقلها إلى الأمم الأخرى.
• لعبة الصولجان: وحديثًا تسمي لعبة “البولو” (Polo). والصولجان لعبة الفرسان، حيث يستعملون نوعًا من العصي المعقوفة الطويلة تسمى الصولجان أو الجوكان، طولها يبلغ أربعة أذرع، وتتصل برأسها خشبة مخروطة محدودبة ينوف طولها عن نصف ذراع، وبداخلها حشو بهيئة الشبكة تدفع العصي الكرة مثلما تدفع كرة الهوكي في أيامنا هذه ولكن من فوق الحصان.
ويقال إن أول من لعب بالصولجان الشاعر عدي ابن زيد، كما كان الرشيد أول من لعبها من الخلفاء وأنشأ لتلك اللعبة ميدانًا بجانب قصره. وقد أولى سائر الخلفاء العباسيين تلك اللعبة عنايةً كبيرة؛ من ذلك ما يروى أن المعتصم، قسم أصحابه يومًا للعب، فجعل قائده الأفشين في فريق غير فريقه فقال الأفشين: “يعفيني أمير المؤمنين من هذا”، فلما سأله عن السبب قال: “لأني ما أرى أن أكون على أمير المؤمنين في جد ولا هزل”، فاستحسن المعتصم ذلك منه وجعله في فريقه. ومن أشهر من أُغرموا بها أحمد بن طولون، والخليفة العزيز الفاطمي، ونجم الدين، والملك الظاهر بيبرس، والملك الناصر محمد بن قلاوون.
وقد انتقلت اللعبة عن طريق العرب إلى أوروبا، حيث عُرفت مقاطعة “لنجدوك” الفرنسية باسم “لاشكان” (جوكان) في العصور الوسطى وهي التي تُعرف اليوم باسم “البولو”، وليس صحيحًا ما يقال إن تلك اللعبة قد دخلت أوروبا -لأول مرة- عن طريق ضابط بريطاني عاش في الهند في القرن التاسع عشر.
• لعبة الهوكي: كانت تسمى “الهولة” (وهي عربية الأصل)، انتقلت إلى البلاد الغربية فارتقت إلى مصاف الألعاب العالمية. ويؤكد بعض الباحثين أن لعبة “الحُكشة” المصرية التي تطورت إلى لعبة “الكجة” ثم تطورت اسمًا وموضوعًا مرة أخرى إلى لعبة “الهوكي” (Hockey) التي تدفع الكرة فيها بعصا تشبه “الحجن”. و”الهولة” هي عبارة عن كرة ملفوفة من القماش تخيط بإبرة كبيرة (المخيط)، وهي ذات أحجام مختلفة منها الصغير (التي يلعب بها الآن في تشكيلات فريق الهوكي الحديثة)، ومنها الحجم الكبير الذي لا يزيد على حجم كرة القدم. وكان من قوانين هذه اللعبة أن الفريق الخاسر يقيم وليمة أو دعوة غذاء للفريق الفائز.
• لعبة التنس: يقول الأستاذ إبراهيم الفحام عن أصل لعبة التنس (Tennis) وكيف تطورت: “يرجح بعض الباحثين أن لعبة التنس قد تطورت من لعبة الطبطات العربية (الطّبطابة خشبة عريضة يلعب بها بالكرة)، وأن الكلمة قد اشتقت من مدينة “تينس” المصرية الواقعة في منطقة “بحيرة المنزلة بشمال الدلتا”، لأن منسوجاتها التي اشتهرت بها منذ القدم كانت تدخل في صناعة كرات التنس.
• لعبة الراكت: تكاد تجمع المعاجم الأوروبية التي تبحث في أصول الألفاظ، أن كلمة “الراكت” (Rocket) الإنجليزية، وكلمة “Raquette” الفرنسية وتعني مضرب الكرة، مشتقة من الكلمة العربية “راحة” أي راحة اليد، ولا تزال كلمة “الراحة” تطلق في بعض اللهجات العربية الحديثة على شيء يشبه مضرب الكرة هو راحة الخباز التي ينقل بها الأرغفة.
“يجب أن تكون ألعاب الصبيان تناسب أجسامهم الصغيرة ولا ترهقهم، وأن تكون هذه الألعاب جميلة ليستريح بها الصبي من عناء الدرس وينشط بالعمل
• كرة القدم: كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، واللعبة المعشوقة للتفرج، واللعبة التي يمارسها الأطفال والشيوخ، والتي تمارَس تلقائيًّا منذ الصغر.
ومع أن الكرة هي قطعة من الجلد المنفوخ لا جمال فيها ولا فتنة، ولا تصلح حتى أن توضع في ركن بالبيت، فإنها تصنع الأفاعيل في الأجيال وأجناس البشر. ومع أن قانون لعبة كرة القدم لم يرتفع أبدًا إلى قانون الشطرنج أو أي لعبة فكرية أو بدنية، إلا أنه يحفظ قواعدَه الفقراءُ والأغنياء، والنساء والشيوخ، والسياسي وغير السياسي، بل يحفظه كل الناس من البشر.
ولقد عَرفتْ هذه اللعبة أممٌ كثيرة ولكن بصورتها البدائية، من تلك الأمم الصين، والهند، واليونان، والرومان وغيرها. وقد وُجدت نقوش فرعونية على جدران معبدي الأمير خبتي، والأمير باكت، لنسوة يلعبن بكرات مستديرة. وأكد العلماء أن هذه النقوش تعود إلى عام 2040 ق.م، فيما يقول المؤرخون الصينيون إن أول مباراة دولية في لعبة كرة القدم جرت بين الصين واليابان في عام 100 ق.م. وعن المصريين القدماء نقل الفينيقيون ألعاب الكرة، فانتشرت في اليونان ومنها أخذ اللعبة الرومان وعبَروا بها المانش إلى بريطانيا.
ويَعتبر البعض أن العرب والمسلمين أول من وضع قواعد عامة لكرة القدم، ونظّموها وابتكروا لها وسائل تجعلها لعبة جميلة ومسلّية في آن واحد.
وكانت الكرة في أول الأمر تُصنع من الحجارة والآجر، ثم الخرق، وكانت الكرات المصنوعة من الخرق تسمي “اللوثة”، وكانت تصنع أحيانًا من مادة لينة تشبه المطاط وإن لم تكن منه، وكانت تُكسى أحيانًا بالجلود أو الفراء وخاصة فراء الأرنب فتبدو مثل الكرة المعروفة حاليًّا.
ومن الثابت تاريخيًّا أن تراث الأدب العربي مليء بشتى أنواع الرياضة البدنية، منها على سبيل المثال: العدو، الفروسية، اللعب بالعصا، حتى الرياضة الذهنية الشطرنج والألغاز والمسائل الحسابية.. أمّا بخصوص كرة القدم التي هي أهم وأشهر اللعبات الرياضية في العصر الحالي، فإننا إذا نظرنا في صفحات تراثنا الأدبي شِعره ونثره، لوجدنا عنها الشيء الكثير من الذكر، يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:
يُدَهدونَ الرؤوس كما تُدَهْـدي
حَـزاوِرةٌ بأبطَحِـها الكُرِيْنا
يدهدهون: يدحرجون، الحزاورة: الغلمان الغلاظ الشداد، الأبطح: الملعب مكان مطمئن من الأرض، الكرينا: الكرات أو الأكر (جمع كرة).
ومن أبلغ ما قرئ حول الكرة من كتاب محاضرات الأدباء، وهو تصوير بديع لحالة حبها ثم ركْلها، قول أبي قريش بن أسوط يصف الكرة:
يحبُّ دنوَّها لهفًا إذا ما *** دنــتْ مـنه بكــدٍّ أي كدِّ
قلاها ثم أتبعها بضربٍ *** وأعقب قربها منه ببعدِ
وعن كرة القدم في تراثنا النثري، نجد قول ابن خلدون في تاريخه يصف معركة دارت بين فريقين: “ولأنهم -على ما يظهر- كانوا يواجهون القتال أبدًا كأنهم يواجهون ساحات الصوالج والأكر”.
كما ورد في كتاب “نثار الأزهار في الليل والنهار وأطايب الأصائل والأشجار” لابن منظور صاحب لسان العرب المتوفى (711هـ-1311م): “الدبوق كرة شعرية ترمى في الهواء، ثم يتلقاها الغلام ضاربًا لها تارة بصدر قدمه، وتارة بالصفح من ساقه اليمنى رادًّا إيّاها إلى العلو على الدوام”.
(*) باحث في التراث العربي والإسلامي / مصر.