باتت تصاميم العظام الإنسانية تشكل مصدرًا للهندسة المعمارية الحديثة. لقد نجح مهندسان معماريان بريطانيان في تصميم جسر مستلهم من عظام العمود الفقري.
إن الكائنات الحية تستطيع أن ترفع الأحمال الثقيلة بمنتهى السهولة بفضل تكوين هيكلها العجيب ونظامها العظمي الخارق الذي متعها الخالق الحكيم به. “كريس ويليامز” من جامعة “باث” يقول: “ليس هناك أدنى شك في أنه لو تمت مقارنة يدِ الإنسان مع أي جهاز مُصَنَّع، فسيتضح أن هيكل اليد العَظْمِي يعمل بصورة أكثر دقّة وأرقى جودة”.
إن العظام تمتلك تكوينا هندسيا في منتهى التعقيد والتركيب. الأمر الذي يضع الباحثين أمام جهد كبير للاسفادة منه في التصاميم المختلفة. بيد أن “ويليامز” وزميله “نسوغبه” قد طوّرا نموذجًا في الرياضيات أثبتا من خلاله إمكانية إنجاز منشآت معمارية تشبه التصاميم العظمية. إن “ويليامز” استطاع أن يبني جسره المركب ويعبر عنه بالاعتماد على معادلة رياضية بسيطة. فلقد كانت الجسور التقليدية تتكون من عناصر كثيرة ومختلفة في خواصها الميكانيكية؛ كما أن الثقل الذي يحْمله كل عنصر مختلف كذلك. وفي هذه الحال يصعب التكهن بالكيفية التي ستتحرك بمقتضاها هذه العناصر بعد تركيبها. فمثلا جسر “ميلنيوم” في لندن بدأ بالاهتزاز في أثناء سير المارة عليه، الأمر الذي وضع المصممين في موقف حرج، في حين أن توقع تحركات جسر تم إنشاؤه والتعبير عنه بمعادلة واحدة بسيطة سيكون أكثر سهولة.
هناك فوائد أخرى لهذا التصور الجديد؛ فإن “فينسنت” من جامعة “ريدنج” يقول: “إذا كان هناك بيان رياضي واحد لبناء بأكمله، فذلك يعني أن البيان متماسك ومتكامل إلى أقصى حدود”. ومن ثم إذا كانت الأَشكال الهندسية تتغير ببطء دون أن تُبدي تغيرًا مفاجئا، فهذا يعني أن هذه الأنواع من المباني منشآت منتظمة التغيير ومتماسكة البناء. أما المنشآت التي تتعرض لتغيرات آنية ومفاجئة، فإن التمددات تتكاثف وتزداد لتكوّن مناطق ضعيفة تساعد على إسراع تحطم الخامات وتهشمها. في حين أن التغير في البناء العظمي منتظم ومتماسك ويزيد من مقاومة الكيان العظمي ومتانته، وذلك يساعد على توزيع الطاقات بشكل أكثر تجانسًا وتوازنا داخل البنية. من هنا يمكن القول بأن الأشكال الهندسية التي يتم إعداد تَصامِيمَها بوحي من النظام العظمي في جسد الإنسان سوف تتمتع بنفس الأوصاف المذكورة.
إن هناك حاجة ماسة لأبحاث ودراسات متقدمة تفسح المجال أمام إمكانية نقل التصاميم العظمية إلى قطاع الهندسة المعمارية. ولما كانت هذه التصاميم شديدة التركيب والتعقيد فيجب فهم خصائص كافة الأشكال بالتفصيل، وإلا فإن التقليد الأعمى لن يؤدي إلى أي فائدة.
هذا، ومع تطور العلوم الحديثة اليوم يمكن فهم أسرار التصاميم العجيبة الموجودة في أجسام الكائنات الحية بصورة أفضل والاستفادة منها في مجالات شتى من الحياة. كما يمكن كذلك فهم العناية الربانية الشاملة والعلم الإلهي المحيط والحكمة الخارقة والصنعة البديعة المتلألئة في كل مكان.
____________________
(*)الترجمة عن التركية: أ.د. الصفصافي أحمد القطوري