الطريق إلى مكة من أرض الشام طريق تجاري ضارب في القدم، تلتقي فيه روافد الطرق الأخرى الكثيرة من سائر بلاد العرب. وهو طريق عامر ترتاده القوافل العربية، وبخاصة إذا حل فصل الصيف القاسي في جزيرة العرب، ولا يوازيه شهرة إلا الطريق القادم إلى مكة من أرض اليمن في فصل الشتاء.
على امتداد الطريق الشامي في تلك الليلة المباركة كانت السماء صافية، ونسائم الصبا تداعب كثبان الرمل في ضوء القمر. النجوم أخذت تزهر مذ خيَم الظلام، وبدت كأنها على موعد مع مناسبة سعيدة طال انتظارها. ها هي القوافل تلقي بأحمالها لتستريح في عرض الصحراء الباردة، وقريباً من نيرانها الموقدة تجمع نفر من الرحالة يصطلون ويتسامرون، كما هي العادة في ليالي الصحراء. كان الزمهرير قارساً والظلام حالكاً، ولم يخطر ببال أحد من الرحالة أن ينظر إلى السماء حين اخترق السكونَ المهيب فجأة فرسٌ مجنّح يطير بسرعة البرق الخاطف قادماً من أرض الشام في طريقه إلى الحجاز.
لم يكن ذلك سوى البراق.. الدابة المباركة التي أعدها الله تعالى لتنقلات أنبيائه ورسله بين قارات العالم. لكنها المرة الأولى التي يشاهد فيها محلقاً فوق سماء الجزيرة منذ انقطاع الرحلات المتكررة للخليل عليه السلام بين مكة وبيت المقدس. فمَن النبي الكريم الذي امتطاه تلك الليلة؟ وأي مهمة عاجلة جاء منها؟
كان الراكب في تلك الليلة المباركة “محمد بن عبد الله” النبي القرشي صلى الله عليه وسلم، وقد عاد للتو من بيت المقدس بعد أن أقيمت على شرفه في ملكوت السماء أعظم مراسم الاحتفاء لكائن بشري بعد آدم عليه السلام. غير أن قصة التكريم المحمدي هذه -التي اكتمل تتويجها في ليلة الإسراء والمعراج- تم التمهيد لها قبل ذلك بكثير، بل إن فصولها تعود إلى الأيام الخالدة الأولى في تاريخ النبوات، ولعل أظهرها يومان مشهودان عمرت بهما بطاح مكة وشعابها.
أشرقت شمس اليوم الأول على بيوت مكة مع مقدم شيخ وقور متوجه صوب بيت إسماعيل عليه السلام يتفقد ذريته ويتعهد أهل البيت. كان ذلك إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. أما المهمة التي جاء من الشام لأجلها فمباركة المحضن الصالح وتزكية المنـزل الذي ستنتقل منه السلالة الطاهرة التي سيخرج منها الغلام الهاشمي عليه الصلاة والسلام. وفي ضحى اليوم الآخر كان إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام يحدان حدود البلدة المباركة، ويخطان الأصول الكبرى لدعوة النبي الخاتم الذي سيظهر منها، وهما يرفعان القواعد ويدعوان الله تعالى: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(البقرة:127-129).
إن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار. وقد نظر في قلوب العباد فاصطفى قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منها، ثم حفظ نسله في رحم الغيب وتنقّل به في محاضن الطهر جيلاً بعد جيل.. ما بين بابل ومصر وإيلياء، ثم اختار له من أرض الحجاز خير دار. ومن جوار زمزم في الوادي المبارك دنت ساعة الرحمة ونبعت عين الحياة، فولد الهدى صلى الله عليه وسلم سالماً من النقص، محفوفاً بالتشريف، ومكلوءاً بعين الرعاية والتبجيل.
ومنذ اللحظة الأولى يسند الله تعالى مهمة رعاية الغلام وهدايته وكفايته إليه وحده دون سواه. وبعد أربعين عاماً يرفعه إلى أعلى المقامات ويكرمه بأشرف الكرامات ليصبح الفتى الهاشمي رسول الله وخاتم النبيين. وحين انقطع الوحي يسيراً عنه في مبدأ النبوة، وزعم من كفر بأن ربه قلاه تنـزّل الوحي الكريم بقَسَم الرب العظيم مذكراً بلسان المحبة والحفظ: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾(الضحى:1-8). وتدنو ساعة التكريم الأعظم في ليلة الإسراء والمعراج بعد عشرة أعوام عطرة من التشريف والكرامة.
موعد قرب زمزم
بعد الخروج من حصار الشعب المجهد الشاق الذي دام ثلاث سنين، فقد النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أعز المقربين إليه في أقل من ثلاثة أشهر؛ عمه الرحيم الذي كان يحميه، وزوجته الحنون التي كانت تواسيه. وما هو إلا أن تجرع القلب الكريم مرارة الفراق، واعتصر الفؤاد لألم الوحدة حتى تنـزل الأمر الإلهي بإحضاره إلى ملكوت السماء، ليذوق حلاوة الوصل في جوار ربه وليرتفع في مقامات العبودية والتشريف. كان الأمر يفوق الخيال غير أنه حقيقة.
لقد سلك هذا الطريقَ التجاري في شبابه قبل البعثة مراراً، وهو يعلم يقيناً أن رواحل العرب تسير فيه شهراً للوصول إلى الشام، ومثلَه في الإياب منه إلى مكة. لكن ها هو الآن يرى امتداد الطريق يطوى أمامه كالنهر المتعرج، وذلكم مسجد إيلياء يتراءى أمام بصره. أيعقل هذا؟ لقد قطع المسافة كلها في لمح البصر. ومن جوار المسجد يرتقي به أمين الوحي جبريل عليه السلام إلى أعلى متجاوزاً به طبقات الغلاف الجوي، الذي تقطع رواحلُ الغرب الحديثة الطريقَ إليه في ساعات رهيبة ومخيفة، وتعود منه كذلك. ها هو يعبُر المجرة الشمسية، مخلفاً وراءه السدم والأفلاك الكونية ليصعد إلى هناك، حيث أبعدُ نقطة عن عالم الأرض تنقله إلى عالم السماء. ومن باب السماء الأولى يتنـزل الأمر الإلهي بالسماح به ليرقى في ملكوت السماء الأعلى، متنقلاً بين مراسم الاستقبال العظيم الذي جمع له فيه من كل سماء مقربوها، والتقى بأشرف ساكني السماء من أنبياء الله تعالى ورسله؛ آدم ويحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى عليهم السلام. وفي السماء السابعة استقبله أبوه إبراهيم عليه السلام وسلم عليه. ثم رقي إلى هناك! حيث لم تطأ قدم قط ولا خفق جناح، وشاهد من العوالم الباهرة ما يعجز عنها الوصف، ولا يفيها بديع الرصف سوى ما ورد في حديث الرب سبحانه وهو يخبر عما جرى هناك بقوله جل شأنه: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾(النجم:11-18). ثم عاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ليلته دون أن يشعر بعودته أحد من أهل مكة.
مقدمات الحدث العظيم
كانت التهيئة الإلهية للجسد الطاهر دقيقة لكي يتحمل ما سيعرض له في هذه الرحلة من عوالم لا طاقة لآدمي بتحملها؛ فبعد صلاة العشاء من تلك الليلة المباركة نزل جبريل عليه السلام بأمر ربه إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ففرج عن سقف بيته، ثم شق صدره وأجرى له عملية جراحية ربانية لم يفقد فيها قطرة دم شريفة واحدة. غسل خلالها صدره الشريف بماء زمزم، ثم جاء بطشت من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدره ثم أطبقه وأعاده من جديد كما كان، بل أحسن مما كان.
بعدها أخذ جبريل عليه السلام بيده صلى الله عليه وسلم إلى الخارج ليريه دابته التي ستقله إلى المسجد الأقصى في أرض الشام، قال صلى الله عليه وسلم: “أُتيت بالبراق؛ دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس” (متفق عليه). وفي أرض النبوات ومنبع الرسالات أظهر الله تعالى فضله على أهل الأرض قاطبة؛ فعند وصوله ربط البراق بالحلقة التي كان يربط فيها الأنبياء، ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم أتاه جبريل بالمعراج ليصعد فيه فلما استوى عليه صعد به إلى السماء. وقد شهد تلك الليلةَ بِطْريقٌ من المقربين لهرقل ملك الروم، وكاد هرقل نفسه أن يسلم بسببها؛ فبعد هذه الليلة المباركة بقرابة عشر سنين قدم دحية الكلبي رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. فلما انصرف دحية رضي الله عنه، أمر هرقل بإحضار من بالشام من تجار مكة، وكان هرقل وافر العقل، فسأل عن أقربهم من محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أبو سفيان،
فقال له: هل جربتم عليه كذباً؟ فاجتهد أبو سفيان أن يحقر من أمره ويصغره عنده فلم يجد ما يسعفه. قال أبو سفيان: حتى ذكرت قوله ليلة أسري به فقلت: أيها الملك، ألا أخبرك خبراً تعرف أنه كذاب؟ قال: وما هو؟ قلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا، أرض الحرم، في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح. قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال بطريق إيلياء: قد علمت تلك الليلة. قال: فنظر إليه هرقل وقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني لمعالجته فغُلبنا فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلاً، فدعوت إليه النجاجرة فنظروا إليه فقالوا: إن هذا سقط عليه النجاف والبنيان، لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى. قال: فرجعت، وتركت جانبي الباب مفتوحين، فلما أصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال: فقلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة بمسجدنا.. (مقتبس من الحديث الطويل الذي رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب دلائل النبوة).
فلما خرج صلى الله عليه وسلم من المسجد قدّم إليه جبريل إناء من خمر وإناء من لبن ضيافة للزائر العزيز، وطلب منه أن يختار، قال صلى الله عليه وسلم: “فاخترت اللبن”، فقال جبريلَ عليه السلام: أصبت الفطرة، “ثم عرج بي…”. (رواه أحمد). وفي السماء أظهر الله تعالى شرفه ورفعته صلى الله عليه وسلم، حيث بلغ به مكاناً علياً لم يصله ملك مقرب ولا نبي مرسل، وبلّغه ربه سدرة المنتهى، وهي التي ينتهي إليها ما يعرج به الملائكة من الأرض فيُقبض منها، وإليها ينتهي ما يُهبط به من فوقها، وهناك رأى جبريل عليه السلام مرة أخرى على هيئته التي خلقه الله عز وجل. ثم جاوز به الحد الذي لا يتخطاه جبريل أمين أهل السماء نفسه. وفي تلك البقعة المباركة الشريفة سمع صريف الأقلام، وفرض الله تعالى عليه وعلى أمته الصلاة، ولم يكن أحد قط أقرب منه صلى الله عليه وسلم. ثم هبط إلى بيت المقدس والظلام لا يزال حالكاً، ودخل المسجد، قال صلى الله عليه وسلم: “فلم ألبث إلا يسيراً حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفاً ننتظر من يؤمنا؛ فأخذ جبريل عليه السلام فقدمني فصليت بهم. فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قلت: “لا”. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل” (رواه أحمد).
وفي هذا دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم هو الرئيس المقدم والإمام الأعظم لسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، حيث قدمه جبريل عليه السلام ليكون إماماً لهم في دارهم التي هي معدن النبوات وأرض الرسالات. ثم خرج من بيت المقدس فحل رباط البراق وركبه عائداً إلى مكة.
في طريق العودة
ها هو ذا الكوكب الأخضر يَسبَح في ملكوت الكون الهائل، وبحارُ السدم والأفلاك والمجرات تحيط به. وها هي جزيرة العرب يقطع وشاحها المظلم خيوط القمر المنسدلة في هدوء، وذاكم هو الخط الترابي الطويل الذي شهد سماؤه أعظم رحلة بشرية على الإطلاق، وعلى البعد تُرى قوافل العرب تسير فيه، وأخرى تستريح حوله.
لم تغب عن ذاكرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مشاعر الحنين في رحلاته الأولى كلما يممت المطايا وجوهها قِبل مكة في طريق عودتها من الشام، وكلما رفعت الإبل أعناقها في سيرها الطويل تستشرف جبال مكة من بعيد، شوقاً إلى نسائم البيت وعبق أذاخره، وهي محملة بالبضائع والتحف الشامية النادرة.
غير أن هذه الرحلة الإيمانية -خارج حدود الحجاز، وبعيداً عن كوكب الأرض- كانت الأولى للفتى الهاشمي بعد أن أكرمه الله تعالى بالرسالة. وهي المنطلق الحقيقي الذي انتقلت الدعوة بعده خارج مكة لتعم أرجاء الجزيرة العربية ثم انتشرت بشكل مذهل في غضون سنوات لتعمّر جميع أقطار الأرض.
وعلى الرغم من درجة الظهور والريادة للطريق الذي يربط بين مكة وبيت المقدس، فقد شهد تاريخ النبوات تقارباً كبيراً كذلك بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى. حتى إن سورة الإسراء ذاتها قرنت بحديث طويل وجميل عن بني إسرائيل، وفي مطلعها قوله جل شأنه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً﴾(الإسراء:1-2)، بل إن الاسم الآخر لسورة “الإسراء” هو “بنو إسرائيل”.
وقبل أن يطبق البراق جناحيه، ويهبط بجوار البيت العتيق ليعود الراكب الكريم إلى فراشه الذي لا يزال ساخناً، كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اخترق بروحه وجسده حاجز الزمن في تلك الليلة المقمرة؛ وعدلت الساعاتُ القليلة الماضية التي قطعها ملايينَ السنيين الضوئية بمقياس البشر. رأى خلالها من المَشاهد والعوالم ما لا قدرة للعقل البشري على إدراكه، وأعاد تاريخ النبوة حياً في القلوب، قلوبِ المؤمنين به من أمته الذين يصدقون بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وبقيةٍ قليلة ممن آمن به من أهل الكتاب الذين أمرنا الله سبحانه بالإحسان إليهم، ولين الحديث عند الحوار معهم؛ لأنهم صدقوا بما أنزل الله تعالى على رسله، قال تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت:46).
ولا يفوق التقارب بين المسجدين، والطريق الذي يربط بينهما من حيث الظهور والريادة إلا ذلك الترابط الكبير بين سيرة النبي المكي الخاتم من ذرية إسماعيل عليه السلام، وسيرة النبي المقدسي الخاتم من ذرية إسحاق عليه السلام.