ليس شعرًا ما أبوح به بل أنين الروح في الجسد
تشتكي من ليل غربتها عن زمانٍ حالمٍ رَغَدِ
فارقَتْهُ وهي باكيةٌ في ضحى مستوحشٍ نكد
هبطتْ في الجسم مرغمةً كهبوط الجسم في اللحَدِ
كلما نامت مواجعُها أيقظتها صرخةُ الكمد
تركتْ شمسًا بلا لهبٍ وضياءً غير متقدِ
كنتُ طفلاً عندما هطلت في أثيرٍ طاهرٍ أبدي
سكنتني فاستضأتُ بها وكفتني شر ذي حَسَدِ
هي من قبلي على شغفٍ وهي من بعدي على رشدِ
أرّقتني بالحنين إلى شاطئ مخضوضر الزبد
مورقٍ حصباؤه درر زاهيات ضفتاه، ندي.
يا ابنة النور التي سكنت أضلعي واستوطنت كبدي
أنت من نور الإله سنىً يرتوي من فيضه الصمدي
وأنا يا روح، أنتِ، فإن تهجريني، صار أمس غدي
في فؤادي ثورةٌ ودمي، وهما لولاك في بدد
فأفيضي من سناك على لهبي فيضًا من البرد
قد مللت العمر أذرفه في جحيم غير مبترد
زاهدٌ لا شيء يأسرني غير الحب الواحد الأحد
هو في السراءِ نافذتي وهو في الضراءِ معتمدي
أنا في ذكراه منجذبٌ، سارح، لا توقظو خَلَدي
شاردٌ في أفق طلعته أتقرّى نوره بيدي
عاشق لم تسبني أبداً مقلةٌ للفاتن الغرد
حيرتي فيما أراه هنا في وجوه الناس من عُقد
وخلافات مروّعةٍ لم تدع في الأرض من أحد
طال في ليل النوى سفري وهوى من طولهِ جَلدي.
يا زمان الوصل في وطنٍ سرمدي الوصل والأمد
تحت عرش الله، يرفده ملكوتُ الحب بالمدد
كم شربنا من مناهله وارتوى بالنور كل صدي
يتساوى في شريعته أرنبُ الغابات بالأسد
ما الذي يبقى لعالمنا من مُنىً، أو طارفٍ تلد
ما الذي يبقى له ولنا في مدىً بالهول محتشد
إن تخلى عن سكينته وتناسى واحدَ العَدد
بارئ الأكوان مبدعها في بناءٍ باذخٍ صَلِد
هو في سري وفي علني هو في نومي وفي سَهَدي
هو في حلي ومرتحلي هو في أهلي وفي ولدي
هو في خبزي وفاكهتي هو في قومي وفي بلدي
وله أسلمت ناصيتي وحدَهُ “سبحانه” سندي.