قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الأنعام:141).
في هذا المقال سنحاول الكشف عن إمكانيات فاكهة الرمان، واستعمالاتها الوقائية والعلاجية على مدى التاريخ الإنساني، مع التركيز على استخدامات هذه الفاكهة في الطب الحديث، من خلال الأبحاث المنشورة حديثًا في الدوريات العالمية، مما يكشف الإعجاز القرآني في الإشارة إلى هذه الفاكهة واختصاصها بالذكر. إن الحضارات القديمة في الأرض تكاد تُجمع على أهمية الرمان وفوائده الطبية العديدة، وتنظر إليه بعين التقدير والاعتبار.
ففي الحضارة اليونانية القديمة، فإن الرمان كان يمثل الحياة والتكاثر والزواج، ودخلت حكاياته وفوائده الخارقة في كثير من الأساطير اليونانية، كما كان يُعرف باسم “فاكهة الميت” نظرًا لأن المحتضر عادة ما يطلب الرمان.
والمصريون القدماء كانوا يعتبرونه واحدًا من الفواكه المقدسة، ووُجد في الرسوم الموجودة على المعابد المصرية القديمة. والفُرس كانوا يعتبرون أن بذور الرمان إذا أكلها المقاتل جعلته لا يُهزَم في الحرب. والبابليون اعتبروا أن بذور الرمان هي العنصر المحفز للبعث والنشور. وعند الصينيين القدماء، فإن الرمان يرمز للحياة الأبدية، ويستخدمه الصينيون بشكل كبير في فنون الخزف، حيث يرمز إلى الخصوبة والوفرة والذرية الصالحة والمستقبل السعيد.
شجرة الرمان
شجرة الرمان شجرة جذابة متوسطة الحجم، يبلغ متوسط ارتفاعها حوالي خمسة أمتار وتعيش لسنوات طويلة. تبدأ الإنتاج بعد السنة الأولى إلى 15 سنة، حيث يبدأ الإنتاج في التراجع، وفي بعض الحالات التي سُجلت في جنوب أوروبا عاشت الشجرة ما يزيد على مئتي عام.
وهي شجرة دائمة الخضرة في كثير من المناطق، ولكن في بعض الأماكن وبعض الأنواع منها، تتساقط أوراقها وتتجدد سنويًّا. لها زهور جذابة، حمراء برتقالية، وأوراق صغيرة لامعة رمحية الشكل، كما تتميز ثمارها المعروفة بتيجانها الكأسية، وتتراوح ألوانها من الأصفر إلى الأحمر الغامق، كما تحتوي الثمرة على العديد من البذور المحاطة بحويصلات العصير المتعددة الأضلاع، والمرصوصة بتداخل عجيب.
الرمان في الطبّ
تقريبًا كل أجزاء النبات تُستخدم في الأغراض الطبية؛ الزهور والعصير، والبذور الجافة، وقشرة الثمرة، واللحاء المحيط بالسيقان والجذور.
كما أن الجزء المأكول من الثمرة يحتوي على نسبة 80% من عصير و20 % من بذور. والعصير يحتوي على 85% من ماء، و10% من سكريات، و1.5% من بكتين، وحمض الأسكوربيك والبوليفينولك فلافينويد.
أما الكيماويات النباتية الموجودة في الرمان فهي:
العصير: يعتبر مصدرًا مهمًّا لنوعين من مركبات البوليفينولك: أنثوثيانين وهيدروليزابل تاننيس.
البذور: تُعتبر مصدرًا مهمًّا للألياف والسكريات والبكتين، كما تحتوي على هرمون الإستروجين.
لحاء الشجرة: يحتوي على حمض البونيكوتانيك، وحمض الجاليك -مانايت- بيليتيرين ميثيل ايزوبيليتيرين.
القشرة الخارجية للثمرة: تحتوي على معظم الكيماويات النباتية.
الرمان في الطب التقليدي
استُخدم الرمان في الطب التقليدي على مدى طويل من الزمان في معظم حضارات الأرض، وأهم استخداماته:
أمراض الجهاز الهضمي: الإسهال والدوسنتاريا، والمغص المعوي، والتهابات القولون، وعسر الهضم، والطفيليات المعوية، وعلى الأخص الديدان الشريطية.
أمراض الأجهزة التناسلية: مثل التهابات الجهاز التناسلي، والإفرازات البيضاء، وفرط الطمث.
أمراض الجلد والأنسجة الرخوة: تُستخدم القشرة كدهان خارجي في حالات التهابات الجلد التحسسية، حب الشباب، والتهابات الثدي.
ويُستخدم الرمان كذلك في أمراض الجهاز العصبي مثل الشلل، والصداع، والهستريا. وفي حالات الشرج الجراحية مثل البواسير وسقوط المستقيم. وفي أمراض العين والأذن مثل آلام الأذن، وضعف الإبصار. وفي أمراض الفم والأسنان مثل التهابات اللثة وآلام الأسنان.
الرمان في الطبّ الحديث
هناك العديد من الأبحاث المنشورة حديثًا في الدوريات الطبية العالمية -وعلى الأخص في السنوات القليلة الماضية- والتي تدل على الأهمية الفائقة للرمان في العديد من المجالات الطبية منها:
فاعليته كعنصر مضاد للأكسدة: يحتوي الرمان على عناصر ذات فاعلية عالية كمضادات للأكسدة التي تعمل على الحفاظ على صحة الخلية الإنسانية وتقاوم الأمراض. فالرمان يحتوي على المئات من المركبات المعروفة، من بينها مركبات “البولي فينول” القابلة للذوبان (Soluble Polyphenol Compounds)، والتي ثبت أن لها فاعلية عالية كـ”مضادات للأكسدة” مثل “حمض الإيلاجيك” (Ellagic Acid) و”حمض الجاليك” (Gallic Acid) و”الأنثوثيانين” (Anthocyanins) و”الكاتيتشين” (Catechins) و”الإيلاجيك تاننيس” (Ellagic Tannis).
علاج وقائي وكيماوي للسرطان: ثبت أن خلاصة الرمان في الجرعات العلاجية، تسبب موتًا طبيعيًّا لـ”لخلايا السرطانية” (Apoptosis) دون أن تؤثر على الخلايا السليمة. وقد استُخدم بنجاح في علاج سرطان الثدي، حيث ثبت أنه يوقف نمو الخلايا السرطانية، ويمنع انتشارها، ويزيد من معدلات “الموت الطبيعي” (Apoptosis) للخلايا السرطانية. كما ثبتت فاعليته العالية في العلاج والوقاية من سرطان المثانة البولية، حيث يوقف نمو الخلايا السرطانية، كما يتدخل في العوامل الوراثية للخلايا السرطانية بما يؤدي إلى موتها في النهاية.
علاج أمراض القلب والأوعية الدموية: ثبتت فاعليته العالية كمضاد لتصلب الشرايين، وقد تمت تجربته على الفئران والإنسان بنجاح، فوُجد أنه يقلل من نمو البؤر التصلبية؛ وذلك لآثاره المضادة للأكسدة على “الليبوبروتين” وآثاره على “الخلايا اللاقمة” (Macrophages) و”الصفائح الدموية”، واستعادة الوظائف الطبيعية المضطربة للعضلة القلبية.
مضاد للميكروبات وللالتهابات: ثبتت فاعليته العالية كمضاد للفيروسات ومضاد للبكتيريا وكمضاد للالتهابات، ومضاد للعوامل المسببة للتشوهات الوراثية، كما يقوي جهاز المناعة، ويمنع تليف الكبد، ويحفز التئام الجروح، ويقوّي الأنسجة الرخوة، وهذا أيضًا يمكن أن يساهم في منع الخلايا السرطانية من الانتشار.
الرمان في شعارات الهيئات الطبية العالمية
“الجمعية الطبية البريطانية” (British Medical Association)، وثلاث من الكليات الطبية الملكية وهي “الكلية الملكية للأطباء” (Royal Collage of physicians) و”الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد” (Royal Collage of Obstetricians and Gynaecologists) و”الكلية الملكية للقابلات” (Royal Collage of Midwives)، تُضمّن الرمان في شعاراتها، مما يعكس أهميته الكبرى في الممارسة الطبية، وقناعة هذه المؤسسات الطبية العريقة بفوائده الكبيرة.
هذا الاستعراض التاريخي إضافة إلى الدراسات الطبية الحديثة والموثقة، تدل على أهمية الرمان ودوره في الحفاظ على حياة الإنسان، وعلاج الكثير من الأمراض. ومن هنا تأتي الإشارة القرآنية المعجزة لهذه الفاكهة باعتبارها من النعم والآيات الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته، حيث إن هذا القرآن قد نزل على نبي أميّ في أمة تفتقد أسباب العلم والحضارة، فإن هذا يدل على صحة نسبة هذا القرآن.