إكسير الدعاء

لم تقف “حراء” يومًا ما، عند مواطن فكرية معينة لا تتجاوزها… فقد جعلت من الانفتاح على الساحات الفكرية بتنوعها واختلاف توجهاتها، قضية جوهرية معتمدة على إرساء خطها الفكري والثقافي في العالم، وهو دليل احترام المجلة لعقول قرائها وتنوع ثقافاتهم واهتماماتهم. فهذا العدد من “حراء”، يمثل خير تمثيل مصداق ما نقوله ونؤمن به؛ فهو طافح بقمم فكرية عالية المستوى، وامتدادات ثقافية في شتى الاتجاهات تتنوع شكلاً ومضمونًا.
فالمقال الرئيس لـ”فتح الله كولن” الذي يتحدث من خلاله عن فلسفة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، إنما هو صرخة استغاثة تنبئ عن العجز والفقر الإنسانيين، وعن افتقار الأقلام والأفكار مهما بلغت من القوة والسمو إلى الاستمداد من قلم القدرة الأعظم الذي خطَّ سطور السماوات، وأشَّر موازين العدل والحق والخير والجمال… فمهما أبدعت هذه الأقلام فإنها تظل ترنو إلى قلم القدرة المطلقة، وتستمد منه طاقات إبداع ما تسطره من فكر، وتُنشئه من ثقافة وعلم.
أما “القول الثقيل” والمسؤولية العظمى التي أشفقت الأرض والسماء والجبال من حمْلها وحمَلَها الإنسان، فإنها تتجلى واضحة من خلال مقال “أحمد عبادي” الموسوم “إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً”.
وللنورسي -رحمه الله- نصيب في هذا العدد، حيث يكتب “إدريس مقبول” عن “العقل المؤيد بالإيمان عند النورسي” فيقول: “ولما تعددت مراتب الوجود وطبقاته، حتى كان الوجود الحسي أدناها، ولا يمثل شيئًا أمام عِظَمِ الوجود عامة”… إلى أن يقول: “لقد أبان النورسي -رحمه الله- أن منهج التربية في القرآن كما يعلي من قيمة العقل… فإنه في مسيس الحاجة إلى نفحة الإيمان لتحفظه من المهالك وتجعله على أقوم المسالك”.
و”الشاهد البوشيخي” بقلمه العلمي الرصين، يكتب عن “فقه واقع الأمة” فيقول حفظه الله: “أجل، إن مشكلة المنهج هي مشكلة أمّتنا الأولى، ولن يتم إقلاعنا العلمي والحضاري إلا بعد الاهتداء في المنهج إلى التي هي أقوم”.
وفي الأنشطة الثقافية التي أقامتها مجلة حراء في بلدان مختلفة، نقرأ لـ”محمد باباعمي” “مصر.. ومصير الأمة المرتقب، من جمال حمدان إلى فتح الله كولن”، فيورد كلامًا لفتح الله كولن يقول فيه: “الشرط الأساس والسبب الرئيس هو أن لا تخلو الساحة من شجعان مالكين لإرادة تجديدية تحتضن العصر مع الحفاظ على الجوهر اللب”. ويجدر في خاتمة هذا الاستعراض لمواد هذا العدد، أن ننوه بالقصص والشعر في ثنايا هذا العدد وهو ما يشكّل واحة ممتعة ومريحة للقرّاء.