إن التوجه الفكري القاضي بوصف النتاجات الماضية بـ”السلبية” وإطلاق “الإيجابية” على النتاجات المعاصرة، هو توجه يحتاج إلى إعادة الفحص ثم النقد والتقييم، لاسيما وأن الفكر المعرفي والحضاري لا يتجزأ، وهو لا ينتمي لوطن معين ولا تحدّه حدود مرسومة.
تعالج ثنائيات “الأصالة والمعاصرة”، “التقليد والإبداع”، “التراث والحداثة” إشكاليات معرفية عدة، ومن خلالها تنوعت التوجهات الفكرية، وأصبح الحديث عن “الماضي والحاضر” معيارًا فاصلاً لتصنيف المفكرين بين مقلد وحداثوي! والحقيقة تشير إلى غير ذلك، إذ لا يُسلّم الفكر الحاذق مطلقًا بالنتاجات -سواء أكانت تراثية أو حداثية- دون فحصها ثم تحديد مواطن الخطأ والزلل فيها ويؤشر على بؤر الخلل، فضلاً عن تحديد مواطن الصحة وبيان الإبداع وسماته فيها.
وتكمن الإشكالية الكبرى في بيان ماهية “النص التراثي” وتحديد معالمه. وفي هذا السياق، جنح بعض المفكرين لعدّ القرآن الكريم ونصوص المصطفى صلى الله عليه وسلم جزءًا من التراث الإسلامي المتنوع بنصوصه الفقهية والأدبية والفنية والسياسية وغيرها، وأطلقوا الأحكام بشكل عام على هذه النصوص جميعها. ويقتضي التحليل العلمي وضع الفروق الدقيقة بين هذه النصوص لأنها ليست واحدة، إذ تنقسم إلى قسمين:
الأول: النص المقدس (القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم).
الثاني: النص المدنس (النتاجات البشرية في صُعُدٍ شتى).
ونقصد بـ”النص المقدس”؛ النص الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم المتفق على صحتها. ولا نقصد بـ”النص المدنس” الإيحاء بسلبيتها أو عدم نجاعتها، إنما يتجه القصد إلى بيان أنها نتاج إنساني قابل للنقض والنقد والتحليل، وخاضع للتعليل وتعدد الآراء وترجيح ما يقترب من الصواب ونحو ذلك.
ونشير إلى مسألة مهمة، وهي أن النص المقدس لا يُعد تراثًا البتة، إنما هو نص اكتسب أهمية وخصوصية صالحة لكلّ زمان ومكان وليس مُنجزًا يُورّث، هو نص مُنِح صفة الخلود إلى أن يرث الله تعالى الأرضَ ومن عليها، وما عدا ذلك فهو تراث معرّض للدرس النقدي. فالتراث منجزات زمنية تاريخية، صنعتها أجيال متعاقبة في ظروف معينة لا تؤخذ على سبيل الإلزام واللزوم، إنما تؤخذ على سبيل النصح والإرشاد، وعلى سبيل الفائدة والانتفاع، وتدخل في البناء المعرفي لهذه الأمة.
وعلينا الانتباه إلى أن لكل عصر ميزاته في إشكالياته وفي حلوله أيضًا، ولا يصح علميًّا وعمليًّا استدعاء الحلول الماضية الجاهزة لمعالجة المستجدات الحاضرة دون إعمال فكر وتوجيه إصلاح، إذ أحيطت الإشكاليات المعاصرة بهالة من التنوع والتعقيد، التي لا يصلح معها استعارة جاهزيات الآخرين، مع وجود إمكانية الانتفاع من تلك الحلول على سبيل الاستئناس والمعرفة بالشيء.
وانطلاقًا من سنة الكون في التطور والتغير، فإن العقل الإنساني منظومة فكرية متكاملة تتعرض للتغيير وللتطوير المستمرين، وهي متجددة بتقادم الزمان وتنوع المكان، وتكتسب النضج في ترتيب الأولويات، والابتكار المتواصل، ورسم الممارسات المناسبة في إطار ما يُعرض وما يُستجد من قضايا.
إن ثنائيات؛ “الأصالة والمعاصرة”، و”التقليد والإبداع”، و”التراث والحداثة”، مرتبطة بحشد منوع من ثنائيات أخرى مثل؛ التأصيل والتغريب، والتميز والتحيز، والإبداع والاتباع، والانفتاح والانغلاق، والإنتاج والاستهلاك، والنص المبدع والنص المجتر، التطابق والتناقض، العقلانية والاتباعية، الافتعال والاعتدال، التشكيل والتفكيك، الثوابت والمتغيرات، الخطاب التشددي والخطاب التجددي… إلخ. وهي تعمل بشكل منهجي في بيان مسارات الممارسة والتطبيق، وفي تحديد المناطق المعرفية في التضايف والاتصال، والتجاوز والانفصال.
يتجه التضايف إلى إمكانيات الربط بين تفعيل النص التراثي وتشكيل النص الحداثي، انطلاقًا من نقاط التواصل بينهما، والمحددة بفكرة أن المنتجَ الإنساني هو منتجٌ متسلسلٌ متوالٍ يخضع لمسيرة تاريخية لا تنقطع… أما التجاوز فيتجه إلى قطع العلاقات والإرساليات كافة بين المنتج التراثي والحداثي بدعوة اختلاف التوجهين وعطب آليات الاستقبال لتنوع البعدين وتباينهما كليًّا! وهذا مدعاة للنقد والتقييم والنقض عندنا، انطلاقًا من الوسطية الإسلامية التي ننتهجها في تناول القضايا الفكرية ومناقشتها.
وعلينا في مناقشة مفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر، ألّا نغفل التوجه نحو الكليات في الفهم المعرفي الدقيق، الداعي إلى ممارسة التحليل والنقد، وبيان المكاسب وتنميتها وتحديد المزالق وتجاوزها، فضلاً عن عدم التوجه نحو الجزئيات في الحكم المعرفي القاضي بالتقوقع في المعاصرة وقطع أواصر مرجعيات النصوص الحضارية التي رسمت لها شموخها، ومنحتها مزية ومكانة بين الأمم آنذاك.
تتجه مفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر إلى بيان أجندتها في مناقشة أسباب التقدم الحضاري الماضي والتراجع المعاصر، وتضع في برنامجها أولوية النظر في قضية الميزان الزمني للمعطى العلمي، الذي سيمنحها أطرًا مفتوحة للعمل والتحليل بعيدًا عن عقدتي “تضخم الأنا، والدونية” التي اصطبغت بها معظم نصوص المفكرين المعاصرين.
وتتناول قضية الميزان الزمني للمعطى العلمي مسائل عدة، تبدأ مع خصوصية النتاجات العلمية لعقلية تنتمي لزمنها، ولا تنتهي عند عمومية الفكر العابر للحدود والمتجاوز للذوات. إنها قضية تملك حساسية بالغة في الطرح والتناول، وتتسم بمعطيات تشخص الداء وتمنح الدواء.
وإذا ما كُتب لهذه المفاهيم أن تشتغل في هذا الإطار الفكري، فإننا سنحصد إمكانيات معرفية تسهم في بلورة التشكيل الحضاري في المستقبل، وتعين في إعادة صياغته بما يخدم التوجهات العقلانية المعاصرة والاستقبالية بما ينسجم مع رسالة الوحي، وسيظهر أثر ذلك في مسيرة النهضة الإسلامية الوسطية المنشودة بشكل عياني تطبيقي، بعد أن مورست بحقها في زمن، خلا تنظيرات لمشاريع تبنت شعار النهضة ومارست إجراءات التقليد والاتباع، فظهر جليًّا التناقض بين الفعل والممارسة والتطبيق، واتجهت إلى أرشيف الإنسانية بعد أن عفا عنها الزمن والفكر.
ولا يتسع البحث هنا لسرد تلك التجارب فهي ممتدة وكثيرة شملت معظم أصقاع البلاد الإسلامية من العراق إلى بلاد الشام إلى بلاد المغرب العربي، لكنها وبشكل عام حملت بذور الإصلاح ونية التغيير، وأرادت أن تسهم في إحياء نص وبناء فعل، لكن المشكلة كمُنت في تغافل أو تناسي ما أشرنا إليه في مراعاة “الميزان الزمني للمعطى العلمي”، فضلاً عن مشكلة النظر بعقول الآباء والأجداد. فهُمْ وإن أسهموا في البناء المعرفي الحضاري الإسلامي وقدموا ثمارهم العلمية التي تلذذ بها وانتفع منها الدراسون عبر عصور خلت، إلا أنها أصبحت غير منسجمة ومتطلبات العصر وتنوعاته وتشعباته. وأؤكد أن حديثي هنا، منصب بشكل أساس على النتاجات الإنسانية الخاضعة للتغيير، وعلى الفكر المعرض دومًا للتنمية والتطوير.
لذا بات لزامًا على أولي الفكر والاجتهاد، أن ينظروا من خلال عندياتهم، وأن يسهموا في البناء الحضاري الإسلامي المعاصر وفي مشروع نهضته، انطلاقًا من احتياجات العصر مع الاستئناس والانتفاع من معطيات الآباء والأجداد على سبيل التحليل والنقد وبيان المكاسب والمزالق، وليس على سبيل التسليم والتقليد.
وبهذا المنطلق، ستكتسب مفاهيم النهضة الإسلامية ميدانًا جريئًا في مناقشة قضايا عدة، أخذ منها الخلاف مساحة زمنية استهلك الجهود واستنفر الطاقات. ومن تلك القضايا، مزية الأحكام التي تُطلق على المنجز التاريخي بين موضوعيتها وتحيزاتها، ومعرفة هل أنّ التراث هو خير كلّه وأن الحداثة هي شر كلّها، والسؤال العكسي صحيح أيضًا، وهل تعدّ المعاصرة شرطًا للنشاط العقلي، وأن الأصالة شرط لصدقية الفكر وصلاحية العمل، ثم بيان مسارات الائتلاف والاختلاف بين الأقوال والأفعال للجهود التاريخية المبذولة في البناء المعرفي الحضاري الإسلامي، لاستثمار منجزاتها، ولتجاوز عثراتها، فضلاً عن دراسة ظاهرة “التوافق في الرؤية” التي اتسمت بها نتاجات الحضارة الإسلامية. وتشير هذه الظاهرة إلى التوافق على تحديد الهدف المنشود من الإبداع العلمي في شتى مجالاته، والمحدد بوضع لبنة معرفية في البناء الكلي للحضارة الإسلامية. بمعنى أن ظواهر الإبداع كانت جمعية ولم تكن فئوية أو شخصية.
وعلينا معرفة أن ثنائيات مفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي لا تشتغل لوحدها، إذ هي مصفوفة في نظام ثقافي حياتي متكامل يشمل التوجه السياسي، والنتاج الجماعي الشعبي، والمنجز الاقتصادي. فالنهضة لن تتجسد واقعًا عيانيًّا دون توحدٍ -أو على الأقل تقاربٍ- بين الخطابين السياسي والثقافي، لأن انفصالهما يؤدي إلى انفصام الطرح التنظيري لمشروع النهضة عن الممارسة التطبيقية على أرض الواقع بسبب الحاجز السياسي، وما أشد وقعه وتأثيره في البلاد الإسلامية.
كما ستضطلع هذه المصفوفة بمهمة إعادة ترتيب الأفكار والمسارات المعرفية، والتبشير بثقافة الإنتاج ونبذ ثقافة الاستهلاك، وبيان أن العصور العلمية ليست ملكًا لأحد، وبهذا يمكن غربلتها بما يتفق مع توجهات مشروع النهضة.
وجدير ذكره أن التطلع لبناء مشروع نهضوي إسلامي معاصر من هذه الجهة أو تلك، لا يعني مطلقًا اكتسابه الحقيقة كلها وامتلاكه أسس الصحة في الفعل والعمل، إنما يشير إلى اجتهاد فكري قد يصيب في إجراءاته وقد يخطئ وهذه هي مزية العمل الإنساني، والادعاء باكتساب الحقيقة كلّها يوقع في شَرَكِ النقص والانتقاد والشطط.
وعلينا الانتباه كذلك إلى أنّ الاشتغال في مفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر، لا يعني مطلقًا الانفتاح المفتعل على العالم على حساب ما عُلِم من الدين بالضرورة. بمعنى أن يكون الانفتاح سببًا للتنازل عن الوصايا والتعاليم الدينية كما حصل عند بعض الدعاة الجدد، الذين رفعوا شعار التنمية والنهضة الإسلامية المعاصرة، لكنهم وفي الوقت نفسه تجاوزوا حدودًا ما كان ينبغي لهم تخطيها، ودقّوا بخيارهم هذا أسفين الخلاف في مشروعية تبني العمل في هذا الإطار.
فضلاً عن أنّ الاشتغال في هذه المفاهيم، يجب أن يتسم بالخصوصية والوسطية النابعة من الفهم القرآني والقاضي بكون الرؤية الإسلامية وأسسها العقدية هي المرجع في معرفة الصواب وتمييزه، وتأشير الخطأ والتنبيه من الوقوع فيه. وعندما يتحقق الاشتغال الفكري من خلال هذا المفهوم، عندئذ تكتسب الرؤية صفة المرجع والشاهد والقدوة الحسنة، انطلاقًا من قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(البقرة:143).
وجدير ذكره أن مفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي تتجاذبها أطراف عدة، تبدأ من إشكالية مناقشة المنجز التاريخي، وصولاً إلى قضية تحيزات المدونة التاريخية نفسها وليس انتهاء بمسارات العقلانية المعاصرة التي تفرض أنماطها الفكرية بوصفها ضرورات حداثية يقتضيها الواقع المعيش.
ويمكن الانتفاع في هذا السياق -ومن باب حديث الأمين المصطفى صلى الله عليه وسلم: “الحِكمَةُ ضالةُ المؤمن أنّى وجدَها فهو أحقُّ الناس بها” (رواه الترمذي)- من ميراث الحضارات والشعوب الأخرى؛ فكانت الحضارة الإسلامية في الأندلس معينًا ثرًّا، ونبعًا متدفقًا بالمعطيات العلمية أضاءت ميادين أوربا المظلمة آنذاك.
ولنا في المنجز الإسلامي الحضاري مثال شاخص على ما ذُكر، إذ منح النص الكريم مفاتيح اشتغال للعلماء المسلمين، ورسم لهم خصوصية تتسم بالموسوعية والابتكار وعدم الركون إلى التقليد، والحث على النظر المستمر والسياحة في الأرض، ودراسة حال الأقوام السالفة، لأخذ العبر، وتحفيز العقل على التفكر والتدبر والتأمل، وتقليب الأمور على أوجهها حتى يتبين الحق. وبذلك قدّم المنجز الإسلامي للعالم كلّه أسماء أسهمت في خدمة الإنسانية جمعاء، وأوضحت جوانب علمية كثيرة كانت غائبة عنها، والقائمة في هذا السياق تطول في الجانب الديني، والطبي، والهندسي، والفلكي، والاجتماعي، والتأريخي، والنفسي، والجغرافي، واللغوي، والبلاغي… إلخ.
إن الحديث عن النهضة الإسلامية المعاصرة وبيان مفاهيمها ليس حديثا آنيًّا، إنما هو حديث متجدد بتجدد الظواهر والمعطيات على الصعيدين الإسلامي والعالمي. وقد برزت جهود طيبة في هذا المجال خلال نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ونادت محاولات محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وحسن البنا، وسيد قطب، ومالك بن نبي… وغيرهم، نادت الجهود المخلصة المحبة لدينها والمتجهة لرضا ربها، وحفزت الهمم المبدعة في سبيل فهم جديد للنص الديني ينطلق من قاعدة “ثبات النص وحركية المعنى”، ويتجه نحو احترام سيادة العقل ومعطياته، وخدمة الإنسانية، وتعظيمًا للدور الإسلامي الحضاري الذي بات العالم أجمع بحاجة ماسة لحلوله التي تنتظر مَنْ يُحسِن تقديمها ويبلور نتائجها.
لكن مشروع النهضة الإسلامية محفوف بمطبات عدة، نظرًا لاتساع تنوع الفكر الإسلامي وتشعبه بين معتنقيه. وباتت هذه المطبات عوائق منعت المسار النهضوي، وأخّرت بدورها ممكنات القيام بهذا العمل بشكل جماعي لا فئوي. ويمكن الحديث عن أهم المطبات التي تعتري مسيرة مشروع النهضة الإسلامية من خلال الآتي:
• من أخطر إشكاليات مشروع النهضة الإسلامية هو بعد منظري المشروع أو المشتغلين عليه، عن العلماء العاملين أصحابِ الفتوى والاجتهاد. ويؤدي هذا البعد إلى تباين في المواقف وضعف في التأثير.
• مشروع النهضة الإسلامية من وجهة نظر طائفية. ويقود هذا الأمر إلى نقص في البناء الفكري، وعوز في بيان المقدمات، وفساد في استخلاص النتائج، ولنا في الطروحات الطائفية مثال أكبر شاهد.
• تعد قضية استيراد الحلول الجاهزة، مثلبًا يعوق مشروع النهضة الإسلامية ويؤخر قيامها، لأنه يعتمد على جاهزيات الفكر عند الآخر، وهي غير مناسبة بالضرورة للفكر الإسلامي لتباين خصوصية الطرح في كلا التوجهين.
• لا يمكن تقديم الدعوة إلى ولادة هذا المشروع أو إحيائه جملة واحدة، بل لابد من الاحتكام إلى فقه الأولويات، وبيان مسارات الحاجة المعرفية، وتقديم الأهم على المهم، والعمل وفق تدرج علمي مدروس.
• تباين الأساليب الداعية إلى هذا المشروع بين المسلمين في الشرق وفي الغرب، ويعود سبب ذلك إلى تباين المشكلات واختلافها.
• تباين الطرح النهضوي لدى النخب الإسلامية المعاصرة، ويرجع سبب ذلك إلى التبني الفكري القصدي والموجّه بمسار حزبي ضيق، أو مذهبي محدد، أو طائفي مقيت، أو ذاتي متضخم.
وفي الختام، نأمل أن نكون قد أسهمنا في بيان ما يعتري مفاهيم مشروع النهضة الإسلامية، من خلال تقديم رؤية نقدية توجيهية تقضي بضرورة إحياء الماضي واستلهام الدروس منه، وفحص منجزاته بشكل علمي ومنهجي، وعدم التقيد بها أو تقليدها، لأنها نتاجات إنسانية تخطئ وتصيب. وتؤكد هذه الرؤية احتضان الحاضر والانتفاع من طروحاته، وتحليل معطياته وفق الأسس العقدية المتمثلة بنص القرآن العظيم وبسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مع تحفيز العقل على الاشتغال والابتكار والإبداع. كما تتجه هذه الرؤية إلى استشراف المستقبل وصياغة مفاهيمه، انطلاقًا من الإيمان بأنّ الرسالة الإلهية صالحة لكل زمان ومكان، وأن المشروع النهضوي المنبثق منها، جدير بخدمة الإنسانية وتقديم ما يصلح لها. وإذا ازدانت الرؤية الاشتغالية في هذا المشروع بما تقدم آنفًا، وتجاوزت المطبات التي تعتري مسيرتها، فإنها ستعيد مجدها الحضاري المتواري طيلة عصور خلت.