قيل لأيوب -عليه السلام- نبي الصابرين وسيد المبتلين أن (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)(ص:42)، أي اضرب، وفي المكان الذي ضرب برجله الأرض، تدفق زخّارًا ينبوع الشفاء الذي اغتسل به وشرب منه، فإذا بأوجاعه وأوصابه وآلامه تنزاح عنه وتغادره إلى غير رجعة وهو في غاية من الصحة والعافية، وكأنه لم يكن “أيوب” ذاك الوجيع المبتلى من قبل…
وأمتنا -منذ عدة قرون- غدت عشيقة مشتهاة للأزمات والكوارث والمصيبات، تلازمنا ملازمة العاشق الولهان، وكأننا من دون أمم الأرض كُتب علينا أن نكون ” أيوب” هذا الزمان، نتجرع الآلام ونعايش الأحزان، وننتهي من مأساة لنقع في الأخرى، ونطلع من فجيعة لنعاني من فجائع أشدّ وأمر، فنصبر ونصبر ونحن ننتظر أن تنبجس ينابيع الشفاء من تحت أرجلنا لنشرب ونغتسل.
وإذا كنا قد صبرنا طويلاً وطويلاً جدًّا حتى ملّ الصبر منا، غير أننا لم نفقد الأمل، ولم نقنط أو نيأس، وبقينا ننتظر أن يأتي يوم الخلاص على يد رجل منا قد صهرته المآسي صهرًا، وعجنته عجنًا حتى استوى رجلاً عظيم الهامة، واسع الإدراك، مستوعبًا لعصره متفهمًا لمشاكل أمته، فيندفع إلى الأمام ليقود هذه الأمة من جديد وينقذها مما تعانيه من بلاءات وأوجاع ومصائب وآلام.
وهذا الأمل الذي عشنا به وعشنا له، ابتعثه فينا وغرسه في عقولنا وقلوبنا رجل الأمل الكبير “فتح الله كولن”، فهو يأخد بأيدينا لنفتش عنه في مكانه من رجال الأمة وشبابها وفتيانها، وهو على يقين بأن رجل الإنقاذ هذا قادم لا محال، وهو وإن كان غائبًا بجسمانيته إلا أنه حاضر شديد الحضور في مخليتنا وذاكرتنا ووجداننا، نعيش معه، ونعيش له، ونترقب قدومه بلحمه وعظمه وبكل كيانه بين يوم وآخر، وربما بين ساعة وأخرى. وها هي الأمة تفتش عنه في عمق أعماق نفسها، وفي ضميرها وذاتها وتاريخها، وفي قرآنها وسنة نبيها، وقد أدركت أخيرًا أنها كلما استثارت إيمانها، وفجرت طاقاتها، وحركت قدراتها، وشحذت إرادتها، اقتربت أكثر من رجلها المؤمل، وربما التقته في أي فرد من أفرادها، فليالي هذه الأمة حبلى على الدوام بأبرّ الأبناء وأصدقهم من رجال الروح والقلب، حيث تقذف بهم من رحمها الخصب بين وقت وآخر ولا شك أنها اليوم حبلى بهذا الرجل المرتقب وهي على وشك أن تضع حملها، وترسل رجلها للمهمة التي قدر له أن ينجزها لهذه الأمة في هذا العصر العصيب.