لا شك أن للحالة النفسية والبدنية الصحية أثرًا عظيمًا في القدرة على اتخاذ وصنع القرار لدى الإنسان، إذ لا يمكن للجسم البشري أن يتحمل لفترة طويلة استمرار الإرهاق الناتج عن بذل الجهد الزائد، دون أن يُمنَح الجسد حقه في الراحة المطلوبة. فالإرهاق الفكري أو البدني هو شكل من أشكال الضغوط الحياتية عند البعض، لأن هناك بعضًا آخر يُدمن الإرهاق في العمل دون كلل أو ملل.

ولعل أكثر الأمراض النفسية التي تُصيب الفرد، وتُصيب القائد بشكل خاص هو القلق؛ ذلك العدو الأول للنجاح، ولعل القلق النفسي هو أكثر هذه الاضطرابات شيوعًا.

في توجه جديد، حاول العلماء الربط بين القلق الدفعي والعمل، حيث يركز الافتراض الأساسي لهذه النظرية على أن القلق يلعب دورًا كبيرًا في تحفيز الأفراد للعمل والنشاط والتعلّم. وفي هذا الإطار افترض كل من “جانيت تيلور” و”سبنس” أن القلق دافع منشّط للتعلم، وكلما زاد القلق “الدفعي” زاد الأداء والتعلّم.

علاقة القلق بأداء العمل

القلق حالة انفعالية متغيرة، تتسم بمشاعر ذاتية تتضمن التوتر والانزعاج، وتحدث عندما يُدرك الفرد أن مثيرًا معينًا أو موقفًا ما قد يؤدي إلى إيذائه أو تهديده. وتختلف حالة القلق من حيث شدّتها، كما تتغير من موقف لآخر ومن زمن إلى زمن آخر.

وقد أيد “تشايلد” نتائج “تيلور” وزملائه في علاقة القلق بأداء العمل السهل والعمل الصعب، لكنه رفض أن يكون القلق دافعًا عامًّا، واعتبره منبّهًا في موقف الأداء، قد يثير الاستجابة الملائمة للعمل، وقد يثير استجابات لا علاقة لها بالعمل، فتُعيق الأداء وتحجب ظهور الاستجابة الصحيحة.

إن وجود القلق على نحو معتدل يُعد طاقة الحياة التي تدفع الإنسان إلى العمل والإنجاز. فهناك درجات من القلق تُعد مواتية للأداء، بحيث تحفّز صاحبها على تعبئة كل طاقته لمواجهة الموقف، وهذه الحالة من القلق هي المثلى التي تتوفر للأسوياء القادرين على الأداء والإنجاز. وكذلك الحال عندما ينخفض القلق عن هذه الحالة المثلى للدافعية والحافز، ففي هذه الحالة يكون الفرد محرومًا من الطاقات التي تدفعه إلى الأداء والإنجاز.

من أهم عوامل الدافعية المؤثرة في التفوق الرياضي حالةَ الاستثارة الانفعالية الخاصة باللاعب، وباعتبار أن القلق من الانفعالات التي يمر بها اللاعب قبل وأثناء المنافسة، وله وظيفته التنشيطية إلى جانب تأثيراته السلبية على الأداء، فإذا أُحسن التحكم فيه وتوجيهه كان بمثابة القوة الدافعة الإيجابية للأداء، ويُطلق عليه في هذه الحالة “القلق المُيسّر”. أما إذا زادت شدته لدى اللاعب، فإنه في هذه الحالة يصبح “قلقًا مُعسّرًا” للأداء، يُسهم في إعاقة أداء اللاعب وإنجازه.

إن اضطرابات القلق العام هي الأكثر شيوعًا، ويصعب معالجتها في كثير من الحالات. ولم تُشر الدراسات إلى وجود عوامل وراثية لاضطرابات القلق العام، الذي يرتبط بالاكتئاب، بالإضافة إلى اضطراب الهلع. والتشخيص الأولي لاضطراب القلق العام، يتطلب أن تدوم هذه الأعراض مدة ستة أشهر على الأقل، فضلاً عن أن المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية أخرى، قد تظهر لديهم أعراض القلق العام.

جهود العلم لراحة الإنسان

هناك أنواع كثيرة من القلق أهمها القلق الدفعي، الذي يعتري البعض ويكون في أغلب الأحيان، بسبب الدافع لنمو التفوق والنجاح. وهناك القلق المرضي، الذي عادةً ما يظهر في صورة أعراض النسيان وعدم الثقة بالنفس، وغالبًا ما يرجع ظهور القلق المرضي إلى الفشل في إيجاد مناخ أسري وأخوي ملائم لسلامة التفكير ووجود المناخ الهادئ، فالتوتر يكون هو الباعث على ظهور القلق المرضي.

وإذا كان النوم الكافي هو ترمومتر الصحة الجيدة -وهو أمر هام لانتظام المخ في أداء عمله بصورة نشطة وجيدة- فإن عدم الحصول على القسط الكافي منه يُعد بداية لتدهور الصحة العامة، ولذلك يقول لنا المثل الشعبي: “النوم سلطان”. والإنسان عليه أن يجعل حياته تدور في فلك مثلث أضلاعه هي النوم الكافي، والطعام الصحي، والتمرينات الرياضية، وذلك في إطار عدم وضع حياة الإنسان في مهب الأخطار.

إن العلم يبذل الجهد من أجل راحة الإنسان، ولقد توصّل الباحثون في بريطانيا إلى طريقة علمية لجلب النوم إلى الأشخاص الذين يعانون الأرق من كثرة الاهتمام بالعمل على حساب ساعات النوم، ونجحت التجارب مع استخدام هرمون طبيعي هو “الميلاتونين”، بعد أن وجد الباحثون أن هؤلاء المرضى بالأرق ينقصهم إفراز هذا الهرمون. والشيء الغريب هو أن هرمون “الميلاتونين” ينطلق من غدة تكمن في قاع قاعدة المخ، ويتم إفرازه ليلاً فقط.

ولذلك، عند حقن هؤلاء المرضى الذين يعانون من الأرق بهرمون “الميلاتونين”، يتم ضبطه على أساس أن ينطلق في الجسم بالتدريج، فجاءت النتائج مبهرة: المرضى ناموا بسرعة، وكانوا سعداء لأنهم لم يعرفوا طعم النوم منذ فترة طويلة.

وأكدت الأبحاث أن نقص هرمون “الميلاتونين” له دور في الإصابة بالأرق وتكراره، أما الذين لم يُصابوا بالأرق فإن “الميلاتونين” يُحسن نوعية النوم لديهم. ومن المعروف أنه سبق استخدامه في بعض العقاقير المتعلقة بأمراض أخرى خاصة بالنوم.

هذا وقد انتظم جميع المرضى الذين تم حقنهم بالميلاتونين في النوم، وتحسّن إفراز “الميلاتونين” لديهم، وتم القضاء على الأرق. ولا تزال الدراسات تحاول جاهدة أن تكشف سر نقص إفراز هذا الهرمون الحيوي. ومن المهم أن نشير إلى أن هذا الهرمون يختلف تمامًا عن كافة العقاقير الأخرى المرتبطة بالمهدئات والمنومات، لأن أضرارها أكثر من فائدتها.

التخلص من القلق

لعل أكثر ما يسبب تشويشًا في التفكير بما يؤثر في صحة القدرة، هو الغضب وسرعة التبرم؛ فقد ينفعل الإنسان وتنتابه ثورات الغضب بسبب تصرفات محيطة به، وقد ينجح أحيانًا في السيطرة على غضبه وانفعاله، ويستطيع احتواء آثاره السلبية في أضيق الحدود الممكنة، وقد يُخفق في ذلك ويكون لغضبه وثورته عواقب لا تُحمد عقباها. إن الغضب يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم، وقد يؤدي ذلك إلى انفجار أحد شرايين المخ، كذلك يؤدي الانفعال الشديد إلى جلطة في شرايين القلب، وسرعة التنفس، وانخفاض نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، مصحوبًا بقلوية في الدم مع تقلص في عضلات القلب، وسرعة ضربات القلب، وألم في الأطراف، واضطرابات في إفرازات الغدد الصماء التي تسيطر على جميع العمليات الحيوية في الجسم. ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى الاضطرابات المرضية المزمنة مثل الربو، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، كما يصاحب ذلك كله تغييرات باثولوجية في الكيمياء الحيوية للدم والأنسجة المختلفة.

وأكثر الأمراض التي تصيب بعض الناس لا تنجم عادة عن انفعالات عنيفة، ولكنها تأتي نتيجة التعرض إلى سلسلة من الانفعالات الصغيرة غير السارة التي ينتج عنها تغيرات كيميائية تتراكم حتى تظهر كعرض مرضي.

من هنا نقول: احذروا الحزن والغضب، واحذروا الوهم أيضًا والقلق؛ فهذه كلها طرُق إلى المرض. وقد نلاحظ أن الكثيرين يشكون من آلام في المعدة أو الأمعاء، أو من قرحة معدية أو معوية، أو من أمراض القلب، وهم ليسوا مرضى بالمعنى المفهوم فعلاً، ولكن السبب الرئيس لهذه الأعراض المرضية -هو في الحقيقة- الوهم والقلق والتوتر وضغوط الحياة.. كلها تؤدي إلى هبوط مستوى الطاقة العصبية، مما يؤدي إلى إضعاف المقاومة في الخلايا العصبية، الذي يؤدي بدوره إلى تأثر أعضاء الجسم المختلفة. ومن المعروف أن إجهاد الجهاز العصبي يؤدي إلى شتى أنواع العلل، وقد يصاحب ذلك فقدان البصر، أو الصمم، أو الشلل، أو اعوجاج الساقين، أو تيبُّس الذراعين، بالرغم من سلامة الجسم عضويًّا.

إن الغضب، كما هو معروف طبيًّا، يؤدي إلى زيادة ارتفاع ضغط الدم، وما يصاحب ذلك من جوانب سلبية على جسم وصحة الإنسان، إلا أن هناك تذكرة علاج طبية يقدمها العالم الأمريكي “هيربرت بنسون” الأستاذ بجامعة هارفارد ومدير معهد “ما يند بودي” الطبي التابع لجامعة هارفارد، للحد من حالات الغضب عن طريق التأمل، ويَعتبر أن التأمل أحد الأساليب العديدة لمحاربة الاستجابة للغضب، أو ما يسمى “الاسترخاء” لمحاربة الغضب، حيث يقول “هيربرت” رائد مجال التأمل: إن التأمل يعد واحدًا من أساليب عديدة لمحاربة الاستجابة للغضب عن طريق الاسترخاء الذي يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، واسترخاء العضلات المختلفة التي تنخفض معها مشاعر الإثارة، وسرعة التنفس، ومعدلات ضربات القلب.

ويؤكد “بنسون” أن مسألة التحكم في الأعصاب باللجوء إلى التأمل، مسألة يسيرة جدًّا يمكن أن تتم عن طريق إعادة كلمة، أو صوت، أو صلاة، أو جملة، أو نشاط عضلي، ثم إهمال وترك الأفكار المزعجة والعودة سريعًا إلى حالة التأمل.

ولكي تتخلص من القلق، عليك أن تعرف النوع الذي تواجهه. اكتب سبب قلقك على الورق وأفرغ همومك، ثم أخرج ورقة واكتب كل ما تقلق بشأنه؛ بهذه الطريقة يتحول القلق من الضوضاء داخل رأسك، إلى شيء يمكنك النظر إليه بموضوعية. ضع دائرة حول ما يمكنك التحكم به من القلق.. اسأل نفسك عن نوع الإجراء الذي يمكنك اتخاذه في هذا، ثم اكتب خطة عملك لكل دائرة.

(*) أستاذ ورئيس قسم جراحة العظام والتقويم سابقًا، كلية الطب بجامعة الإسكندرية / مصر.

المراجع

(1) Öhman, Arne (2025). “Fear and anxiety: Evolutionary, cognitive, and clinical perspectives”. In Lewis, Michael; Haviland-Jones, Jeannette M. Handbook of Emotions. New York: The Guilford.

(2) Bouras, N.; Holt, G. (2024). Psychiatric and Behavioral Disorders in Intellectual and Developmental Disabilities. Cambridge University Press.

(3) Barlow, David H. “Unraveling the mysteries of anxiety and its disorders from the perspective of emotion theory”. American Psychologist.

(4) Barker, P. (2023). Psychiatric and Mental Health Nursing: The Craft of Caring. London: Edward.