مع مطلع عامها الحادي والعشرين، تواصل مجلة “حراء” أداء رسالتها الإنسانية، كجدول صافٍ يفيض بمعاني الهداية التي تطهّر القلوب، وبأنفاس المعرفة التي تفتح آفاقًا تنير درب الإنسان وتبدّد ظلمات الجهل، ناشرةً أنوار الحقيقة في العقول والأرواح على حد سواء.

وفي عددها الجديد، تقدّم “حراء” لقرائها الأفاضل باقة ثرية من الموضوعات التي تلتقي عند سؤال الإنسان عن ذاته وعلاقته بعالمه. ففي المقال الافتتاحي “القرآن-1” يغوص الأستاذ “فتح الله كولن” في أعماق القرآن الكريم، مبيّنًا كيف تغسل آياته أدران القلوب، وتنتشل الإنسانية من متاهات الضياع والفوضى لتعيد إليها التوازن والهداية.

أما الدكتور “محمد السقا عيد” في مقاله “علاقة الغذاء بالسلوك العدواني”، فيكشف الصلة الخفية بين الطعام وسلوك الإنسان، طارحًا سؤالًا محوريًّا: هل يمكن أن يؤثر ما نأكله في سلوكياتنا اليومية؟ ومؤكدًا أن التغذية المتوازنة تعزز الصحة الجسدية والنفسية، بينما تقود العادات الغذائية غير السليمة إلى اضطرابات سلوكية.

وفي رحلة مفعمة بالحنين، يأخذنا الدكتور “يحيى وزيري” عبر سطوره “دروب الماضي في قلب مدن الحاضر” إلى المدن القديمة التي كانت شوارعها مساحات للقاءات إنسانية دافئة، مقارنًا بينها وبين صخب مدن اليوم التي افتقدت ذلك البعد الروحي. ويقترح دمج الدروب التقليدية مع طرق السيارات الحديثة كمدخل لتحسين جودة الحياة في الحضر.

وفي ظل الثورة الرقمية، يعرض الدكتور “أبو زيد عبد الرحيم” في مقاله “العزلة بين الاختيار والاضطرار” كيف تتحول الهوية الرقمية -التي يسعى الإنسان إلى إبرازها بأفضل صورة- إلى عبء نفسي، مبينًا أثر الفجوة بين الأنا الواقعية والأنا الافتراضية في توليد شعور بالاغتراب وضعف الثقة بالنفس، فضلًا عن المقارنات المستمرة على وسائل التواصل التي تزرع إحساسًا دائمًا بالنقص.

ومن جانبه، يوضح الدكتور “عبد العظيم أحمد عبد العظيم” في مقاله الموسوم بـ”قصب السبق في اختراع البوصلة” أن البوصلة لم تكن حكرًا على أوروبا، إنما ترسّخت جذورها عند البحّارة المسلمين في المحيط الهندي منذ القرن التاسع الميلادي، حيث طورها العرب وسبقوا بها الصينيين والأوروبيين في مجالي الملاحة والتجارة.

ويؤكد الدكتور “صابر علي عبد الحليم” في مقاله “السلامة والصحة المهنية في الإسلام”، أن العمل في جوهره عبادة، وأن السلامة المهنية واجب شرعي وضرورة عملية تصون النفس والمال والمجتمع.

كل مقال في هذا العدد نافذة تطل على عالم جديد. فتعالوا ننهل معًا من معينها، ونغذّي عقولنا وأرواحنا، بما يجعلنا أكثر وعيًا وإدراكًا بعالمنا. والله الموفِّق.