مظاهر رحمة الله في الخلق

من نعم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان تيسير رزقه ورحمته، والله خلق الرحمة وأودع في الخلق جزءًا منها، وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا ليرحمَ بها عباده يوم القيامة. ورحمة الله موزعة على الإنس والجن والبهائم وسائر المخلوقات. ومن رحمة الله خلق الليل والنهار؛ ليستعين الإنسان بالنهار على العمل والسعي في الأرض فيما ينفعه، وبسكون الليل على النوم والراحة.

قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[القصص: 73].

ومن رحمة الله تسخير الأرضِ بما فيها لخدمة الإنسان، وإنزال المطر من السماء، والماء أساس الحياة لكل شيء حيٍّ، وأنزل الرسل عليهم السلام والكتب السماوية، ووضع لهم المبادئ والأحكام والفرائض والأخلاق ليتبعوها ويسيروا على هداها. ودعوة الإسلام يسْرٌ، ومنها فتح باب التوبة أمام الإنسان.

قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 31].

والله عزَّ وجلَّ منح الإنسان العقل وجعله قادرًا على التعلُّم بفضل رحمته، ومع ذلك فدخول المؤمنين الجنة يكون برحمة الله وفضله.

قال الرسول ﷺ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ»، قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ بفضلٍ ورحمةٍ» (رواه البخاري).

وقراءة القرآن رحمة، قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[الإسراء: 82].

ومعارف الرحمة الإلهية تُثبِّت قلب الإنسان في وقت المصاعب والبلايا والمِحن، لذلك جاءت الرحمة في التعامل الإنساني ممثلة في العطف والإحسان والرأفة. ووصفَ اللهُ تعالى مجتمعَ المؤمنين بقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح: 29].

بل إن العلاقة مع الوالدين قائمة على الرحمة والإحسان، قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[الإسراء: 24].

والخطاب القرآني جعل العلاقة بين الزوجين قائمة على المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الروم: 21].

وجاءت الإشارة إلى النبوة بالرحمة، قال تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾[الزخرف: 32].
وقال تعالى: ﴿يَخْتَصُّ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾[البقرة: 105].

وجاءت الرحمة بمعنى العافية، إذ خاطب الله رسولَه ﷺ بقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾[الزمر: 38].

والرحمة هنا تشمل سعةَ العيش والعافية في البدن والنجاة من البلاء.
كما أشار الخطاب القرآني إلى الرزق بلفظ الرحمة، قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾[الإسراء: 100].

وجاءت الإشارة بالرحمة إلى المطر لإحياء العباد والبلاد، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾[الشورى: 28].

وفي قصة امرأة العزيز والعصمة، قال تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾[يوسف: 53].

وأشار القرآن إلى الجنة بوصفها رحمة، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء: 175].

والرحمة الإلهية تتطلّب من الإنسان أن يفتح قلبه لحُسن استقبالها والاستفادة منها، ليجعل حياته أفضل وأيسر. وإحسان الله عزَّ وجلَّ في الدنيا يعمُّ جميع البشر، أما في الآخرة فيختص برحمته المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف: 156].

والمسلم يلجأ إلى الله عزَّ وجلَّ طالبًا الرحمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾[المؤمنون: 109].

ومع طاعة الله ورسوله ﷺ يكون الفوز بالرحمة، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[آل عمران: 132].

ومع اتِّباع القرآن الكريم والسنة المطهرة تُنال الرحمةُ، قال تعالى: ﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأنعام: 155].

وفي الاستغفار رحمة، قال تعالى على لسان صالح عليه السلام لقومه: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[النمل: 46].

ومن دعاء أصحاب الكهف: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[الكهف: 10].

والصلاح بين الإخوة سبب للرحمة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الحجرات: 10].

والرَّحمات الإلهية لا تُعد ولا تُحصى، ومنها قبول التوبة، وتحقيق الألفة والوفاق، والتمكين في الأرض، وكشف الضر، والذرية الصالحة، وهداية البشر، ويسر التشريع الإسلامي، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾[البقرة: 185].

بل كانت رسالة الإسلام رسالة رحمة للناس كافة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 107].