إنتاج خلايا عصبية جديدة في أدمغة البالغين

على مدى ستة عقود على الأقل، يتجادل علماء الأعصاب حول سؤال جوهري وهام: هل تُنتج أدمغة البالغين خلايا عصبية جديدة؟ وقد ثبتت عملية “تكوين الخلايا العصبية” هذه لدى حيوانات بالغة أخرى، لكن دلائلها لدى البشر كانت ظرفية حتى الآن. باستخدام تقنية جديدة، اكتشف العلماء خلايا عصبية حديثة التكوين في أدمغة بالغين تصل أعمارهم إلى 78 عامًا ولأول مرة، حددوا خلايا الدماغ الأخرى التي أنجبتها.

تُعدّ النتائج، التي نُشرت يوم الخميس 3 يوليو 2025 في مجلة ساينس، أولى الدلائل على وجود خلايا قادرة على التحول إلى خلايا عصبية، تُسمى الخلايا السلفية العصبية، في أدمغة البشر البالغين. يقول جيرد كيمبرمان، عالم الأعصاب في جامعة دريسدن للتكنولوجيا، والذي لم يشارك في الدراسة: “لدينا الآن دليل قوي جدًّا على وجود العملية برمتها لدى البشر، من الخلايا السلفية إلى الخلايا العصبية غير الناضجة”.

طوال فترة الحمل، يُنتج دماغنا خلايا عصبية جديدة حتى يصل إلى 100 مليار خلية تبدأ بها حياتنا، ويتناقص هذا العدد مع تقدمنا في العمر. منذ عام 1962، أظهرت دراسات أُجريت على الفئران أن تكوين الخلايا العصبية يستمر طوال حياة الحيوانات. ووجدت دراسات أخرى وجود خلايا عصبية صغيرة في أدمغة البشر البالغين. ولكن لم يكن واضحًا ما إذا كانت هذه الخلايا العصبية “غير الناضجة” جديدة حقًّا، أم أن البشر يبدأون حياتهم بمجموعة منها، ثم تتطور ببطء خلال مرحلة البلوغ.

واتضح من هذه الدراسات أمرٌ واحد: إذا حدث تكوين الخلايا العصبية لدى البالغين في أي مكان، فهو الحُصين، وهو بنية دماغية عميقة معروفة بدورها في معالجة الذاكرة وتخزينها. ولكن حتى في الحُصين البشري، لم يعثر علماء الأعصاب بعد على الخلايا السلفية التي تنقسم وتتطور لتتحول إلى خلايا عصبية جديدة.

وكان باحثون في معهد كارولينسكا في السويد قد اكتشفوا سابقًا خلايا عصبية غير ناضجة في الدماغ البشري. شرعت مارتا باتيرليني، عالمة الأعصاب في المعهد، وزملاؤها، في تحديد كيفية تكوّن تلك الخلايا العصبية. استفادت باتيرليني وفريقها من مزيج جديد من التقنيات لفحص الخلايا العصبية غير الناضجة والخلايا السلفية العصبية في حُصين ستة أطفال صغار، تم التبرع بأدمغتهم للعلم بعد وفاتهم.

من أكثر من 100,000 خلية، قام الباحثون بتسلسل الحمض النووي الريبوزي (RNA) – وهو أجزاء من المعلومات الجينية المستخدمة لتنفيذ الإجراءات داخل كل خلية. تتجمع هذه العلامات لتشكل نوعًا من البصمة الجزيئية التي يمكن استخدامها للتنبؤ بمرحلة حياة الخلية. تقول باتيرليني، المؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة: “إنها ليست مسألة علامة واحدة تُحدد التكوّن العصبي النشط؛ إنها مزيج من العديد من العلامات”.

بعد تحديد هذه العلامات في أدمغة الأطفال، بحث الفريق عن هذه العلامات نفسها في 19 دماغًا بعد الوفاة، تتراوح أعمارهم بين 13 و78 عامًا. احتوت جميع الأدمغة على خلايا عصبية غير ناضجة باستثناء واحد. كما وجد الباحثون خلايا عصبية سابقة في كلٍّ من أدمغة الأطفال، وفي 12 من أصل 19 دماغًا للمراهقين والبالغين.

برز شخصان بالغان لامتلاكهما عددًا أكبر بكثير من الخلايا السلفية العصبية والخلايا العصبية غير الناضجة مقارنةً بالآخرين. كان أصغرهما سنًّا يعاني من الصرع، مما قد يرتبط بوفرة التكوّن العصبي الواضحة. في الفئران، يمكن أن تُسبب المستويات العالية من التكوّن العصبي نوبات، مع أن ارتباطها بالصرع لدى البشر لا يزال غير واضح.

ويُرجّح أن التكوّن العصبي يحدث في أجزاء أخرى من دماغ البالغين أيضًا. ففي الفئران، تُصنع خلايا عصبية جديدة بانتظام في البصلة الشمية (وهي بنية تعالج الروائح)، ولكن لم يُثبت حدوث ذلك لدى البشر. وتخطط باتيرليني للتحقيق فيما إذا كان تكوين الخلايا العصبية لدى البالغين يحدث هناك أو في مكان آخر من الدماغ.

تشير بعض الأبحاث التي أُجريت على الفئران إلى أن اضطراب تكوين الخلايا العصبية مرتبط بـ مرض الزهايمر والاكتئاب. ويقول إيونوت دوميترو، الباحث المشارك في الدراسة وعالم الأعصاب في معهد كارولينسكا، إن معرفة المزيد عن كيفية حدوث تكوين الخلايا العصبية -وما إذا كان من الممكن تعديل هذه العملية- قد يكون مفيدًا لفهم مجموعة من الاضطرابات والأمراض.

بعد حسم مسألة تكوين الخلايا العصبية لدى البالغين، يمكن للعلماء البدء بمعرفة المزيد عن دور تكوين الخلايا العصبية في الدماغ وكيف يؤثر على مختلف الاضطرابات. يقول كيمبرمان: “هذه ورقة بحثية مهمة لأنها ستُنهي كل هذا الجدل. ويمكننا الآن التركيز على السؤال: كيف تُساهم هذه الخلايا في وظائف الدماغ لدى البشر؟”.

المصدر:
Scientific American