رصد علماء الفلك حدثًا كونيًّا فريدًا من نوعه، حيث شهد ثقب أسود فائق الكتلة، يقع على بُعد حوالي 408 ملايين سنة ضوئية من الأرض، ابتلاع نجمٍ ضمن نظام نجمي ثنائي، بينما نجا النجم الآخر بطريقة مذهلة. تُعرف هذه الظاهرة النادرة باسم “حدث الاضطراب المدّي المزدوج” (TDE)، وقد تم تسجيلها في مجرة بعيدة، مما أضاف بعدًا جديدًا لدراسات الثقوب السوداء.
التوهجات النادرة للثقب الأسود
عادةً ما تُنتج هذه الأحداث الكونية الضخمة، التي يمكن رؤيتها على مدى مليارات السنين الضوئية، توهجًا واحدًا فقط نتيجة اضطراب المادة حول الثقب الأسود. ولكن الحدث المدعو ASASSN-22ci، الذي تم رصده مؤخرًا، تميّز بحدوث توهجين بدلاً من توهج واحد، مما جعل العلماء يتساءلون عن طبيعة هذه الظاهرة وأصولها، وكذلك تأثيرها المحتمل على فهمنا للثقوب السوداء.
تفاصيل حدث ASASSN-22ci
وفقًا لدراسة نُشرت مؤخرًا على منصة arXiv العلمية، تم اكتشاف هذا الحدث لأول مرة في فبراير 2022 كحدث TDE تقليدي، حيث بدا في البداية مشابهًا للأحداث المعروفة الأخرى. لكن المفاجأة الكبرى جاءت بعد 720 يومًا، عندما تم تسجيل توهج ثانٍ، مما يجعل هذا الحدث من الحالات النادرة جدًا التي توثق تكرار هذه التوهجات في نفس النظام.
التفسير العلمي للظاهرة
يقترح الباحثون أن الظاهرة قد تكون ناجمة عن عملية تُعرف باسم “التقاط هيلز”. في هذه العملية، يقوم الثقب الأسود الفائق الكتلة بتعطيل نظام نجمي ثنائي، حيث يُقذف أحد النجمين بسرعة هائلة إلى خارج النظام، بينما يبقى النجم الآخر في مدار ممدود حول الثقب الأسود. هذا المدار الممدود يعرض النجم الباقي لتكرار اضطرابات مدّيّة قوية أثناء اقترابه من الثقب الأسود، مما يسبب توهجات متعددة.
التحقيق في نشاط الثقب الأسود
أظهرت الملاحظات باستخدام الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية أن الثقب الأسود المسؤول عن هذا الحدث يمتلك كتلة هائلة تُقدّر بحوالي ثلاثة ملايين ضعف كتلة الشمس. أما النجم الذي تسبب في هذه التوهجات، فمن المحتمل أن تكون كتلته قريبة من كتلة الشمس، لكن العلماء لم يتمكنوا بعد من تحديد ما إذا كان هذا النجم يمتلك رفيقًا قد تم قذفه خارج النظام.
ويرى الباحثون أن التشابه الكبير بين التوهجين قد يكون دليلاً على أن نفس النجم قد تعرض لعملية اضطراب مدّي مرتين خلال مداره حول الثقب الأسود.
ترقب الحدث القادم في 2026
تتجه أنظار العلماء إلى عام 2026، حيث يتوقعون حدوث توهج ثالث إذا تمكن النجم من البقاء على قيد الحياة بعد اقتراب جديد من الثقب الأسود. يُعد هذا الحدث المتوقع فرصة ذهبية لعلماء الفلك لمراقبة وفهم المراحل الأولى من أحداث الاضطراب المدّي بدقة غير مسبوقة، ما يُمكنهم من دراسة تفاعلات الثقوب السوداء مع النجوم بشكل أعمق وفهم آليات هذه الظواهر الكونية الغامضة.