عمر الخيام مؤسس المتوازيات

يعدُّ تأسيس عمر الخيام لعلم المتوازيات أساس النهضة الصناعية العالمية الحاضرة. وهي النهضة التي اعتمدت تثمير الكهرباء، بمعنى إمكانية توليد ميجاوات كامل من الكهرباء باستخدام ١٠ لترات فقط من الكيروسين. وإذا ما كان “الميجاوات” قادرًا على تشغيل خط إنتاج ألومنيوم، ينتج على مدار اليوم ٦ أطنان من سبائك الألومنيوم، التي تشكل عصب كل الصناعات الثقيلة. وإن القوانين الـ١٧ التي وضعها عمر الخيام أساسًا للمتوازيات، تعدُّ بحقٍّ أساسًا للاقتصاد الإنتاجي في عالمنا المعاصر، وبخاصة أن “متوازيات الخيام” صارت الآن ١٥ علمًا تطبيقيًّا تدور جميعها حول الـ١٧ قانونًا. لقد انبثق عن العلم الذي وضعه عمر الخيام؛ علم الهيدروليك، وفيزياء الجزيئات، وهندسة الجزيئات، وتقنيات التفاعل الجزيئي -اللازم لدراسة سبك المعادن وتشكيلها- الذي ينصب رأسًا حول رفع كفاءة الألومنيوم، الذي صار مع النحاس والطاقة الكهربية عنوان الصناعة المتطورة.

شكلت “المتوازيات” محور تطبيقات “نيقولا تسلا” مخترع القرن العشرين، المنصبة على كهربة كل جوانب الحياة. وهي التطبيقات التي جعلت الكهرباء تشغل اقتصاديات العالم حاليًّا بنسبة لا تقل عن ٩٥٪، حيث تشكل الإنارة والأجهزة الكهربية المختلفة ٧٥٪ من حياتنا اليومية. وإذا كانت الشرارة الكهربائية اختراعًا سجله التاريخ لعمر الخيام، فسيسجل باسمه أيضًا سريان الكهرباء داخل المعادن الأربعة، وهي الحديد والنحاس والنيكل والبوكسيت، ما مكن تلميذه الأكبر “نيقولا تسلا” من كهربة كوكب الأرض بواسطة ١٣٠مخترعًا له، أنارت الدنيا وشغلت الآلة، فما أدى لمضاعفة الناتج المحلي العالمي ٣ آلاف مرة على مدار العقود السبعة الماضية. وكان نجاح العلماء خلال الـ٤٠ عامًا الماضية في تطوير ١٨ نوعًا من الألومنيوم، والمعروف بـ”مصهر النار”، أي إنه يطوع النيران في أغراض الصناعة دون أن تصهره النار أو تؤثر فيه وإن استمر اشتعالها طويلاً، فيصل سيطرة الدول الصناعية الثماني على كامل اقتصاد العالم. فما بين خصائص الألومنيوم الموجب الذي لا ينصهر إلا عند ٥ آلاف مئوية، والألومنيوم السالب الذي يبدأ في الانصهار عند ٤٣٦ مئوية، تتنوع كيفيات تسليط وتوظيف الكهرباء الجبارة، التي يمكن أن تطلق موجتين تعالجان صمم الأذن، ويمكن أيضًا أن تطلق ٢٠٠٠ موجة لا تنفجر القنبلة الهيدروجينية الأكثر تدميرًا في العالم دون انطلاقها.

تعد “المتوازيات” أيضًا أساس صناعة الروبوت الذي قال فيه فيلسوف فرنسي معاصر “إنه الإنسان في صورته الرياضية”، حيث تأسست أحدث تصاميم الروبوت على قوانين الـ١٧، التي وضعها عمر الخيام أساسًا لـ”المتوازيات”، والتي تعني ببساطة سلكين متوازيين يسري فيهما تيار كهربي له نفس الشدة والسرعة، ويسري في أحد السلكين في اتجاه عكس اتجاهه في السلك الموازي، مما يؤدي لتولد طاقة عملاقة تشغل ماكينة طاقتها ٥ آلاف وات لمدة ساعتين بقدر محدود من الكيروسين لا يجاوز ٣٠ لترًا. بفضل “حساب الطاقة التعادلي” الذي وضعه عمر الخيام، والذي يعني أن تلاحم شحنتين كهربائيتين لهما نفس الشدة والسرعة (٣٠٠ وات) -مثلاً- يولد طاقة تشغيل قدرها ١٥ ضعف طاقتيهما (٤٥٠٠ وات)، ما مكن عمر الخيام منذ ١٠ قرون، من صناعة روبوت يشغل فرنًا لصهر الحديد مع النحاس، كان ينتج في “أصفهان” مسقط رأس “الخيام”، حوالي ٧٥٠ سبيكة في اليوم الواحد، اعتمادًا على المتوازيات التي كان لها أيضًا فضل تصميم محرك طائرة الركاب الأحدث، التي تضاعف سرعة الصوت ١١ ضعفًا، ويعمل محركها بـ١٤ روبوتًا من نفس تصميم وأبعاد الروبوت الذي صممه عمر الخيام على مقاس جسده بالضبط.

كان عمر الخيام معتدل القامة نسبيًّا (١٨٣ في ٤٥ سم)، وكان الروبوت المصمم على مقاس جسده يراعي الرابط بين فسيولوجيا الجسم البشري، المبنية على ٣٣٣ إشارة عصبية/دقيقة، و٣٣٣ ذبذبة تصدر عن جزيئ النحاس كل دقيقة أيضًا إذا ما سرى خلاله تيار كهربي. وحبذ “الخيام” لذلك تناول أطعمة حاوية لنسب عالية من النحاس كأسماك الرنجة، والمحار المرتفع السعر قليلاً في عصرنا، حتى ينتظم صدور الـ٣٣٣ إشارة مخية. وكان ذلك الربط سر نجاح تصميم “الروبوت الخيامي”، الجندي المجهول المشغل لأكثر من ١٣٨ آلة تديرأغلب حياتنا؛ حيث إن ٣ روبوتات خيامية تشغل الماكينة العملاقة التي تدير منظومة “الإنترنت”، والتي لا يتواجد منها سوى ٥ نسخ على مستوى العالم، إذ إنها منظومة تحميل مواقع التواصل الاجتماعي، وسعتها التشغيلية توازي ما تحويه ذاكرة المدى البعيد لـ٣٤ مليار إنسان، أي ما يزيد على ٤ أضعاف السكان الحاليين لكوكبنا. ويتشكل جسمها من الألومنيوم وشرائح السليكون، ويتواجد منها نسخة في “بيجين”، ونسختين في “نيويورك” و”كلورادو”، وواحدة في كل من “استوكهولم” و”برلين”، وتحوي على ٥ مليون شريحة زجاجية ترتبط مع بعضها برقائق نحاس قطرها ملليمترَيْن، تعمل بالطاقتين النووية والشمسية. ولا يمكن تشغيلها دون الروبوتات الثلاثة المحاكية لـ”الروبوت الخيامي”، وتنظم نقل ١٦٠ مليون مادة متلفزة/دقيقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بفضل “متوازيات الخيام”.

كما أن تحديد خصائص الرقائق الزجاجية كان أيضًا اجتهادًا خياميًّا، لأن العدسات المقعرة “زاوية ٤٥”، التي تمثل أساس صناعة المناظير الفلكية، تعتمد مباشرة على لحام ١٤ شريحة زجاجية من نفس الشرائح المستعملة في تصنيع منظومة التحميل المعلوماتية السابق الإشارة إليها، وكان “الخيام” صممها بدقة عام ٤٥٩هـ، واستخدمها في تصميم أول “خزان شمسي” في التاريخ، لأنه كان عملية اختزان للسخونة المتولدة عن الشمس، لأجل الاحتفاظ بسخونة بئر كانت تضخ الماء لـ٢٠٠ حمام عامٍّ في مدينة “أصفهان”، حيث الحرارة تنخفض شتاء إلى ٣ تحت الصفر.

ومن العجيب أنهم بنوا بإرشاد “الخيام”، شبكة مجاري تشبه خطوط المياه التي لم تستحدث في أوروبا إلا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، لضخ الماء الساخن لمغاطس الحمامات بواسطة روافع ميكانيكية كانت تعمل بـ”الروبوت الخيامي”، وقد استشفه علماء روس في خمسينيات القرن الماضي، فيما عرف بـ”مشروع تسخالطوبو” الصحي في “جورجيا”، وقيل إنه ٢٠٠ ألف ماسورة تعالج ٧٠ مرضًا عضالاً، أدناها “الروماتويد” وأعلاها سرطان البروستاتا. 

وكانت فكرة “الخيام” في توظيف “المتوازيات” لرفع ماء البئر، تقوم على فهم قوانين “علم المتناسبات” (الهيدروستاتيك) الذي وضعه أيضًا عمر الخيام. اكتشف عمر الخيام أن رفع الماء الجوفي الحاوي على ١٧ عنصرًا علاجيًّا، منها الفوسفات والماغنيسيوم الأثقل في نواتهما من أي معدن آخر عدا اليورانيوم، أصعب من رفع أي من السوائل الأخرى، حيث إن نواة جزيئ الماء الجوفي تحوي على ٣٤٦ بروتونات، بما أفهم “الخيام” صعوبة رفع الماء من عمق “٣٠١ ذراع” إلى الحمامات المبنية على سطح الأرض، وكمن الحل في ٣ تروس عملاقة قطر كل منها ٢٥ مترًا، تعمل بسرعة ١٢٠ لفة/دقيقة بالروبوت الخيامي. وكان يلفها بتسارع مذهل بواسطة زنبرك يعمل بحرق الكيروسين (النفط الأصفر)، ما مثل أول آلة بخارية في التاريخ.

ولم يقتصر التطبيق الحديث لتلك الرافعة الخيامية على حمامات “تسخالطوبو”، إنما “الخيام” فتح المجال لاختراعات غيرت وجه البشرية حاليًّا، كجهاز تنشيط القلب المعدل المعروف بـ”إتش آي جي ٣٣”، الذي يشكل الألومنيوم ٩٥٪ من مكونه، والذي قلل احتمالات الوفاة نتيجة ضعف عضلة القلب الرئيسية بمعدل ٩٠٪ على الأقل؛ بفكرة السلكين المتوازيين اللذين يبثان ١٢٠ موجة كهربية/دقيقة داخل القلب، ما يؤدي لتوسيع الشريان الأوورطي خلال ٤ جلسات، ويعدل ضغط الدم، وينظم أداء عضلة القلب الرئيسية. واستُخدم هذان العلمان -كذلك- في “تكنولوجيا الدفع الحراري”، التي لم تكن سوى تطوير الطائرات المسيرة والمقذوفات الموجهة (الصواريخ). وعلاوة على قوتها التدميرية المشكلة لـ٨٠٪ من نيران الحروب المعاصرة، فإنها توظف “المتوازيات” و”المتناسبات” معًا، حيث قامت فكرة الصاروخ على فهم خصائص الوقود، وأي وقود أسرع في حركة سوائله خلال اشتعاله بما يحدد مدى الصاروخ وسرعته، والذي يقتضي تشغيله زيادة ونقصان السرعة بمعدل سبع أعشار الثانية، ما يجعل مستحيلاً على العنصر البشري أن يشغله.

ولم يُدخل المصممون حاليًّا على “الروبوت الخيامي” سوى سلكين من “النيكل كروم” داخله، لزيادة سرعة التشغيل. كما وأن “المتوازيات” أساس فهم مكن علماء فرنسيين عام ٢٠٢٢م، من تفضيل النحاس على الحديد في صناعة روبوت يشغل خط إنتاج ألومنيوم عملاق بمدينة “مارسيليا”؛ لأن النحاس بالغ التأثر بالشحنات الكهربائية، ما يجعله يزيد درجة حرارة “فرن التوليف” ٤ أضعاف، وهو الفرن الخاص بضبط خصائص عيدان الألومنيوم التي يجب ألاّ تنصهر إلا عند ٥٠٠٠ مئوية. كما أنها تستعمل في صناعة “المجسات الحرارية” الخاصة بإصدار الموجة العلاجية: قوة ١٢ وات، وحرارة ٣٨ مئوية بالضبط، والتي إن جاوزت هذا القدر فإنها تؤدي لتصلب الشرايين، وتعالج حتى الآن ١٤ عرضًا عصبيًّا أدناها “التهاب الأعصاب الطرفية” و”العصب التمبثاوي”، وأعلاها “التهاب المخيخ السفلي” العضال.

إن “مشروع الحياة القطبية” الذي تتبناه “روسيا” منذ ٢٠١٦م في “إقليم سيبيريا”، يهدف لإعاشة نصف مليون شخص لازمين لاستغلال مناجم النحاس والفحم ذوات الاحتياطي الهائل في الإقليم، يعتمد مفصليًّا على آلات من “الألومنيوم+١٨”، وتعمل كلها بـ”المتوازيات”.

و”الخيام” أيضًا هو من اكتشف خصائص “البوكسيت” عام ٤٦٣هـ، وسماه “المعدن الحار” أو “الفستق الصخري”؛ للونه الفستقي وخصيصة اكتسابه الفائق السرعة للحرارة. كما أن كشْف “الخيام” عن الاستشعار العالي للنحاس، رفع مكونه في الطائرات الحديثة إلى ٧٠٪ بعد أن كان ١٠٪ في طائرة الأخَوين رايت، حيث يعمل استشعار النحاس العالي على زيادة سرعة احتراق وقود الطائرة ٦ أضعاف، ما يؤدي لزيادة سرعتها بنفس القدر. 

(*) كاتب وباحث مصري.

المراجع

(١) مخطوطة “توالي الفرق المعدني، عمر الخيام، مكتبة جامعة ستراسبورج الفرنسية.

(٢) نيقولا تسلا بين الفيزياء والكيمياء، مرجع بالفرنسية، صدر عن دار جاليمار، باريس ٢٠١٢م.