بقلوب مفعمة بالحزن والأسى، تلقينا نبأ رحيل معلمنا الجليل، “فتح الله كولن” تلك الشخصية التي كانت تجسيدًا حيًّا لقيم الحب والسلام والإنسانية. ففي مساء يوم 20 أكتوبر 2024، في الساعة 21:20، في المستشفى الذي كان يتلقى فيه العلاج، فارقنا هذا المعلم العزيز، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا سيظل يلهم الأجيال القادمة.
لقد فقد العالَم ليس مجرد عالِمٍ، بل مرشدًا أخلاقيًّا تجاوزت أعماله وحضوره حدود الأكاديمية التقليدية. “فتح الله كولن” كان رجلاً فذًّا في إسهاماته التي لا نظير لها في الإرث الروحي والفكري لعصرنا.
كانت حياة كولن مثالاً للالتزام الثابت بتحسين المجتمع، مسترشدًا بمبادئ الحب والرحمة والأخوة الإنسانية الشاملة. لقد كان مدافعًا لا يكل عن السلام، وكانت تعاليمه دعوة صريحة لتجاوز الانقسامات التي تفرقنا، سواء كانت عرقية أو دينية أو ثقافية. من خلال كلماته وأفعاله، حثَّنا كولن على احتضان وحدة الروح الإنسانية، والعمل معًا نحو عالم يقوم على الاحترام المتبادل والفهم المشترك.
كان فتح الله كولن أكثر من مجرد قوة فكرية؛ كان مهندسًا للنفوس، يغرس في طلابه وعيًا أعمق بإنسانيتهم المشتركة. وكانت خطبه البليغة، المشبعة بحكمة التقاليد الصوفية والروحية، تذكرنا بأن الحب ليس مجرد عاطفة، بل واجب أخلاقي، ومسؤولية تجاه الآخرين. وبأسلوبه التدريسي الذي بُني على اللطف والتعاطف، خلق بيئة؛ حيث ازدهر فيها العلم مع الرحمة جنبًا إلى جنب.
لم تقتصر جهود كولن على تعزيز الحوار بين الأديان والعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي على أي مؤسسة بعينها؛ بل امتدت لتؤثر على حياة الكثيرين حول العالم. كانت مبادراته لسد الفجوات الثقافية والدينية ليست مجرد نظريات أكاديمية، بل فلسفات حية تمثلت في العديد من مشاريع بناء السلام، والجهود الإنسانية، والحركات الشعبية التي قادها. وقد وصلت أصداء حكمته إلى كل ركن من أركان المجتمع، لتمس قلوب الأفراد من مختلف الشرائح.
إن رحيل “فتح الله كولن” يترك فراغًا لا يمكن ملؤه، ومع ذلك، تظل روحه حية في قلوب الطلاب والزملاء والأتباع الذين حظوا بشرف التعلم منه. إن إرثه المتجذر في القيم الأبدية للحب والسلام، يظل نورًا يهتدى به في هذه الأوقات العصيبة.
لم تنتهِ تعاليمه برحيله؛ بل تستمر في الصدى في قلوب من عرفوه، تحثنا على مواصلة حمل مشعل الحب والسلام والإنسانية الذي حمله بكل نبل وإخلاص.
نسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة، وأن نكرم ذكراه بالعيش وفق القيم التي جسدها بكل شغف.