يكتب “فتح الله كولن” في هذا العدد من “حراء” عن الطرُق التي تزدحم بها الدنيا، وعن فجاجها وشعابها، وعن استقاماتها واعوجاجاتها، وعن نورها وظلمائها، وينبه المشائين والسالكين المدلجين في الظُّلَم من أن تنزلق أقدامهم على حين غفلة فتأخذهم إلى الطرق الظلامية المرعبة ليتوهوا بين شعابها فتكون نهايتهم مهلكة، فتهلك أرواحهم وتقودهم إلى حمأة الانحطاط والرذيلة والتردي في وديان الأهوال، فتنقطع بهم السبل وتصدهم عن هدف الوصول إلى الدرجات العلا التي تسمو بهم إلى عالم الأبدية والخلود، وفي الوقت نفسه يهلل لأولئك الرواد من سالكي طريق النور، ويرى في مسلكهم أنموذجًا ومثالاً لأصحاب الرسالات الإصلاحية التي ترى في خدمة الإنسان وتقويم اعوجاجه وهدايته إلى الطريق المستقيم من أوجب واجباتها الدينية والأخلاقية، وقد يغدو الإنسان المستقيم نفسه هو إحدى الطرق التي يبحث عنها الضالون، فيتخذونه طريقًا يسيرون على هداه، ويقتفون أثره ويمشون في ركابه.
وفي مقال “الو حي والحرية” يكتب “محمد بن إبراهيم السعيدي” مقالاً فكريًّا ثقيلاً في معانيه ومغازيه، مبينًا أن الحرية مهما قلنا فيها، فهي في خاتمة المطاف قضية أخلاقية مرتبطة بالدين وبالوحي قبل أن تكون قضية اجتماعية أو سياسية.. و”يحيى وزيري” يلفت انتباهنا إلى الرابط المعنوي بين المسجد والكون، وأكثر ما يتجلى ذلك في المساجد العثمانية التراثية التي صممت بناياتها للتعبير عن هذا الرابط بين الكون بمشاهده الرائعة والمسجد المقام للصلاة، فيرى المسلم في المشاهد الكونية آيات بينات على الخالق العظيم الذي يسجد له ويقوم بعبادته. وعن “العنف” مرض العصر الخطير المتفشي في أرجاء كثيرة من الكرة الأرضية، تكتب “مريم آيت أحمد” عن مسبباته ودوافعه وجذوره البيئية والنفسية والاجتماعية. أما “محمد باباعمي” فيكتب في مقاله “في حب كلام اللـه” عن فعل الحب إذا لامس شغاف القلب واستولى على أرجاء النفس والعقل، فعندئذ يصبح كل ما يأتي من المحبوب محبوبًا كذلك، ولا سيما كلامه الذي ينزل على القلب بردًا وسلامًا، وهكذا -ولا مشاحة في المثال- كلام اللـه نحبه ونعشقه ونهيم به لأننا نحب اللـه، وكلما طفحت لذتنا بكلامه تعالى كان ذلك دليلاً على عظم حبنا له سبحانه.
و”مجدي سعيد” يكتب الإلفة بين النباتات والنمل، مستشهدًا بكلام عظيم للمفسر العلامة الشيخ طنطاوي جوهري، مبينًا الرعاية الإلهية لهذا المخلوق الصغير وعن إحدى عجائب تكوينات ارتزاقه. و”فؤاد البنا” يذكر في مقاله “النفاسة المحمدية” وقدراتها على اختراق النفوس وتغييرها والاستعلاء بها إلى مقام النفاسة، والسمو بها إلى مقامات عالية، والارتفاع بها من القيعان إلى القمم، حيث رفع أصحابه فترفعوا عن السفاسف والأسافل.
أما “أديب الدباغ” فيكتب متوجعًا في مقاله “الخروج من زمن التيه”، واصفًا إياه بأنه بدع من الأزمان بافتقاده لقيم الحق والعدل والجمال، وأنه زمان التيه والضلال عن حقائق الحياة والوجود ومعرفة اللـه تعالى واللجوء إليه والسجود بين يديه. هذا ما استطاعت هذه السطور من إشارات إلى مقالات البعض من كتاب المجلة، أما الآخرون فنحن طامعون بكرم تفهّمهم وتقديرهم، والله تعالى من وراء القصد.