كلما ذكر أحدهم شيئًا من الصعوبات التي تعترضه في تربية أطفاله؛ صغارًا أو مراهقين، عادت بي الذاكرة إلى مقولة الفيلسوف الفرنسي “جان جاك روسو”: (قبل أن أتزوج كان عندي ست نظريات في تربية الأطفال، أما الآن فعندي ستة أطفال، وليس عندي نظريات لهم!).
لنتفق أولاً أنه، ومع حلول الوقت الذي ينتقل فيه الأطفال إلى سن المراهقة، يتعزّز الاعتقاد لديهم أنهم أصبحوا في غنى عن الكثير من مساعدة الكبار، وخاصة الوالدين.
أما مردّ هذا الشعور تجاه الوالدين وقلة الحاجة إلى مساعدتهما، فيرجع إلى أن المراهق يشعر أنهما قدما كل ما لديهما، وما إصرارهما على مواصلة المساعدة والتعليم إلا شكل من أشكال حب السيطرة عليه، والنظرة إليه كطفل، وهو أكثر ما يرهق المراهق، ويخرجه عن طوره، بينما تراه أكثر انفتاحًا على تقبّل بعض النصح والمساعدة من الأشخاص، الذين لم يكونوا شركاء في تجاربه الحياتية، منذ أن بدأ تفتّح وعيه، وتعرّفه على العالم المحيط به.
إزاء وضع كهذا يشعر كثير من الأهل بالارتباك، ويصرون على الاستمرار في مساعدة أبنائهم وانتقاد أخطائهم، مؤمنين -وهم على صواب في ذلك- أن النقد، على سبيل المثال، أمر لا بد أن يتعرض له ابنهم في المستقبل، سواء من أساتذته في المدرسة والجامعة، مديره في العمل أو شريكه المستقبلي، لذلك من الأفضل له أن يعتاد عليه داخل بيته وفي تعامله مع أهله.
في عالمنا، نحن الكبار، إذا كنا لا نمتلك ثقة كافية في الأشخاص الذي يقدمون لنا النصح، أو ينتقدون سلوكًا معينًا سلكناه، فلن نتوقف كثيرًا عند كلامهم، بل قد ننساه مباشرة، وفي عالم المراهق لا يختلف الأمر كثيرًا، فقبل النقد لا بد من بناء علاقة صحية معه، ومد جسور ثقة، توصل الملاحظة بأمان، كي يعبر تلك المرحلة الحرجة بأقل نسبة من الألم والرواسب النفسية.
كيف أوجه انتقادي لتصرفات ابني المراهق؟
يجب أن يتمثل طموح أي أهل في علاقتهم مع أبنائهم المراهقين، في طرح نقد بنّاء، يتقبله المراهق دون توتر، قلق أو غضب، أو على الأقل، بالحد الأدنى من كل هذا.
وللوصول إلى نقد من هذا النوع، يجب على الأهل تهيئة أبنائهم، والارتفاع بقدرتهم على سماع النقد البناء، والالتزام بتعديل أي سلوك أو فعل، خدمة لأنفسهم قبل كل شيء.
بداية يجب الإشارة إلى الأخطاء بطريقة لطيفة، وهو ما يجعل المراهق يدرك أن الأخطاء ليست شيئًا عليه الخجل منه، بل على العكس، ربما تكون فرصة للتعافي من آثار تجربة فاشلة، والانطلاق بوعي أكبر نحو تجربة جديدة.
وعند الإشارة إلى تلك الأخطاء، علينا أن نتذكر دائمًا أننا نخاطب السلوك وليس الشخص، لذلك عليك أن تشير إلى السلوك الذي يقلقك، وأن تحدد سبب قلقك دون إغاظة أو استفزاز، مع التركيز على ما يفعله المراهق لا على هويته، فالمراهق مادة سريعة الاشتعال إذا أحست بأي اقتراب سلبي من الأنا الخاصة بها.
احذر أن تهاجمه، أو أن تثير عدة قضايا في وقت واحد، بل استخدم نبرة صوت محايدة، وطريقة لطيفة ومرحة، مع صياغة للعبارات بطريقة غير مؤذية، تذكر دائمًا أن الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإن تكلم بها أصبح أسيرًا في وثاقها، كما قال الإمام علي كرم الله وجهه، فلا تترك نفسك تحت رحمة كلمة كان من الممكن كتمها، ترقيقها أو تغيير توقيت استخدامها.
فكر في نوعية السؤال وطريقة طرحه، وثق أن ذلك سيُحدِث فرقًا كبيرًا، فبدل اعتراضك المباشر على تصرف ابنك المراهق، اسأله: هل تظن أن قيامك بذلك أو عدم قيامك به سيشكّل ميزة أو مشكلة؟
في هذه الحالة، ستكسب هدوءه وتستمع إلى وجهة نظره، وهو ما سيخلق بينكما جسور علاقة ود واحترام.
المراهق يظن أن كل ما تقوم به هو انتقاد له، وأنك تركز على ما يفعله بشكل خاطئ، وتهمل ما يفعله بشكل صحيح، وهو الأمر الذي يجب عليك تجنبه، فمهمتنا في العلاقة مع المراهقين، فهم ما يدفع مشاعرهم وتصوراتهم، والعمل على دعمهم بأفضل طريقة ليكتسبوا مرونة تقبّل النقد، وجعله جزءًا من شخصيتهم.