في عام 1991م، وعبر نشر مجموعة من الكتب ومئات الأوراق العلمية، قام “ألكسندر أبيان” عالم الرياضيات الأمريكي البارع، بطرح فكرة غريبة جدًّا أسماها البعض “فكرة مجنونة”، تهدف إلى التخلص من القمر تمامًا، عبر تفجيره عن بُعد بقنبلة ذرية، مؤكدًا على أن كل مشاكل العالم يمكن حلها عن طريق تدمير القمر. وزاد “أبيان” في قوله: “إذا تخلصنا للتو من القمر، فيمكننا القضاء على العواصف الحرارية والأعاصير والعواصف الثلجية والمواسم بصورة عامة، لأن التخلص من القمر يعني أن الأرض لن يتمايل محورها”.
تدمير القمر تدمير للقارات
ومع محاولاته المستميتة لإثبات نظريته وفكرته العجيبة، التي كان من المخطط أن تُنفذ بواسطة القوات الجوية الأمريكية، بدأت الصحف بكل أنحاء العالم في طباعة قصص عن خطة “ألكسندر أبيان” لتدمير القمر. والمعلوم أن خطته كانت تقوم على حفر حفرة عملاقة في القمر، ثم يتم ملؤها بمتفجرات نووية وتفجيرها عن بُعد من الأرض. وسرعان ما تحدث كل دارسي علم الفلك والأرصاد الجوية تقريبًا، وأكدوا على أن تلك الفكرة ستكون فظيعة جدًّا.. وقبيل دخولهم في التفاصيل قاموا -بداية- بمناقشة حقيقة أنه إذا تم تسخير كل الأسلحة النووية القوية، التي تمتلكها كل الحضارة مجتمعة، فلن يكون لديها ما يكفي لتدمير القمر.
إذ إن الأمر يلزمه اصطدام فلكي عملاق لتدمير القمر، يكون مشابهًا للذي يحتمل أن يكون قد خُلق القمر في المقام الأول (فرضية الاصطدام العميق)، وبعد ذلك ندخل في ما سيفعله ذلك بالأرض.. إذا تمكن القمر بمعجزة ما من الانفجار، فسوف ينقسم إلى قطع عملاقة جدًّا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين ستذهب تلك القطع؟ وسرعان ما أشارت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” إلى أن الأرض لا يمكنها النجاة من هذا المستوى من الحطام، وذلك الحطام الضخم سيندفع نحو الأرض بسرعات مدمرة للأنواع، وإن مجرد سقوط الجاذبية على قطعة عملاقة من القمر في غلافنا الجوي، سيؤدي إلى تسخين الأرض لدرجة أنها لن تكون قدرة على البقاء على قيد الحياة لأي شيء وكل فرد.
وإنه في حالة اختفاء القمر ستكون هناك مشكلة كبيرة جدًّا، لأن علاقة الجاذبية بين الأرض والقمر، تعمل على استقرار دوران الأرض، ودون ذلك ستكون هناك زلازل مهولة ولا حصر لها بكل أنحاء الكوكب، أي إنه بدلاً من التخلص من المد والجزر، سيكون المد والجزر ضخمًا ولا يمكن التنبؤ به، ما يؤدي تباعًا إلى تدمير القارات. ومن جانبه تحدث “ديفيد تايلور” أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بجامعة “نورث وسترن” قائلاً بسخرية: “سوف ندمر الحضارة، ولكن سيكون لدينا طقس رائع!”.
فكرة قديمة لمضاهاة السوفيت
لم تكن فكرة “أبيان” هي الأولى من نوعها، ولكن كانت هناك أفكار أخرى مشابهة لها سبقتها بعدة عقود زمنية؛ فبالرجوع إلى نجاح الولايات المتحدة بفترة الخمسينيات في مضاهاة قدرة الأقمار الصناعية السوفييتية، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا بدرجة يمكن بها إثبات هيمنتها، ليبدأ سباق الفضاء بين الجانبين. ومع بدء السباق الفضائي بدأت أيضًا تلوح بالأفق كل أنواع الإشاعات التي تدور حول ما كان يخطط له الجانب الآخر، وقد كان وقت المضاربة والمخاوف من قدرات بعضهما البعض، وكانت من بين إحدى الإشاعات أن الإتحاد السوفييتي (روسيا حاليًّا) كان يخطط لإحياء ذكرى الثورة البلشفية، عبر إطلاق قنبلة هيدروجينية وتفجيرها على القمر.
وعلى الجانب الأمريكي كانت هناك فكرة طرحها عام 1957م العالم الفيزيائي الأمريكي “إدوارد تيلر” (1908-2003م)، تتمثل في القيام بتفجير قنبلة نووية على سطح القمر لتحليل التأثيرات، ومساعدة العلماء على تقديم الإجابة عن أسئلة حول علم الفلك والجيولوجيا الفلكية، وكذلك آثار التفجير النووي بالفضاء.. لكن كان هناك أكثر من ذلك، حيث سيكون ذلك بمثابة استعراض للقوة أمام العالم كله، من شأنه أن يؤكد الهيمنة على الجانب السوفييتي، لذلك من المهم أن يكون من الممكن رؤية تفجير القمر بسهولة لكل من الأرض، أي من على بعد حوالي (239) ألف ميل.. وإحدى الطرق التي طرحها العلماء الأمريكيين لضمان ذلك، كانت عن طريق إضافة الصوديوم للقنبلة، الأمر الذي يمكنه أن يحدث تأثيرًا متوهجًا يراه كل سكان الأرض بوضوح.
ولوجود العديد من المشاكل التي كان يخشاها الأمريكيون، ومنها ثقل حجم القنبلة وصعوبة إيصالها على سطح القمر، بجانب أنه إذا تم تفجير قنبلة نووية بالفضاء، فلن يكون هناك انفجار نموذجي وسحابة فطرية كالتي اعتدنا رؤيتها لأنه لا يوجد غلاف جوي، ولكن ستكون هناك كمية هائلة من الإشعاع والجسيمات، سوف تنهمر بالنهاية على الأرض، بجانب أن الإلكترونات المشحونة سريعة الحركة، ستؤدي لإظهار مجال مغناطيسي عملاق على الأرض، ويمكن أن تتسبب بشكل أساسي بحدوث مجال كهرومغناطيسي، قد يظهر مساحات كبيرة من انقطاع التيار الكهربائي.. ومع وجود كل تلك المخاطر، كان لدى الأمريكيين قلق متزايد من عسكرة الفضاء، لذلك ألغي ذلك المشروع عام 1959م.
الأرض محفوظة بوجود القمر
رغم أن القمر قد يبدو مجرد كتلة صخرية مهولة الحجم، لكن حكمة الله تعالى تتجلى بجعل القمر سببًا لوجود الحياة على الأرض، ففي حالة اختفاء القمر سيكون لمحيطات الأرض مد وجزر أقل بكثير بنحو ثلث حجمها الآن، والمعلوم أن المد والجزر يؤديان لتحريك المواد بالمحيطات، ما يسمح للنظم البيئية الساحلية بالازدهار، نظرًا لاعتماد كل ما بالبحار والمحيطات على المد والجزر لأجل البقاء، ودون وجود نظام بيئي ساحلي يمكن أن يكون لذلك آثار غير مباشرة على الحيوانات البرية والبحرية الأخرى، وأن يؤدي إلى انقراض جماعي.. إضافة إلى ذلك تساعد حركات المد والجزر على استقرار مناخ الأرض، ولأن تيارات المحيط مدفوعة بالمد والجزر، وهي توزع المياه الدافئة حول العالم وتؤثر على المناخ العالمي، من المحتمل أن تكون درجات الحرارة أكثر تطرفًا على الأرض دون ذلك التأثير.
واختفاء القمر يمكن أن يتسبب في حدوث ارتباكات كثيرة للحيوانات بكل أنحاء العالم، لاعتماد الحيوانات المفترسة على ظلام الليل، وعلى كمية صغيرة من ضوء القمر للصيد بفعالية.. ودون أي ضوء في الليل يحتمل أن تزدهر الفريسة، لأن الحيوانات المفترسة ستواجه صعوبة في اكتشافها، وذلك على شاكلة المد والجزر، يمكن أن يسبب هذا تغيير جذري بالنظام البيئي، ما قد يؤدي لانقراض بعض الحيوانات المفترسة. وربما يكون الأكثر إثارة للقلق حالة اختفاء القمر هو تغير مواسم الأرض بشكل كبير، لأن الأرض تمر بأربعة فصول (ربيع وصيف وخريف وشتاء)، ولأن الأرض مائلة بالنسبة للمستوى الذي ندور فيه حول الشمس، ولأن ميل الأرض يبلغ حوالي 23.5، فإن جاذبية القمر على الأرض هي التي تقوم بتثبيت كوكبنا، ودون وجود القمر وقيامه بتثبيت ميل الأرض، فمن الممكن أن يتغير ميلها بصورة كبيرة، وسينتقل من عدم الميل وعدم وجود مواسم إلى ميل كبير، ما يعني الطقس القاسي وحتى العصور الجليدية.
وطوال عمر النظام الشمسي البالغ نحو 4.5 مليار سنة تقريبًا، لم تكن الأرض بمفردها أبدًا أثناء دوراننا حول الشمس، فهناك رفيق دائم عملاق أكبر وأضخم من أي قمر آخر مقارنة بالكوكب الذي يدور حوله وهو القمر، وعندما يكون في مرحلته الكاملة، فإنه يضيء الليل بشكل ساطع.. وقد ارتبط القمر عبر التاريخ بظواهر كـ”الجنون والسلوك الحيواني والحصاد” وحتى النساء (دورات الحيض)، لذلك يقدر الخبراء أنه دون القمر، فإن ميل الأرض يمكن أن يزيد بما يصل لـ 45 درجة، ما يعني أن الأرض ستدور على جانبها كما يفعل كوكب “أورانوس” تمامًا، وسيكون لذلك تأثيرات كبيرة في الحياة على الأرض، وسوف يسبب تغيرات كبيرة بالمناخ.. وهذا يعني أيضًا أن نصف الكوكب سيشهد 6 أشهر من ضوء النهار، تليها 6 أشهر من الظلام، لأن القمر يعمل على استقرار كل الكواكب الأخرى، وتدمير القمر سيفسد العملية الزراعية كلها، فضلاً عن جوانب الحياة الأخرى، وكل ما ورد يعني أن الأرض محفوظة، بل ومحظوظة بوجود القمر.
آيات القمر إعجاز قرآني
أقسم سبحانه وتعالى في عدة آيات بالقمر للتأكيد على عظم فوائده على الأرض وما بها من كائنات، كقوله تعالى: (كَلا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ)(المدثر:32-34)، وتوجد بالقرآن سورة أسماها الله “القمر” بدأت بمطلع باهر وبداية مدادها العظمة والإثارة والإعجاب بقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(القمر:1-2)، ونرى أنه تعالى قرن في بداية تلك السورة العظيمة بين اقتراب الساعة وانشقاق القمر، ليوحي لنا بأن انشقاق القمر ووقوع تلك الآية العظيمة، دليل على اقتراب الساعة وبداية النهاية لهذه الحياة.
والقمر يُعد آية عظيمة من آيات الله، فهو كوكب عظيم الحجم والشكل، موجود بالكون الرحب بلا أعمدة، قدر الله له نظامًا بديعًا وحرية متزنة ودقة متكاملة، بدءًا من البزوغ والطلوع، مرورًا بالمراحل المختلفة بكل ليلة من لياليه ليبدأ هلالاً وليدًا، ويصير بدرًا منيرًا وقمرًا متكاملاً.. وما يتبعه من ظواهر الليل والنهار والشروق والغروب والخسوف والكسوف، وكلها لا تنم سوى عن معجزات إلهية تدهش العقول وتحير الألباب وتُوجب التأمل، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(لقمان:29).
المصادر
(1) سورة القمر من أسرار القرآن، موقع د. زغلول النجار 29/1/2021م.
(2) القمر في القرآن الكريم والسنة، موسوعة مقاتل من الصحراء (غير مؤرخ).
(3) أهمية القمر بالنسبة لكوكب الأرض والإنسان، موقع عمون 5/8/2023م.
(4) القمر آية من آيات الله، د. مراد باخريصة شبكة الألوكة 31/1/2012م.
(5) ماذا لو اقترب القمر من الأرض؟ مجلة القافلة مجلد 70 عدد:1 يناير– فبراير 2021م.