إن مراعاة الأدب في كل أفعالنا، هو أمارة على حُسن الخلُق، بل ذروته. ولا يتأتى لأحد أن يصل إلى مرتبة الإنسانية الحقة إذا نقص أدبه. فالإنسان في الحقيقة ليس ببدنه، ولكن بأدبه وسمو روحه. ويقال: “أدب المرء خير من ذهبه”.
الأمر نفسه عند التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة اليوم، فمن الواجب التحلي بالأدب في التعامل مع الفيس بوك (Facebook) وتويتر (Twitter) ويوتيوب (YouTube) وإنستجرام (Instagram). هناك شيء نصادفه كثيرًا على هذه المنصات، وهو أن رسالة ما ترِد إلى شخص ما، فيقوم هذا الشخص على الفور بإعادة إرسالها ومشاركتها دون أن يتحرى ما فيها أو يتحقق من صحتها. ولا سيما أن القرآن الكريم يأمر بالتثبت أولاً من الأشياء التي لا يُعلم مصدرها، ثم التحرك بعد ذلك. وإن مخالفة ذلك يتنافى مع خُلق المسلم القويم. وقد وردت بعض آيات كريمات في هذا الصدد، يقول تعالى: “وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” (يونس:٣٦)، “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً” (الإسراء:٣٦).
وورد في السنة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمِعَ” (رواه مسلم)، لأنه ربما خالط بعض ما يسمعه المرء أو يقرؤه، شيء من الكذب، فإذا نقل الإنسان ما سمعه أو قراه إلى شخص آخر، فإنه بذلك يشارك في إشاعة الكذب.
هذا ونجد العلماء يذكِّرون بهذا الحديث السالف الذكر، منبهين على أنه أحيانًا ما يتحدث المرء أو يكتب عبارة صادقة وصحيحة من كل جوانبها، إلا أن تقديم كلمة فيها أو تأخيرها أو حتى إخراجها من النص ربما تسبب كوارث جسيمة، أو تكون سببًا في تأجيج نيران الفتنة. لذا، من المهم جدًّا أن تُطرح المسائل بشكل واضح وصريح، وأن تقوَّم بشكل دقيق، وأن تُفهم بشكل جيد وسليم؛ وهو ما يُعرف في كتب الأخلاق بـ”التبيين”. ويجب لفت الأنظار -ولا سيما في زماننا الذي انتشرت فيه الأحكام المسبقة والتحريفات- إلى ضرورة العمل على فهم معنى ومضمون النص، وأن يوضع في الاعتبار -كذلك- ماهية من ينقل هذا الكلام.
وتجدر الإشارة إلى بعض التصرفات غير اللائقة التي نُصادفها على مواقع التواصل الاجتماعي في ضوء هذه المبادئ الإسلامية:
ينشئ الأفراد مجموعات للتواصل على منصة واتساب (WhatsApp)، كل حسب مجال اختصاصه واهتمامه. بيد أنه أحيانًا ما تكون هناك بعض الرسائل المنشورة في هذه المجموعات، غير مناسبة للغرض الذي أنشئت من أجله المنصة. على سبيل المثال، ربما تُرسل رسالة متعلقة بالفن في مجموعة واتساب مختصة بالصحة. يجد معظمنا صناديق البريد الخاصة بمنازلنا ممتلئة دون داع ببطاقات الدعاية والإعلانات، فنقوم على الفور بإلقائها في صناديق القمامة دون الشعور بالحاجة إلى قراءتها، وربما كان من بينها خطاب مهم لم نلاحظه في ظل هذا التكدس الذي لا فائدة منه. فبقدر ما يحزننا هذا الأمر، نحزن أيضًا من الرسائل غير الضرورية التي تكدس تطبيق واتساب لدينا. فضلاً عن أن معظم هذه الرسائل غير الضرورية مرسلة عن طريق خاصية “إعادة الإرسال”. والحال أن كل رسالة مرسلة، بمثابة خطاب رقمي. وجدية أي خطاب مرهونة بأسلوب الخطاب وطريقة الإرسال. فإن إرسال رسالة ليس لها عنوان، ولا تخاطب الشخص الذي تكتب إليه عن طريق خاصية إعادة الإرسال بالضغط على زر ما، هو بمثابة عدم احترام أو تقدير المرسل إليه.
نصادف الأمر نفسه في رسائل الفيس بوك وتويتر؛ لقد أصبح من الشائع على هذه المنصات أن يشارك أي شخص متابعيه في اللحظة والتو ما يقرأه أو يسمعه دون أن يتحقق من صحته، ويضع نفسه في موضع المخبر الصحفي إذا جاز التعبير. والحال أن الأخبار التي يأتي بها المخابر لا تُقدم للقراء إلا بعد أن تمر من مصفاة المحررين. أما هذه المنصات الإلكترونية، لا يوجد بها آلية فحص أو تدقيق، وهذا يخالف كلية قاعدة التبيّن والتثبت بدقة متناهية من الأمور، وتحديد صحتها، وهو ما عرَّفه العلماء بـ”التبيين”.
وحاصل القول، إن مشاركة الرسائل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي دون التثبت من صحتها، والتقليل من قيمة الرسائل الواردة إلينا بمشاركتها على المنصات -سواء مختصة أم لا- وعدم احترام المستلم، أمر يخالف قواعد آداب المعاشرة، وسلوك لا يتناسب مع ديننا الحنيف.