وكانت القاهرة شقيقة بغداد، بحضارتها وثقافتها، بعلماءها وأدباءها، بنيلها ورافديها، فحينما تدهورت الخلافة العباسية وسقطت العوالم الإسلامية وتمرغ مجدها وشرفها تحت سنابك الخيول المغولية ظلت القاهرة تعيد للأمة الإسلامية أنفاسها من جديد، فكأنه التقاء الرافدين بالنيل، بدء من الملوك الفاطمية ومرورا بالزنكية وانتهاء بالأيوبية والأزهر، وكانت للملوك الفاطمية دور كبير في إحياء التراث الإسلامي، إذ أسسوا مكتبات تضم في كنفها الكنوز الثمينة، ولنسمع إلى المؤرخ الإسلامي الكبير أبو شامة (665ه) في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ” إنها كانت من عجائب الدنيا، ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من الدار التي بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومئتان وعشرون نسخة بتاريخ الطبري،
فمن أبرز مكتبات القاهرة دار الحكمة التي بناها الحاكم بأمر الله عام 1005م والتي احتضنت أعمال وأبحاث علماء الفلك والرياضيات والنحو والمنطق والأطباء وعلماء اللغة والفقهاء، ولأكثر من مائة عام تميزت دار العلم كمركز للتعلم والبحث والمحاضرات في شتى العناوين، ويقول المؤرخ الكبير أحمد المقريزي: إن دار الحكمة في القاهرة لم تفتح أبوابها للجماهير إلاّ بعد أن فُرشت وزُينت وزخرفت وعُلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور، وعُين لها القوام والخدم وكان عدد الخزائن فيها أربعين خزانة تتسع الواحدة منها لنحو ثمانية عشر ألف كتاب وكانت الرفوف مفتوحة والكتب في متناول الجميع، ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه ما تيسر له ذلك، فإذا ضلّ الطريق استعان بأحد المناولين، فمن العلماء الذين كان لهم حضور فاعل في دار الحكمة عالم البصريات أبو الهيثم.
ومن أهم المكتبات في القاهرة مكتبة جامع الأزهر التي ضمت أكثر من مائتي ألف مجلد، وكان الأزهر قبلة العلماء، يفدون إليه من شتى بقاع العالم الإسلامي شرقًا وغربًا، وكان يوفر السكن والتغذية للوافدين الدارسين هناك.
فمن تلك المكتبات التاريخية في القاهرة المكتبة المحمودية التي ضمت أكثر من أربعة آلاف مجلد، وبعضها مخصطوطات أصلية بخط المصنف نفسه، أسسها جمال الدين مستشار السلطان ظاهر سيف الدين برقوق، وقد أشرف عليها العالم المحدث ابن حجر العسقلاني وأعد لها فهرسين تحت إشرافه.