سلوك الأطفال العدواني.. وكيف نعالجه؟
يأخذ العدوان بين الأطفال أشكالاً عديدة، فقد يدافع الطفل عن نفسه ضدَّ عدوان أحد أقرانه، أو يعارك الآخرين باستمرار لكي يسيطر على أقرانه، أو يقوم بتحطيم بعض أثاث البيت عند الغضب، ولا يستطيع السيطرة على نفسه. وإذا كان العدوان الصريح يأخذ أشكالاً تتمثل في الاعتداء البدني أو الاعتداء اللفظي أو بالتخريب أو بالمشاكسة والعناد ومخالفة الأوامر والعصيان والمقاومة.. فإن المشاعر العدائية أو العدوانية تتخذ شكل العدوان المضمر غير الصريح، مثل الحسد والغيرة والاستياء.. كما تتخذ شكل العدوان الرمزي الذي يمارس فيه سلوك يرمز إلى احتقار الآخرين أو توجيه الانتباه إلى إهانة تلحق بهم أو الامتناع عن النظر إلى الشخص وعدم الرغبة في مبادرته بالسلام أو رد السلام عليه.
والطفل العدواني على نحو شديد ومستمر يَمِيل لأن يكون قهريًّا ومتهيجًا، وغير ناضج، وضعيف التعبير عن مشاعره، ولديه توجُّه عملي.. وهو أيضًا متمركز حولَ الذات، ويَجِدُ صعوبةً في تقبُّل النقد أو الإحباط.. وإن الأطفال الأقل ذكاءً أكثرُ ميلاً للعدوان.
وتشير “ريتا مرهج” في كتابها “أولادنا من الولادة حتى المراهقة” إلى تلك المشكلة فتقول: “ابتداء من العام الأوَّل، نلاحظ أن العديد من الأطفال يلجأون إلى العنف من وقت إلى آخر، وقد تكون العدوانية وظيفية عندما يرغب الطفل في شيء ما بشدة، فيصرخ أو يدفع أو يعتدي على أي إنسان أو شيء يقف في طريقه. وقد تكون العدوانية متعمَّدة عندما يضرب الطفل طفلاً آخر بهدف الأذى.
وفى عمر أربع سنوات، تخفُّ العدوانية الوظيفية بشكل ملحوظ مع تطور القدرات الفكرية والنطق عند الطفل، بينما تزداد العدوانية المتعمّدة بين أربع وسبع سنوات، علمًا بأن نسبة حدوث العدوانية خلال احتكاكات الأطفال قليلة مقارنة بنسبة المبادرات الإيجابية التي تحصل بينهم”.
أسباب ظاهرة عدوان الأطفال:
وتتنوع أسباب هذه الظاهرة لتشمل مجموعة كبيرة من الأسباب وهي:
- الاضطراب أو المرض النفسي أو الشعور بالنقص؛ فليجأ الطفل إلى الانتقام أو كسر ما يقع تحت يديه، وذلك بأسلوب لاشعوري، فيشعر باللذة والنشوة لانتقامه ممن حوله.
- الشعور بالذنب أو عدم التوفيق في الدراسة؛ خاصة إذا عيّره أحد بذلك، فليجأ إلى تمزيق كتبه أو إتلاف ملابسه أو الاعتداء بالضرب أو السرقة تجاه المتفوق دراسيًّا.
- القسوة الزائدة من الوالدين أو أحدهما؛ مما ينتج عنها الرغبة في الانتقام، خصوصًا عندما يحدث ذلك من زوج الأم، أو زوجة الأب، بعد وقوع الطلاق أو وفاة أحد الوالدين. فالإفراط أو التفريط في التعامل مع هذا السلوك العدواني، وإيقاع العقاب بشكل متكرر وشديد -بما لا يتناسب مع ما فعَلَه الطفل من سلوك عدواني- من الأسباب الهامة التي تدفع الأبناء إلى تفريغ انفعالاتهم بالعدوان.
- الغيرة والقلق والخوف، وانخفاض الثقة بالنفس، ونتيجة عدم راحة الطفل لنجاح غيره من الأطفال، يكون من الصعب عليه الانسجام معهم، أو التعاون مع بعضهم، وربما اتجه إلى الانزواء أو إلى التشاجر معهم، أو التشهير بهم.. وأحيانًا يظهر الأمر أكثر وضوحًا بين الطفل وأخيه الذي يتميز عليه في بعض الأشياء؛ كممتلكات أو استحواذ الحب والعطف من الآخرين.
- تعزيز السلوك العدواني ودعمه لدى الطفل؛ عن طريق ذكر الصفة العدوانية لهذا الطفل عاداته وسلوكه الشرس والعدواني أمام الناس وفي حضوره، فتنطبع هذه الصورة لدى الطفل.
- محاولة الابن الأكبر سيطرته على الأصغر واستيلاءه على ممتلكاته، يؤدي بالصغير إلى العدوانية.
- محاولة الولد سيطرته على البنت واستيلاءه على ممتلكاتها، وللأسف نجد بعض الآباء يشجعون على ذلك فيؤدي بالبنت إلى العدوانية.
- الشعور بالفشل والحرمان: يظهر عدوان الطفل أحيانًا عند شعوره بالحرمان من الحب والتقدير -رغم جهوده لكسب ذلك- فيتحوَّل سلوكه إلى سلوك عدواني.
- كبت الأطفال وعدم إشباع رغباتهم، وكذلك حرمانهم من اكتساب خبرات وتجارب جديدة باللعب والفك والتركيب وغيرها، فيؤدي بهم ذلك إلى العدوانية لتفريغ ما لديهم من كبت.
- الثقافات التي تمجّد العنف وتحبّذ التنافس، تؤثر على دعم سلوك العدوان لدى الأطفال.
- تعلم العدوان عن طريق النموذج: ويشير “بندورا” إلى أنه من المحتمل أن يتعلَّم الطفل سلوكًا جديدًا بمجرد مراقبتِه لفرد آخر يمارس هذا السلوك. وقد لوحظ ازدياد درجةِ العدوان لدى الأطفال الذين شاهدوا نماذج عدوانية كالأفلام المصورة عن أشخاص يتصرفون بعدوانية ومشاهدة العنف بالتلفزيون أو من خلال أية وسيلة أخرى تشجِّع الأولاد على التصرف العدواني، أو نماذج كرتونية تتصرف بعدوانية.
- الحب الشديد والحماية الزائدة: الطفل المدلَّل تظهر لديه المشاعر العدوانية أكثر من غيره. فالطفل من هذا النوع، وفي داخل ذلك الجو شديد الحماية، لا يعرف إلا لغة الطاعة لكل رغباته، ولا يتحمل أقل درجات الحرمان، ومن ثم تظهر سلوكياته العدوانية.
- الرغبة في التخلص من السلطة: يظهر السلوك العدواني لدى الطفل حينما تلحُّ عليه الرغبة في التخلص من ضغوط الكبار التي تَحُول دون تحقيق رغباته.
- شعور الطفل بالغضب: الغضب حالة انفعالية يشعرُ بها الأطفال، ولكنَّ هناك فروقًا بين الأطفال في تعبيرهم عن هذا الانفعال؛ فالبعض يتَّجه إلى الهدفِ والإتلاف لبعض ما يُحِيط به، والبعض يعاقب نفسه، ويضر بذاته بشد شعره، أو ضرب رأسه بالأثاث.
كيفية العلاج
يمكن للآباء والأمهات والمربين اتباع الوسائل الآتية في التعامل مع أطفالهم العداونيين:
- احترام ممتلكات الطفل الخاصة من اللعب والأدوات وعدم الأخذ منها شيئا دون إذنه، وردها إليه حين يطلبها منك، وعدم المماطلة في الاستجابة برد هذه اللعب.
- إذا وجدت الطفل يرتكب مخالفة ما، كأن يحاول التسلق على الكراسي أو المناضد أو الجدران، فوجِّهه برفق وأفهمه ما يتعرض له من أخطار.
- تسامح مع طفلك واستجب لطلباته التي لا تكلفك الكثير، فقد يسألك هل أنت بحاجة إلى ورقة معينة أو قلم أو ممحاة أو صندوق.. ولسوف يفرح الطفل كثيرًا عندما يجد منك التسامح.
- إشعار الطفل بذاته وتقديره وإكسابه الثقة بنفسه، وإشعاره بالمسؤولية تجاه إخوته، وإعطاؤه أشياء ليهديها لهم بدل أن يأخذ منهم، وتعويده مشاركتهم في لعبهم مع توجيهه بعدم تسلطه عليهم.
- اعدل بين الإخوة في المعاملة ولا تترك فرصة لكي يشعر أحدهم بأنه يعامل معاملة أدنى من غيره، وإذا اختصصت أحدهم بعطية فاعط الآخرين مثلها أو ما يوازيها حتى لا تترك الفرصة لتولد المشاعر العدوانية لديهم.
- عدم مقارنة الطفل بغيره وعدم تعييره بذنب ارتكبه أو خطأ وقع فيه أو تأخره الدراسي أو غير ذلك.
- تجنب إثارة أو مناقشة الخلافات العائلية أمام طفلك، وناقش تلك الأمور بهدوء مع الطرف الآخر بعيدًا عن مسمع ومرأى الأطفال.
- السماح للطفل بأن يسأل ولا يكبت، وأن يُجاب عن أسئلته بموضوعية تناسب سنه وعقله، ولا يُعاقب أمام أحد لا سيما إخوته وأصدقائه.
- لحماية الأولاد من التأثير السلبي للتلفزيون لا بد من الإشراف على محتوى البرامج التي يشاهدها الطفل، وتشجيعه على مشاهدة برامج ذات مضمون إيجابي، بدلاً من البرامج التي تتميّز بالعنف حتى وإن كانت رسومًا متحركة.
- وفر لطفلك الفرصة للتنفيس عن مشاعره العدوانية المكبوتة من إشراكه في الأنشطة الرياضية الجماعية، ولا تقف عقبة دائمًا.
- الوقاية والتحصين من خلال برامج معدة بشكل دقيق من قبل الأخصائيين والتربويين، تطبق بشكل مستمر في رياض الأطفال ومراحل التعليم. وهذه البرامج تساعدنا في تعديل سلوك الطفل العدواني وإيقاف عدوانه الذي تسبب في سلسلة من المشكلات.
- تقليل عدد نماذج العدوان المعروضة في كتب الأطفال وأفلامهم والقصص التي تقدم لهم ومحاولة توفير بدائل تشجع على أنماط السلوك المقبول اجتماعيًّا.