ويمكن أن يتم انتقال بعض الأمراض الفيروسية، مثل التهاب الكبد الوبائي، وفيروس نقص المناعة المكتسب “الأيدز”، إذا استخدمت القطع المعدنية التي تخترق الجلد ملوثة بالفيروس من شخص آخر ثم استخدام نفس الأداة معه. هنا تأتي أهمية التعقيم واستعمال الأدوات ذات الاستخدام الواحد، لأن الأمراض الفيروسية الخطيرة، تنتقل أيضًا عند استخدام نفس الإبرة لرسم الوشم من دون التعقيم.
ويحذر الأطباء من الإفراط في وشم اللسان، لأنه يتطلب من ثلاثة إلى ستة أسابيع لالتئام الجرح، ومن ستة إلى ثمانية أسابيع في حالات خرق الأذنين والشفتين والحاجبين، أما سُرة البطن فقد يطول الأمر حتى تسعة أشهر في بعض الحالات. وقد حذرت اللجنة الأوروبية هواةَ رسم الوشوم على أجسامهم، الذين يحقنون جلودهم بمواد كيمياوية سامة بسبب الجهل السائد بالمواد المستخدمة في صبغات الوشم، وقالت إن غالبية الكيمياويات المستخدمة في الوشم، هي صبغات صناعية صنعت في الأصل لأغراض أخرى، مثل طلاء السيارات أو أحبار الكتابة، وليس هناك على الإطلاق بيانات تدعم استخدامها بأمان في الوشم. وتساءلت اللجنة في بيان مصاحب لتقرير المخاطر الصحية للوشم وثقب الجسم: “هل ترضى بحقن جلدك بطلاء السيارات؟”.
أخطاء وأخطار
فضلاً عن وجود شباب ومراهقين يؤيدون الوشم كنوع من التعبير أو التغيير، فهناك أيضًا المعارض الذي يرى أنها ظاهرة غريبة عن المجتمع العربي، وتجسد آفة التقليد الأعمى للغرب.. ويرى الشباب بأن الدنيا تقدمت والعلم تطور، ويمكن إزالة الوشم بسهولة، وبالتالي لا مانع من استخدامه في إطار الذوق العام للتعبير عن فكرة ما أو مشاعر وما أكثرها.
ومع مطلع القرن العشرين، انتشر الوشم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وقد سهّل ذلك ظهور أدوات الوشم الكهربائية، وتعدد صبغاته وألوانه، وظهور مهارات فنية في نقش لوحات جميلة على الجسد، حتى ظهر عند البعض ما سمي بـ”جنون الوشم”. ويقدَّر أن ٩-١١٪ من الذكور البالغين و١٪ من النساء البالغات، موشومون في أمريكا. وحاليًّا تقام في بعض العواصم معارض للوحات الوشم على الأجساد، بل يذكر أن البعض يقوم باستئصال الوشم من الأجساد الحية؛ لتدبغ وتباع للأثرياء بمبالغ طائلة.
أنواع الوشم
أنواع الوشم متعددة، ويمكن تقسيمها في بلادنا إلى:
أ– الوشم التقليدي: ويجرى في الأرياف وعند البدو، وأشيع عند النساء.. يجرى بطريقة بدائية بإدخال الحبر أو الفحم بوساطة الوخز يدويًّا بالإبر، ويجرى بشكل منمنمات حول الفم وعلى الأنف وبين الحاجبين وعلى ظهر اليدين.
بـ- الوشم البدائي: وهو أشيع عند الذكور من صغار الشباب، ويجرى بطريقة بدائية كما في الوشم السابق، ولكن بشكل رسوم ساذجة كقلب أو سهم أو كلمات أو حروف، وغالبًا ما يندم هؤلاء الشباب لاحقًا ويهرولون لمحاولة محو الخطيئة.
جـ- الوشم التزييني: ويجرى عند المختصين بأدوات كهربائية وبألوان مختلفة وبشكل رسوم جميلة، وهذا الوشم يلقى رواجًا في أوساط الشباب، وخاصة الذكور الذين يحاولون التميز.
د– الوشم التجميلي: ويجرى عند المختصين كمكياج دائم للنساء، وذلك لتأطير حواف الأجفان باللون الأسود، أو لتأطير حواف الشفاه أو صبغها كاملة بالأحمر، أو لتحديد الحواجب أو رسمها، أو لصبغ الوجنتين.. ويعود أول وشم تجميلي لعام ١٩٨٤ عندما نشر “Angers” أول محاولة لوشم حواف الأجفان بالأسود كمكياج دائم.
هـ- الوشم الطبي: ويجرى عند مختصين لتغطية العيوب اللونية، كوشم بقع البهاق (بقع بيضاء تظهر على الجسد) بألوان مشابهة للون الجلد الطبيعي، أو لوشم ندبات خالية من الشعر بالأسود، لتعطي انطباعًا بوجود الشعر، أو لتعيين نقاط خاصة بالعلاج الشعاعي لسرطان داخلي.
يسمى النوعان الأولان بـ”وشم الهواة”، بينما تسمى الأنواع الثلاثة الأخيرة بـ”وشم المحترفين”. وتستخدم مواد مختلفة للوشم، منها مواد عضوية كالكربون للوشم بالأزرق، وأكاسيد المعادن مثل أوكسيد الحديد للوشم باللون الأسود، وأزرق الأزور للوشم بالأزرق، وأكسيد الكروم وكرومات الرصاص للوشم بالأخضر، وسلفيد الزئبق للوشم بالأحمر، أما سلفيد الكادميوم فللوشم فبالأصفر.
ما إن يتم الوشم، توضع المواد الملونة بشكل عناقيد بقطر ٢-٤٠٠ نانو متر، ثم يتم اقتناصها من قبل العديد من الخلايا في البشرة والأدمة (الأدمة: طبقة تحت البشرة)، كالخلايا المقرنة والبالعة، والأرومات الليفية والخلايا البدينة، ولاحقًا ينحصر وجود المواد الملونة في الأرومات الليفية والخلايا البالعة في الأدمة، ومع الوقت تغوص هذه الخلايا للأسفل، ومع انخفاضها يخفف اللون.
من سطوة التاتومينيا، أنها تسبب تأثيرات جانبية تتضمن أخماجًا والتهاب جلد تماسي، وحساسية التهابية، وقد ذُكر بأنها تنخر حواف الأجفان عند وشمها تجميليًّا، كما ينتشر صباغ الوشم على الجفن السفلي بشكل مروحي عند وشمه عميقًا.
وإزالة الوشم تجد صعوبات كبيرة أحيانًا، حيث تذكر إحدى الدراسات أن ٥٠٪ من الموشومين يندمون، وأن متوسط أعمار إجراء الوشم يبلغ ١٨ سنة، ومتوسط أعمار محاولة إزالته ٤٠ سنة. وقد أجريت أولى محاولات إزالة الوشم على المومياءات المصرية منذ ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد. أما أول وصف علمي لإزالة الوشم، فقد كان من قبل الطبيب اليوناني “Aetius” عام ٥٤٣ ميلادي باستخدام السنفرة بالملح.
هذا وإن سلفيد الكادميوم يؤدي إلى الاحمرار عند التعرض للشمس، وإلى حساسية جلدية، ونزف وندبات ضخمة، وإلى تجدرات والتهابات كبد فيروسية (B,C,D) وسفلس وجذام وسل وأيدز.
محو الخطيئة وعذاب الجسد
هناك طرق مختلفة لإزالة الوشم منها: السنفرة، والجراحة، والتقشير الكيماوي العميق، والتخريب الحراري (أشعة تحت حمراء)، والكي الكهربائي، والكي بالتبريد.. وجميع هذه الطرق السابقة قد تترك ندبات واضطرابات تصبغ، لكن حاليًّا يُزال الوشم بالليزر وقد لا يستجيب أيضًا للإزالة.
أكثر الألوان استجابة للعلاج بالليزر هي الأسود والأزرق، خاصة وشم الهواة المصنوع باستخدام الكربون، ويستخدم لعلاجه ليزر الروبي QS، أو NdYAG Q-Switched. أما المواد التي تعطي ألوانًا مختلفة من الوشم، فهي تعالج بليزرات مختلفة؛ فالوشم الأخضر يعالج بليزرات حمراء اللون، والوشم الأحمر يعالج بليزرات خضراء اللون، أما الوشم الأصفر والبرتقالي لا يوجد لها ليزرات فعالة، كما أن امتصاص المادة الصبغية لليزر يعتمد على طول موجته.
على أية حال، فإن الامتصاص لا يعني الفعالية دومًا، ويمكن أن يعزى ذلك للتركيب الكيماوي واختلافه بالتسخين. ومن المعروف أن الصبغات العضوية، والصبغات عديدة الحلقات، وصبغات Azo العضوية، استبدلت بصبغات من أكاسيد المعادن؛ لأن الصبغات العضوية يمكن أن تعطي مركبات مسرطنة عند تسخينها لإزالتها بالليزر.
وجميع الطرق السابقة قد تترك ندبات واضطرابات تصبغ، وكان على الفرد الاختيار بين بقاء الوشم أو استبداله بندبات معيبة. وحاليًّا مع تطور الليزرات وظهورها بطريقة Q-Switching ذات النبضات القصيرة والقوية، بحيث تسخن جزيئات الصباغ لدرجة حرارة ٣٠٠م خلال نبضات قصيرة جدًّا، مما يحد من إصابة الأنسجة المجاورة، وكذلك بسبب امتصاص الطاقة نوعيًّا من المادة الصباغية وفق طول موجة الليزر، حيث يحدث تحطم ميكانيكي لجزيئات الصباغ، وتغيرات كيماوية فيها (احتراق المواد العضوية)، كما يحدث بعدها ابتلاع الخلايا البالعة لجزئيات الصباغ المشتتة، كما يمكن أن تنطرح تلك المواد عبر البشرة أو تزال بالنزح اللمفي.
ومن الليزرات المستخدمة
١– ليزر الأرجون (Argon Laser): أول ما استخدم في عام ١٩٧٩، وطول موجته ٤٨٨-٥١٤ نانوميتر، وهو يستهدف الميلانين والهيموجلوبين، ويمكن أن يؤدي استخدامه لندبات، ويمكن أن يبقى الوشم بعده.
٢– ليزر ثاني أكسيد الكربون (Co2 Laser): أول ما استخدم في عام ١٩٧٨، وطول موجته ١٠٦٠٠ نانومتر، ويستهدف الماء، ويمكن أن يؤدي لندبات واضطرابات تصبغ.
٣– ليزر الياقوت (Ruby Laser): طول موجته ٦٩٤ نانوميتر، وهو يعالج الوشم الأسود والأزرق، كما يفيد الليزر الأخضر، ويمكن أن يؤدي لاضطرابات تصبغ.
٤– ليزر الألكسندريت (Alexandrite Laser): طول موجته ٧٥٥ نانوميتر، وهو يفيد الوشم الأسود والأزرق، كما يفيد في الوشم الأخضر، ويمكن أن يؤدي لاضطرابات تصبغ.
٥– ليزر ن د ياج (NdYAG Laser): طول موجته ١٠٦٤ نانوميتر، أقل امتصاصًا للميلانين (أقل إحداثًا لنقص التصبغ)، مما يسمح بتجنب نقص التصبغ، وهو الليزر الأفضل لإزالة اللون الأسود والأزرق. كما يفيد ليزر Nd YAG بطول موجة أخرى (٥٣٢ نانومبتر) لإزالة الوشم الأحمر، حيث يزال ٧٥٪ من اللون الأحمر بعد ثلاث جلسات.
ولايوجد ليزر مفيد لعلاج الوشم الأصفر والأبيض، وعمومًا فإن كل هذه الليزرات تحتاج إلى عدة جلسات حتى إزالة الوشم نهائيًّا بفاصل ٣-٤ أسابيع. ويعتمد عدد الجلسات للإزالة الكاملة للوشم على عدة عوامل، منها نوع المادة الصابغة وتركيبها الكيماوي وعلى توضعها ولونها، ويعتبر وشم الهواة أسهل باعتباره علاجًا للإزالة من وشم الممتهنين، كما تعتمد فعالية العلاج على مكان الوشم، فالوشم في الوجه أسهل كعلاج، كما تختلف النتائج من شخص لآخر.
ويمكن أن تؤدي الليزرات Q-Switch لتغيرات لونية غير مستحبة عند الإزالة، فأوكسيد الحديد وثاني أوكسيد التيتانيوم (للوشم بالأبيض) يمكن أن يحدث لونًا أسود عند العلاج. أما المعالجون بمركبات الذهب، فعند العلاج بليزرات Q-Switch تحدث تغيرات زرقاء بنفسجية بسبب وضع الذهب في الأدمة.
(*) سفيرة بوزارة الخارجية المصرية / مصر.