المشاكل كثيرة ولم يخْلُ زمن من مشاكل. ولكن، إذا كانت المشاكل ستُحلُّ يومًا، فسوف يحلها أفراد بلا مشاكل.. أفرادٌ حَلُّوا مشاكلهم الداخلية، أي لم تعد الدنيا مشكلة بالنسبة لهم، لم يعد الزوج والولد مشكلة لهم، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ(آل عمران:١٤)؛ كل ما في الدنيا من فتن وعقبات، كل ما يعوق الرجال من بنين ونساء، أو ما يعوق النساء من أموال ورجال، كلها امتحان وابتلاء ما لم يُستخدم في مكانه الصحيح.
إن المرء إذا لم يتجاوز هذه المشاكل في ذاته فهو المشكلة. المشاكل الخارجية في الحقيقة نابعة من مشاكله هو. لم تعرف الأرض مفهوم “المشكلة” إلا مع الإنسان. بعبارة أخرى إن المشكلة هبطت إلى الأرض مع آدم الإنسان (مع التزامنا بالتوقير لمقام النبوة). قبل مجيء آدم إلى الأرض لم يكن للديناصورات التي كانت تعيش عليها أي إشكال، لم يكن لوحيدي القرن ولا للفيلة أية مشكلة، لم يكن للنبات إشكال مع الشجر ولا للشجر إشكال مع النبات. المشكلة هبطت إلى الأرض مع الإنسان.
لإزالة المشكلة التي جاءت مع الإنسان، أرسل الله الأنبياء حيث تم الارتقاء بمستوى الإنسان من خلال تربيته وتثقيفه، ومن ثم انطلقت عملية حل المشاكل. اليوم، قبل حل المشاكل الكامنة في ذات الإنسان، يتم اللجوء لحلّ الإشكال الاقتصادي، والإشكال الاجتماعي، والإشكال السياسي، والمشاكل المتعلقة بالتربية والتعليم. ولكن ما دام الإنسان مَوْبوء بالمشاكل، فسوف ينشر الفيروسات ويعدي الجميع، وكل محاولة للبناء والإصلاح ستنتهي بالفشل.
إن مهمتكم الكبرى أن تحلّوا مشاكل ذواتكم أولاً، ثم تنطلقوا لحل مشاكل الآخرين. هل يمكنكم أن تقولوا إنكم حللتم مشاكلكم؟ أي إن البيت لم يعد عائقًا أمامكم، الحياة الزوجية والأولاد لم يعودوا عقبة لكم، الراتب كذلك سواء كان أو لم يكن.. هل تقولون “لا مشكلة، سأعمل حمّالاً لتغطية حاجاتي، لا يهم، ذاك المنصب كان أو لم يكن، سأتسوّل وأنظف مراحيض المساجد لتأمين معيشتي، لا مشكلة”. إذا كنتم قد تجاوزتم أنفسكم إلى هذا الحد، وسلّمتم أموركم إلى الله، وصار تسليمكم توكلاً، وتحوَّل التوكّل إلى تفويض، آنذاك أُجزم أنكم حللتُم مشاكلكم حقًّا.
عندها ماذا أفعل؟ أقبّل جبينَكم وأقول سيروا على بركة الله.. أنتم جاهزون لحلّ المشاكل المنتشرة في أرجاء العالم. عندما تحلّون مشاكلكم الذاتية، فلن تبقى عندئذ مشاكل لا في الدولة ولا في المجتمع. ولكن إذا كنّا نتخبط في إشكال السعي وراء الراتب والأسرة والمنصب وغيرها، فلا داعي للنقاش.
يأتيني كثيرون، يقول أحدهم وكأن القيامة قد قامت: لم أرزَق بمولود، لو دعوتَ لي، أتوسل إليك، فقدنا السكينة في البيت، وأنا في شجار دائم مع الزوجة. ها هي مشكلة، ومشاكل أخرى مثلها لا تعد ولا تحصى. إن أفرادًا تعثروا بمشاكل بسيطة كهذه، لا يمكن أن يحلّوا مشاكل المجتمع. إن الذين يتصدّون اليوم لحلّ المشاكل متعثرون بمشاكل من هذا النوع للأسف. كيف إذا كان الطبيب مريضًا؟ طبيب يداوي الناس وهو مريض؛ أجل، مريض يُعدي الآخرين بميكروباته ظنًّا منه أنه يداويهم.
مهمّتكم الكبرى أن تحلّوا الإشكال الذي عرفتْه الأرض مع الإنسان. إذا حللتم “مشكلة الإنسان”، عندئذ ستفهمون معنى حديث “كما تكونوا يُولَّى عليكم”. كما تكونوا أنتم سيكون وضعكم الاقتصادي والإداري والسياسي، وكما تكونوا أنتم ستُدار أموركم.
لا تبحثوا عن المشكل في الخارج، الإشكال في داخلنا، وعندما نحلّه في داخلنا ستُحَلّ المشاكل الخارجية تلقائيًّا.
(*) الترجمة عن التركية: هيئة حراء للترجمة. هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ فتح الله كولن الخاصة.