في كلّ يوم تقريباً يحدث تقدُّم جديد مدهش في التكنولوجيا في أجزاء متفرقة من العالم، وخاصة في أكثر دول العالم المتقدمة، ويمكننا ملاحظة هذا التطوير التكنولوجي الحثيث في جميع القطاعات بما في ذلك الاقتصاد والمجتمع والثقافة، ويظهر هذا التقدم في تقنيات كثيرة مثل البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو وتقنيات الطاقة المتجددة وتقنيات الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
مجال الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تطوير الآلات والحواسيب الرقميّة القادرة على القيام بمهام تحاكي وتشابه بالتصرفات التي تقوم بها البشر الأذكياء مثل القدرة على الإدراك الحسي وفهم اللغة والاستدلال واتخاذ القرار والتفكير أو التعلم من التجارب السابقة. بعبارات أخرى، الذكاء الاصطناعي يصوب الى اكتساب أنظمة تتمتع بالطبيعة التي يتصرف بها البشر من حيث التفكير والفهم، ومن ثم توفر هذه الأنظمة خدمات متنوعة من التعليم والإرشاد لمستخدميها. لقد حقق العالم تقدمًا مذهلاً ومدهشًا في مجال الذكاء الاصطناع، دفع هذا التقدم السريع في التكنولوجيا البرمجيات الرقمية إلى أداء مجموعة متنوعة من المهامّ، ربما بشكل أفضل من البشر. ففي عام 1997 شهد العالم انتصار ديب بلوDeep Blue- جهاز الكمبيوتر طورته شركة آي بي إ IBM- على بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف، ومن المُتوقَّع أن يتمكن هذا التطور للذكاء الاصطناعي من إحداث ثورة كبرى في العالم، لكن لا يقتصر هذا على تقدم في مجال التكنولوجيا فقط بل في العديد من المجالات فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
الذكاء الاصطناعي في التعليم
بسبب تطور التكنولوجيا كان هناك عدد من التطورات الهامة في التعلم والتعليم في الآونة الأخيرة، حيث تم استبدال الكتب بأجهزة لوحية أو كمبيوتر محمولة، كما أصبح البحث عن المعلومات من خلال الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من التعلّم المدرسي. وبدخول الذكاء الاصطناعي مجال التعليم مكن العديد من مواكبة التحولات الملحوظة وغير المسبوقة في هذا المجال كما أسهم في اختراع منهج تعليمي شامل يبسط عملية التعلم عن طريق تطبيق مزيج من التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في هذا المجال.
يتم بالفعل استخدام أنواع عديدة من الروبوتات في مجال التعليم، وهي تتراوح من الروبوتات البسيطة (البويبوت) إلى مجموعات الأدوات المتقدمة (العصف الذهني) إلى الروبوتات (الروبوتات التي تشبه البشر)، عادةً ما تقوم الروبوتات الصغيرة أو مجموعات الأدوات بتعليم علم الروبوتات أو علوم الكمبيوتر والروبوتات الشبيهة بالبشر وغالبًا ما تستخدم في دروس اللغة لأنها تجعل من السهل على الطلاب التفاعل معها، ولا يزال يتم اختبار الروبوتات البشرية مثل ناو و بيبر وتيرو بشكل أساسي في الفصول الدراسية في العديد من البلدان بما في ذلك اليابان من أجل تعليم اللغة الإنجليزية.
فوائد الذكاء الاصطناعي للتعليم
حقيقة الأمر أن الذكاء الاصطناعي لا يتخلى عن نظام الفصول الدراسية بأي طريقة أو شكل، بل إنه يجعل تجربة الفصل الدراسي أحسن من أي وقت مضى من خلال تفوقه على البشر في القيام بمهام معقدة وتحليل العديد من نقاط البيانات بسرعة ودقة وبشكل ممتاز.
في الواقع ثمة المزيد من المجالات التي بدأت فيها الآلات في لعب نفس الدور الذي لعبه البشر سابقًا، ويتضمن ذلك مجال المعلمين أيضًا، يمكن لأنظمة التدريس بالذكاء الاصطناعي فهم أسلوب التعلم المفضل لدى الطلاب تمامًا كما يفعل المدرسون البشريون، وهناك العديد من أنواع الطلاب الذين يتعين على المعلمين التعامل معها بصورة مباشرة، مثل الطلاب الضعفاء والطلاب متقدمون والطلاب ذوي الاحتياجات خاصة، فقد يكون من الصعب حقًا على المعلم تلبية توقعات كل طالب، لكن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن التكيف بأكثر سهولة مع المتطلبات المتعلقة بالتعلم الفردي للطالب، كما أنها قادرة على اقتراح اتجاهات التعلم بناءً على نقاط القوة والضعف لديهم، وهذا يقلل من العمل غير المثمر الذي يتعين على المعلمين القيام به بين الحين والآخر.
أفضل فائدة أخرى يتمتع بها الذكاء الاصطناعي في هذا المجال بالذات تتمثل فيما يتعلق بمهام تقييم الامتحان، بقدر ما يتعلق الأمر بالمدرسين. من المفترض أن يكون هذا العمل أكثر مللًا ويبتعد عنهم إلى أقصى حد حيث يضطرون إلى تكريس المزيد من الوقت للقيام به، في الوقت نفسه فإن العمل مثل تقييم الامتحان أمر حتمي ولا مفر منه في مجال التعليم لأنه يلعب دورًا مهمًا في تصنيف الطلاب إلى الضعفاء أو المتقدمين بناءً على قدرتهم في التعلم. ولكن الآلات اليوم أصبحت أكثر تقدمًا مما كانت عليه في السابق، فهم الآن قادرون على القيام بأكثر من مجرد تصحيح الامتحان باستخدام مفتاح الإجابة، إنهم يتمتعون بالقدرة على ادراك وبوضوح المعلومات المتعلقة بكيفية أداء الطلاب وبالتالي تحديد نقاط ضعف الطلاب وإظهار طريقة حلها وإيجاد ثغرات في محتوى الدورة على أساس طريقة تعاملهم مع الامتحان حتى يمكن أن يساعد المعلمين على توفير مواد أفضل أو استخدام أساليب أفضل للتعلم حتى يتمكن الطلاب من تحسين مستواهم في هذه المجالات.
باستخدام الذكاء الاصطناعي سيكون من الممكن للمدارس إنشاء فصول دراسية عالمية، ومن الآن فصاعدا لا يهم مكان وجود الطلاب حيث سيكون من الممكن لهم أيضًا التفاعل مع أقرانهم والمشاركة في الفصل عبر الإنترنت من خلال زيارة رابط الفصل والنقر عليه حتى لو كانوا على بعد آلاف الأميال عن بعضهم البعض، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للطلاب التفاعل مع معلميهم والمؤلفين والخبراء والعلماء المشهورين وكذلك قراءة كتبهم في الفصل.
من خلال العديد من الطرق مثل تقنية الألعاب والمحاكاة يمكن للذكاء الاصطناعي جعل التعليم أكثر إثارة للاهتمام وجذب الطلاب إلى فصولهم وفهم ما يقال. كما يمكن استخدام هذه التكنولوجيا من أجل تشجيع الطلاب على الدراسة وتطوير المعرفة بأنفسهم، كما تجعل من السهل جدًا على المدرسين وإدارة المدرسة الحفاظ على فهم أداء الطالب الجيد أو الضعيف.
في حقيقة قطعت الأنظمة الذكية خطوات كبيرة ودقيقة لكنها لم تصل بعد إلى مستوى ذكاء العقل البشري، ولا شك أن التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي تجعل التعليم أكثر كفاءة وأسهل مما كان عليه، لكن معظم الباحثين في مجال الروبوتات يقول الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل المعلمين، بل تم تصميم معظم الروبوتات لتعمل كمساعد في الفصل الدراسي ولتكون أداة تعليمية محفزة وجذابة.