تم تدشين مصطلح “مصاعب التعلـّم” عندما قام عالم النفس الأمريكي “صموئيل كيرك”Samuel A. Kirk عام 1962 بإعداد كتاب جامعي عن “التربية الخاصة”، ظهر فيه الإرهاصات الأولى لملامح مصاعب التعلم. وفي نفس العام استخدم كلا من “كيرك، وبيثمان” المصطلح لوصف تلاميذ يعانون من صعوبات تعلم القراءة وإجراء العمليات الحسابية. ويمكن تعريف الأطفال ذوي مصاعب التعلم بأنهم الذين: يعانون من قصورٍ في واحدةٍ أو أكثر من العمليّات الأساسيّة التي تتطلب فهم أو استخدام اللغة المنطوقة والمكتوبة، ويظهرون نقصًا في القدرة على الاستماع والتفكير أو الكلام والقراءة أو التهجئة والكتابة أو تَركيب الجمل والصياغة النحويّة أو أداء العمليّات الحسابيّة. وهي مصاعب ليست ناتجةً عن إعاقةٍ بصريّةٍ أو سمعيّةٍ أو حركيّةٍ أو عن تخلّفٍ عقليٍّ أو عن اضطراباتٍ انفعاليّةٍ أو عن حرمانٍ بيئيٍّ أو ثقافيٍّ أو اقتصاديٍّ.
أنماط وصعوبات التعلم
- صعوبات التعلم النمائية (Developmental Learning Disabilities) وتتعلق بالوظائف الدماغية، وبالعمليات العقلية والمعرفية التي يعتمد عليها الطفل في تحصيله، وقد يكون سببها: اضطرابات وظيفية تخص الجهاز العصبي المركزي، وتؤثر هذه الصعوبات على العمليات ما قبل الأكاديمية (يقوم عليها النشاط العقلي المعرفي) مثل الانتباه والإدراك والذاكرة والتفكير واللغة.
- صعوبات التعلم الأكاديمية (Academic Learning Disabilities) وهي صعوبات الأداء المدرسي المعرفي الأكاديمي، وتتمثل في القراءة والكتابة والتهجئة والتعبير الكتابي والحساب، وترتبط هذه الصعوبات إلى حد كبير بصعوبات التعلم النمائية.
أما أنماط صعوبات التعلم فتضم:
– عسر القراءة أو (ديسلكسيا) ذلك المصطلح اليوناني الذي استحدثه رودولف برلين” أواخر 1800م، أما “العمى الكَلِمي” فقد نحته طبيب الأعصاب الألماني “أدولف كسماول”. وفي العام 1917م وصف “جيمس هنشلود” المشكلة بـ”العمى الكـَلـِمي الخَلْقي”. وهي عبارة عن قدرة منخفضة في اكتساب مهارات معالجة اللغة.. استماعاً وتعبيراً. وصعوبة فهمها، وتخمين الكلمات، والكتابة العكسية. مع مصاعب في تنظيم الجمل والتمييز بين الأصوات (اضطراب سمعي في التمييز بين أصوات الحروف). أما خلل الكلام (ديسفازيا) فتشمل مشاكل فهم اللغة، وضعف قدرات القراءة، وصعوبة تعلم أغاني الأطفال. وعسر القراءة واحدة من أكثر مصاعب التعلم شيوعًا (60–70% من تلك المصاعب)، ويقدر أن 10% من تلاميذ المدارس البريطانية مصابون بالديسلكسيا، بينما تصل النسبة في مثيلاتها الأمريكية إلى ما بين 10- 15%. أما في الكويت على سبيل المثال فتقدر “جمعية الديسليكسيا” أن 6,3% من طلبة المدارس الابتدائية يعانون منه.
– عسر الكتابة (ديسجرافيا): صعوبة في الإملاء وكتابة الحروف والجمل، والتفكير أثنائها.
– عسر الحساب” (ديسكالكيولا): صعوبة القدرة على اكتساب المهارات/ العمليات الحسابية، يتزامن مع قصور في استيعاب مفاهيم الرياضيات الأساسية والعلاقة بين الأرقام والإدراك البصري والسمعي لها، وفهم الوقت، واستخدام النقود.
– اضطراب المعلومات المرئية: مشاكل في ترجمة المعلومات المرئية وتشمل مشكلات في قراءة الخرائط، تمييز الصور والرموز.
– عسر الحركة (ديسبراكسيا): تشمل خلل الأداء ومشاكل عدم الاتزان-التوافق بين أداء اليد والعين، أي عدم تمكن الطفل من تنسيق والتحكم في الحركات البسيطة كالكتابة والتقطيع، أو الحركات الأكثر تعقيداً كالجري والقفز.
– اضطرابات الانتباه والتركيز والمعالجة السمعية والبصرية، وفرط النشاط: تشتت الذهن والحساسية المفرطة للمؤثرات الخارجية. مع اضطراب حسي يؤثر على قدرة الطفل على فهم اللغة المكتوبة أو المنطوقة. وعندما يصاحب هذه الاضطرابات نشاط مفرط يسبب اندفاعَا (تهورا)، وتقلبًا عاطفيًّا.
أسباب صعوبات التعلم
يلاحظ انتشار صعوبات التعلم في أسر معينة، ويعتقد أن هذا الأمر يعود لأساس جيني وراثي. وقد يكون السبب راجع إلى مشاكل في نمو مخ الجنين، مما يؤثر على تكوين واتصال الخلايا العصبية ببعضها البعض. وفي بعض الحالات يتفاعل الجهاز المناعي للأم مع الجنين كما لو كان جسمًا غريبًا يهاجمه، وهذا التفاعل يؤدي لاختلال في نمو الجهاز العصبي له. وفي حالات أخرى، قد يحدث التواء للحبل السري حول نفسه أثناء الولادة مما يؤدي إلى نقص مفاجئ لأوكسجين الجنين، مما يؤدي لإعاقة عمل الدماغ، كما يمكن أيضًا أن يسبب تدخين الأم أو تناولها الخمور، أو بعض الأدوية الخطيرة أثناء الحمل إلى معاناة الطفل من صعوبات التعلم، كما تبين أن التلوث البيئي قد يؤثر على نمو الخلايا العصبية، فزيادة عنصري “الرصاص والكادميوم” من الممكن أن يؤدي إلى كثير من صعوبات التعلم، ومن الأهمية بمكان التمييز بين المشاكل العاطفية والاجتماعية والأسرية التي هي أسباب قد تؤدي إلى ضعف القدرة على التعلم وبين تلك المشاكل التي تحدث كنتيجة لوجود إعاقات وصعوبات بالتعلم.
الأعراض والتشخيص
وتتباين صعوبات التعلم من طفل لآخر، فقد يعاني أحدهم من انخفاضٍ في مستوى التحصيل الدراسيّ في واحدة أو أكثر من المواد الأكاديميّة الأساسيّة. وقد يجمع آخر بين أكثر من اثنتين منهم، وربما يكون لدي طفل ثالث مشاكل معهم جميعًا. ولا يعتبر الطفل “القاصر قرائياً”، متخلفاً عقلياً أو غبياً، فغالبية المعُسرين قرائياً لديهم معدلات ذكاء متوسطة أو فوق المتوسطة، بل إن بعضهم قد تتعدى نسبة ذكائه المعدلات الطبيعية. لكن طريقة تعامل أدمغتهم مع المعلومات تختلف عن الآخرين، كما يتميزون عادة بأسلوب مختلف في مواجهة المشاكل وحلها، ويُذكر أن بعضاً من المشاهير قد عانوا من أعراض “الديسلكسيا” ومنهم: “ليوناردو دافنشي”، و”ونستون تشرشل”، و”بابليو بيكاسو”، و”الكسندر غراهام بل”، و”ألبرت اينشتاين”، و”محمد علي كلاي”، و”والت ديزني”، وغيرهم.
وهناك عدة مفاتيح للتعرف المبكر على الإعاقات التعليمية عند الأطفال. وكلما كان التشخيص مبكرًا، كلما تم التعامل بشكل أفضل مع الطفل، وتجنب الكثير من سوء الفهم، ففي مرحلة ما قبل المدرسة فان المفتاح الأساس هو: عدم قدرة الطفل (عند سن 3 سنوات) على استخدام اللغة في الحديث. وعدم وجود مهارات حركية مناسبة – مثل فك الأزرار وربطها وتسلق الأشياء- عند سن 5 سنوات. وعند سن المدرسة يلاحظ “تناسب” مقدرة الطالب على اكتساب المهارات المناسبة مع عمره. وتشير دراسات عربية إلى أن مشكلة الديسلكسيا، إجمالاً توجد عندما يظهر واحد أو أكثر من الأعراض الآتية:
– صعوبة في معرفة أصوات الأحرف داخل الكلمات أو حذفها أو إضافتها (مثال: يقول قطتي دون” ق”).
– خلط الحروف أو الكلمات عند القراءة، أو الكتابة، فمثلاً يقرأ/ يكتب كلمة (هل) بدلا من (له)..
– صعوبة في معرفة تشابه نهايات أصوات الكلمات (السجع مثل: قطتي صغيرة، اسمها سميرة)، أو تشابه بدايات أصوات الكلمات (الجناس الاستهلالي مثل: نادي، نائم).
– عدم القدرة على التفريق بين الأصوات المتشابهة في النطق (مثل: “ث” و “ذ” أو “س” و “ز”).
– صعوبة في معرفة قواعد التهجئة وتذكرها.
– صعوبة في فهم أو تذكر أو تكرار ما يقرأه أو ما قيل له.
– صعوبة في معرفة الاتجاهات مكتوبة أو منطوقة، ومعرفة اتجاه اليمين واليسار.
– صعوبة في طرح أفكاره على الورق.
– سوء الخط وعدم القدرة على رسم الخطوط، وعدم القدرة على الرسم عمومًا.
– قلة الاهتمام بالأنشطة الأساسية الخاصة بالقراءة والتهجئة والكتابة.
ومن الخصائص الحركيّة للأطفال: تواجد مشكلات في الحركات الكبيرة؛ كالرّكض، أو القفز، أو التقاط الأشياء، ومُشكلاتٌ في الحركات الدقيقة كاستخدام المقص أو الكتابة. أما خصائصهم الاجتماعيّة والسلوكيّة فتظهر في: عدم ضبط النفس، وتغيّراتٍ انفعاليّةٍ سريعةٍ، وانسحاب اجتماعيُّ، وسلوكياتٍ غير سوية. ويتم تشخيص حالة الطفل تحت إشراف الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، ويشمل الفحص الطبي عمل فحص للجهاز العصبي وكذلك قياس مستوى الذكاء للحكم على قدرته الذهنية، وكذلك تستخدم الاختبارات النفسية الأخرى لتقييم مستوى الإدراك والمعرفة والذاكرة والقدرات اللغوية، واختبار النظر (لتحديد ما إذا كان ضعف النظر هو سبب هذه المشكلة)، اختبار السمع (يحدد مدى القدرة على سماع الآخرين)، واختبار النطق (يقيس قدرة نطق الحروف والكلمات بصورة صحيحة)، واختبار المهارات الحركية (لمعرفة مدى القدرة على تحريك العضلات الصغيرة مثل الأصابع، والعضلات الكبيرة مثل الساقين والذراعين). وتشمل الاختبارات أيضا مراجعة سجلات الطفل المدرسية ومتابعة تصرفاته في المدرسة وتعاملاته في مع زملائه ومعلميه، ويمكن أن يقوم بهذه الملاحظات المعلمون أو الأخصائيون الاجتماعيون. كما يحتاج إلى الفحص الطبي المتخصص وذلك للوقوف على وجود مشاكل صحية أو نفسية مثل الاكتئاب أو القلق والتي من الممكن أن تؤثر على مدى قدرة الطفل على التعلم.
ما العلاج؟
هناك عدة طرق تساعد الطفل على التغلب على مصاعب التعلم، ويتوقف الأمر على شدة الحالة ووقت تشخيصها الباكر عبر برامج مسح لطلاب المرحلة التمهيدية (ما قبل المدرسة) وإعطاء الخدمات المساندة (في المنزل أو المدرسة أو المركز) يساعد على اكتساب مهارات للتغلب عليها.
– توفير مساندة عاطفية من قبل جميع أفراد الأسرة، وعدم مقارنته بأقرانه في محيط العائلة، وتفهم حالته ورفع ثقته بنفسه، وكذلك توفير اختصاصي علم نفس في مدارس الأطفال يهتم بمقاربة الضغوط والإحساس بالفشل والإحباط التي يمر بها هؤلاء الأطفال.
– التوجه للمراكز المختصة حيث الخبراء في مجالات صعوبات التعلم، ولديهم استراتيجيات طرق التدريس اللازمة، فهناك العديد من المناهج التعليمية والإستراتيجيات الهادفة إلى: “تعليم الطفل استعمال جميع حواسه”، و”التعلم المنظم وإعطاء المعلومات بجرعات صغيرة”، و”التعلم التراكمي وبناء المهارات تدريجيا”، و”التعلم الشامل حيث المراجعة المتكررة، والتمكن من استخدام الحروف والأصوات الصحيحة والقواعد تلقائيا”، و”التعلم النشيط وعرض الدرس بأنشطة قصيرة ومتنوعة وشائقة”، و”التعليم بالصوتيات، حيث يتم التركيز على الأصوات التي تمثل الحروف بدلا عن الحروف ذاتها”.
– معظم الأطفال يستفيدون من التدريس الذي من سماته أنه:
1- يؤكد على العلاقة بين أصوات الكلام وقواعده، وحروف الكتابة تأكيداً صريحاً.
2- يسمح بالمراجعة والوقت الكافي للممارسة العملية والمساعدة على نطق الكلمات وقراءتها قراءة دقيقة، وإتمام المهام الخاصة بالتهجئة والكتابة.
3- يعتمد على تجزئة المهام المطالب بها الطفل إلى أجزاء صغيرة ومرتبة يسهل فهمها وحفظها والتعامل معها.
4- يستخدم الوسائط التي تعتمد على الحواس المتعددة مثل: الحواس البصرية والسمعية والحركية واللمس، لتعزيز المعلومة.
5- تهيئة المكان المناسب لدراستهم ويتكيف مع وضعهم، ويوفر لهم كتباً ووسائط تعليمية شائقة تتدرج مستوياتها حسب أعمارهم، ومراحلهم الدراسية.
وخلاصة القول: نحن أمة” أقرأ”، و”أمة المعرفة” على شتي صورها، وأمة “العقل المدرك” المتتبع للأوامر والسُـنن الكونية، وأمة “العقل المتأمل” المُختص بتقليب الأمور على وجوهها للحكم الواعي عليها واستخلاص النتائج منها، وأمة “العقل الرشيد” أعلى درجات العقل الإنساني، لكونه يستوفى ما سبقه من أنواع العقل. هذه الأمة قد أمرها ربها سبحانه وتعالي ورسولها الكريم، صلي الله عليه وسلم، بالقراءة، والتعلم، والتفكر، والتدبر، والتعقل، والعلم، والعمل. وبداية القراءة والتعلم هو منذ نعومة أظفار أطفالنا. لكن ليس كل الأطفال على هذه الشاكلة السوية، فكثيرون يواجهون “مصاعب/ إعاقات/ اضطرابات في التعلم” مقارنة بزملائهم في نفس العمر/ الصف الدراسي. مما يجعلهم “غير قادرين” على تحصيل المهارات الأساسية، وتسبب لهم متاعب جمة في حاضرهم ومستقبلهم. لذا وجب فهم هذا الصعوبات، ومظاهرها، وكيفية تشخيصها وعلاجها. ويبقي سؤال: لماذا ليس كل الأطفال “أسوياء”؟. ولعل الحكمة من وراء خرق سنن إنجاب أطفال أسوياء” دلالة على طلاقة قدرته تعالى، وعدم “ميكانيكية” الكون. “فالكون لا يسير وحده، ولا يقوم بذاته فيستغني عن إله” كما يدعي الماديون الملحدون. بل إن الله تعالى بقيوميته يفعل ما يشاء بقوله “كن فيكون”. فكل البشر تناسلوا من زوجين، إلا آدم وحواء وعيسى بن مريم عليهم السلام. وقد يجتمع الزوجان فلا ينجبان ولا يتناسلان، وقد يتم إنجاب أطفال ذوي احتياجات خاصة وصعوبات في التعلم الخ.