هكذا يطلق على تلك المدينه التي تقف شاهدة بمبانيها ومنشاتها ومساجدها التاريخية تحكي لنا حكايات مجدٍ عن عظمة الحضارة الإسلامية.
إنها مدينه القصر الإسلامية حيث الجمال والهدوء والبيئة النظيفة والآبار الاستشفائية التي تجذب أعيان الزائرين والسياح. تقع مدينه القصر الإسلامية بالطرف الشمالي الغربي من مدينة موط عاصمة الواحات الداخلة على بعد 35كم بمحافظه الوادي الجديد. وتسميت هذه المدينه بالقصر يرجع لبناء منازلها على تل مرتفع بالنسبه لبلدان الواحات المجاورة، وتعتبر هذه البلده نقطة التقاء دروب كثيره خاصة القادمون من بلاد المغرب العربي للوصول إلى الأراضي الحجازية، مما جعلها مركزًا للتبادل التجاري وانتقال الحرف.
ذكرت مدينه القصر الإسلامية في المصادر التاريخيه القديمه ولعل أقدم ذكر لها ضمن بلدان هذه الواحه تسميتها باسم “حيز العصر” ولم يرد ذكر للواحات إلا وكانت القصر في مقدمة بلدانها، لما لها من شهرة كبيرة في العصر الإسلامي، فقد كانت مقرًا للأمراء في العصر العثماني ويؤكد ذلك النصوص الإنشائيه، إلا أن نشأه القصر يرجع إلى ما قبل العصر الإسلامي الأمر الذي يؤكده وجود بقايا معابد فرعونيه، واستخدام الأحجار الفرعونيه في كثير من المباني الحديثه.
وتعد المدينه مثالاً على روعة وجمال الأسلوب في البناء والتشيد حيث البساطه في البناء واتباع تخطيط المدن الإسلامية في ذلك الحين واستخدام مواد بناء كالطمي وقش الأرز وذلك لتوافر هذه المواد النباتيه نظرًا لطبيعه الأرض الزراعية الخصبة، وأثّر ذلك بالطبع على مناخ المدينه حيث إن استخدام الطوب اللبن في البناء، يمنع دخول الحرارة للداخل بالمقارنه بالأبنيه التي بنيت بالحجاره أو الأسمنت فقد كانت درجه الحرارة داخل مبان مدينه القصر الإسلامية أقل بحوالي 13 درجه مئويه عن الخارج.
للمدينه تخطيط معماري رائع فقد تم تقسيمها إلى خطط سكنتها القبائل وأخذت كل قبيله خطة وكانت بمثابه دولة صغيرة قسمت من الداخل إلى شوارع وحارات ودروب وأزقه وقد اتخذت الحارات والدروب اسمها من أسماء الحرف الصناعيه المنتشره في الشارع أو الحاره مثل حاره النجارين والحدادين وصناع الفخار ومن أشهر القبائل (قبيله القرشيه، قبيله الديناريه ، قبيله الاشراف ،خلف الله).
وكان للدين الإسلامي أثر في تخطيط المدينه وبيوتها من حيث احتواء الدار على مدخلين وليس مدخل واحد، مدخل يؤدي إلى السلاملك (قسم الرجال) ومدخل خاص بأهل الدار خاصه النساء ويعرف بالحرملك، وذلك حرصًا على الخصوصية داخل الدار، وكان يراعي أن تكون كل البيوت في مستوى وارتفاع واحد حتى لا يكشف أحد جاره الذي يسكن أمامه، أيضًا على أعتاب الأبواب توجد نصوص انشائية ذات خاصية دينية واجتماعيه وتتضمن هذه النصوص البسمله والأيات القرآنيه وعبارات دعائية وعبارات ترحيب بالقادمين.
فقد تمسك الأهالي بالقصر بتعاليم الإسلام، ومن ثم فإن أثر الدين في تخطيط الدار يوضح أن الدين الإسلامي قد ساهم في صياغة الدار بكامل وحداتها سواء كان ذلك في مسقطها الأفقي أو الرأسي أو بمعني آخر ما اشتملت عليه الدار من وحدات وما اشتملت عليه الواجهات والحوائط من فتحات، وفي إطار تأكيد غرض الخصوصية وستر أهل الدار من أعين الماره كانت أبواب الدور غير متقابلة “منكبه” وكذلك اتخاذ السترة أعلي سطوح الدور بدافع الستر، حيث تساهم في عدم رؤية من بأعلي الدار نظرًا لشروط إقامتها والتي كان لابد أن تكون أعلى من قامه الإنسان بحيث تمنع من الرؤيه ومن عناصر الدور، أيضا التي تعبر عن كرم وحسن ضيافه أهالي مدينه القصر الاهتمام بوجود مضيفه داخل الدور وأحيانا تحتوي الدار على أكثر من مضيفه وهذا يدل على التأثر بتعاليم الإسلام أيضا فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: “ليله الضيف حق واجب على من كان مسلمًا فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه إن شاء اقتضى وإن شاء ترك”. صدق رسول الله صدق الله عليه وسلم.
أيضًا الحجرات التي تعلو الطريق وتعرف بالساباط حيث إنها اتخذت أعلى السقيفة التي تظلل الطريق فيعتبر الساباط سقف للشارع، وأيضا برج للمراقبه لكشف الداخل للحاره ويشير عنصر الساباط إلى الترابط بين أهالي البلده والمشاركة بينهم فهذه السقيفة التي تعلوها حجرة تخص إحدى الدارين المتقابلين وذلك بتحمل البراطيم الخشبيه على جدران المنزل المقابل وذلك يعتبر مشاركة ومساهمة من الجار لجاره وفي ذلك عملاً بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم: “لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تحتوي أيضا مدينة القصر على أربع جوامع أبرزهم جامع نصر الله والذي يحتوى على ضريحه يشتمل المسجد على مأذنة يبلغ ارتفاعها حوالي 21 متر ولا تزال المأذنة محتفظة بمعالمها المعمارية.
يغلب على جوامع المدينة البساطة حيث إن ساحه الصلاه لم تكن سوى مساحة ذات مسقط مستطيل يعلوها سقف من خشب النخيل وجريده يرتكز على ممرات خشبية من جزوع النخيل وفروع الشجر.
تحتوي البلدة أيضًا على مبنى المحكمة القديمة وهي مزودة بصحن واسع ومكان للقاضي، ويقال إنها من بقايا العصر العثماني والمملوكي وكان بها غرفتان كسجن للمجرمين.
كما انتشرت الحوانيت -المحلات التجاريه- بمدينه القصر الإسلاميه، وانتشرت هذه النوعيه من المنشآت داخل المستوطن نظرًا لعدم وجود سوق أو مكان خاص به في بلده القصر، ولكنها خططت بحيث لا تتقابل مع مداخل الدور بما يحقق عدم جرح الخصوصية للمنازل المقابلة، واتخذت بعض منها مكانًا متجاورًا حيث يساعد ذلك على منع ضرر الكشف عن السكان بشكل أكبر من وجودها متفرقة ومنشرة في انحاء المستوطن.