لقد كان الشيخ والواعظ التركي فتح الله كولن، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وفاق في الماضي ولكن اليوم، يتهم الرئيس أردوغان الشيخ فتح الله كولن بأنه العقل المدبر لمحاولة انقلاب 15 يوليو 2016 الفاشلة، في الوقت الذي يعيش فيه كولن منفيًّا في الولايات المتحدة الأمريكية.
سنجري الحوار مع من يعتبره نظام أردوغان العدو الأول له، إن فتح الله كولن يعيش منذ سنوات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد أجرينا هذا الحوار معه في مقر إقامته في ولاية بنسلفانيا المحاط بحراسة أمنية خاصة.
فتح الله كولن يناهز الثمانين من العمر، وتبدو حالته الصحية غير مستقرة، ورغم ذلك فإن الحكومة التركية تعتبره “خطرًا” عليها، وتطالب -باستمرار- حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لكي تعيده إلى تركيا، ولا تزال هذه الطلبات المستمرة تقابل بالرفض حتى يومنا هذا، وفي المقابل فإن فتح الله كولن ينفي جملة وتفصيلاً كل التهم التي توجهها إليه الحكومة التركية بأنه وراء محاولة انقلاب 15 يوليو 2016 الفاشلة.
سؤال: لماذا يكرهك أردوغان إلى هذا الحد؟ ألم تكونا على وفاق لفترة من الزمن؟
الجواب: لم تكن حركة الخدمة على علاقة مقربة من أردوغان في أي وقت مضى، القضية أن أردوغان أظهر في فترة من الفترات وقوفه إلى جانب الديمقراطية، وهذا ما نتبناه فكرًا، ومن ثم كنا ندافع عن نفس القضية، فبدا وكأننا حليفان.
لكن أردوغان أظهر وجهًا آخر بعيدا كل البعد عن القيم الديمقراطية، وذلك بعدما دانت له كل مقاليد السلطة في البلاد. وبالطبع لا يمكن لحركة الخدمة بمدارسها ومناهجها وأسلوبها أن تتفق مع هذه السياسات التسلطية لأردوغان، ففي قضية الأكراد مثلا، كنا نرى أن المواطنين الأكراد لهم الحق في تعلم لغتهم واستخدامها جنبا إلى جنب مع اللغة التركية. إن الرئيس أردوغان يتخذني عدوا له، لكنني لم أنظر إليه قط نظرة عداوة، لقد كنت أرجو منه فقط أن يفي بوعوده
التي قطعها على نفسه أمام الشعب التركي. إن العدو الحقيقي لأردوغان هو نفسه، لأنه يرى نفسه أذكى أهل الأرض، بينما ما يحركه في الحقيقة هي مشاعر الكراهية والحقد والانتقام. والدليل على ذلك أن نظام أردوغان رغم سقوطه في حالة الشعور بالعظمة يطارد شقيقتي العجوز لمجرد أنها تحمل لقبي، مما يجعلها تقضي بقية عمرها في حالة هروب، ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل يعتقلون كل من يحمل لقبي كذلك.
سؤال: لو أننا فهمناكم بصورة صحيحة، فهل يعني ذلك أن لُب الخلاف بينكما يدور حول المسألة الكردية؟
الجواب: إن رؤى أردوغان للعالم تتباين عن رؤيتنا تمامًا، لقد عولجت المسألة الكردية بصورة جزئية في نهاية عهد الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال؛ حيث كانت الحكومة تضم الأكراد، والديمقراطيين الاجتماعيين، ومختلف الأحزاب والتوجهات السياسية.
إننا ندعم الحرية بقوة، ونرى أنها لازمة وضرورية، ومن الضروري كذلك أن تكون اللغة الكردية في المدارس حرة، وأن يتمكن الأكراد من استخدامها. في رأيي أن بلادنا في حاجة إلى حكومة ليست مركزية، ولو عقد استفتاء مستقبلاً حول الدستور التركي، فسأقترح أن يضمن الدستور الحريات، وأعتقد أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يُتخذ أساسًا في هذا الباب.
سؤال: هل يمكن أن تحدثنا عن مفهوم الحرية في نظركم؟ يرى أردوغان أن المرأة مكانها المطبخ، فهل هذه الفكرة كانت من بين الأفكار التي وسعت هوة الخلاف بينكما؟
الجواب: شخصيًّا أنا ضد النموذج الذكوري المتسلط، لأنه يمثل تراجعًا عن الإسلام في تاريخه الأول، وأرى أنه ينبغي أن يكون للمرأة دور في كل قطاعات المجتمع، ولو كان لدى أي امرأة رغبة بأن تكون طبيبة أو قائدة طائرة أو أيا ما تكون، فلابد ألا يكون هناك عائق أمام تلك الرغبة.
سؤال: لدى أردوغان رغبة في أن يتبوأ مكانًا على الساحة الدولية، ففي نهاية عام 2019 حقق ذلك من خلال التدخل العسكري في سوريا، فكيف تفسرون الأمر؟
الجواب: إن مسألة التدخل التركي العسكري في سوريا، لم تكن سوى محاولة لصرف أنظار الشعب في تركيا عن المشاكل الداخلية المتفاقمة يوما بعد يوم، بالإضافة إلى أن هذا التدخل أتاح له الفرصة ليظهر بمظهر الرجل القوي في العالم الإسلامي.
ولكننا نرى بوضوح ما أسفرت عنه الأوضاع في سوريا، لقد أصبح أردوغان قاتلاً بسبب دعمه لتحرك وتدخل خيالي وغير موضوعي، ويقع على عاتق أردوغان مسؤولية كبيرة لما آلت إليه الأحداث من مئات القتلى وملايين اللاجئين وحوادث تُدخل الرعب في النفوس. إن يد أردوغان ملطخة بالدماء بصورة كبيرة. لقد سألني أحد رؤساء تركيا السابقين عن المخرج والحل للمشكلة السورية، قبل تفاقمها، وقد أجبت حينها بأنه لابد من وضع خارطة طريق يتم من خلالها السير خطوة خطوة نحو الديمقراطية، ففي سوريا كان يجب السير بخطوات متأنية نحو الديمقراطية. قد يأخذ هذا مرحلة زمنية بطبيعة الحال، وكان يمكن للرئيس بشار الأسد أن يظل رئيسًا فترة أو فترتين وفقا لهذه الخارطة.
وكان من رأيي أيضا أنه ينبغي خلال هذه الفترة العمل على تمثيل كل الطوائف والاتجاهات الاجتماعية المختلفة داخل البرلمان السوري تمثيلا حقيقيا. ولكنهم لم يستمعوا آنذاك إلى توصيات أحد ولم يعتدوا بأي آراء.
سؤال: هل أخطأ أردوغان بتدخله في المسألة الليبية؟
الجواب: لقد كانت ليبيا تعاني -لفترات من الزمن- بعض المشاكل بين مناطقها المختلفة، وبتدخل أردوغان ومساعدته إحدى المجموعات على حساب الأخرى لعب دورًا سلبيا ستكون له عواقب سيئة.
سؤال: أردوغان لديه رغبة ملحة في أن ينظر إليه على أنه قائد للمجتمعات الإسلامية، ولكنه يقوم بتدخلات تزيد من حدة الصراع في الدول ذات الأغلبية السنية، فكيف لشخص لديه هذه الرغبة أن يقوم بمثل بهذه التصرفات؟
الجواب: كلما مر الوقت غرق أردوغان أكثر وأكثر في تناقضاته، وكما رأينا هتلر وستالين، فكل الطغاة النرجسيين من أمثالهم نهايتهم تكون سيئة، حيث لم تنتج فترات حكمهم سوى الغضب والكراهية، وأظنه سيشاركهم نفس المصير.
سؤال: أردوغان يضغط على الغرب دائما عبر تهديدهم بتركه حلف الناتو، فهل تظن أنه سيفعل ذلك فعلا؟
الجواب: أردوغان لا يستطيع أن يتخلى عن الغرب، أما محاولته التقرب من حلف روسيا وشنغهاي، فهي محاولة ليست جدية، بل هي مناورة، ومحاولة ابتزاز للغرب ليس إلا، وفي الوقت نفسه يحاول أن يظهر أمام نفسه وأمام مؤيديه بمظهر الواثق من نفسه. إن تركيا عضو في حلف الناتو، ورأيي الشخصي أنها يجب أن تظل عضوا في هذا الحلف، وأن تقوي علاقتها بالاتحاد الأوروبي.
سؤال: يبدو أن تركيا لا تفكر في الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن هذه المسألة ليست على أجندة الحكومة التركية الحالية اليوم، فهل أنت آسف لذلك؟
الجواب: في الوقت الراهن، كيف يمكن لحكومة استبدادية شمولية أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي؟ لا أرى إمكانية حدوث ذلك اليوم، ولا يجب انتظار الكثير ممن يعتمدون على القوة في سياستهم، وممن تحركهم مشاعر الانتقام من المختلفين معهم في الرأي، ويكرسون كل السلطات في أيديهم.
لقد فقدت كل من فرنسا وألمانيا الأمل في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي جراء هذه السياسات، حيث لم يعد هناك منطق معقول لقبول تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وهي على هذا الوضع. إن حركة الخدمة كانت وما زالت تدعم وتؤيد بشدة الاقتراب أكثر من الاتحاد الأوروبي، فلدى الاتحاد الأوروبي الكثير مما نحتاج أن نتعلمه ونستفيد من خبرات دُوله الأعضاء فيه.
سؤال: يبدو أن أردوغان يتقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين، فما تعليقك؟
الجواب: أردوغان مكيافيلي، واقترابه إلى أي جماعة أو فصيل لا يقوم على مبدأ بل على مصلحة يريدها. ولو انخفض دعمهم له أو فقدوا تأثيرهم فسيتركهم مباشرة ويبتعد عنهم.
سؤال: ما الدور الذي يمكن أن تقوم به الخدمة في المستقبل؟
الجواب: الخدمة في المستقبل ستستمر في عملها باعتبارها وقفًا يحتضن الإنسانية جمعاء. فهذه هي غايتنا الأولى، ولكن مع الأسف تمر الخدمة -اليوم- بمرحلة عصيبة، فنحن مجموعة صغيرة، ولكن برغم هذا نسعى بدأب للدفاع عن التناغم المجتمعي، وتعزيز الاحترام المتبادل، والحفاظ على قيمة التنوع والاختلاف، وسنستمر في أداء هذه المهمة.
إنني أومن بأن القيم الإنسانية العالمية المشتركة ستجمعنا رغم اختلاف الأديان، لقد خضعت للعلاج بأحد المشافي بالولايات المتحدة الأمريكية، ورأيت هناك كيف يتعامل الأطباء والممرضون، اليهود منهم والمسيحيون معي كمسلم باحترام. والله سبحانه وتعالى يعامل عباده وفقا لمعاملاتهم وسلوكياتهم وليس وفقًا لصورهم وأشكالهم.