ترتبط صورة الاختراع والابتكار دائمًا بالرجال، ولا يدور بخلد أو فكر كثير من الناس، أن المرأة يمكن أن تكون مبتكرة أو مخترعة في مجال العلوم والتقنية، ولعل هذه الصورة النمطية التقليدية، جعلت كثيرًا من الناس على مدى أجيال متعاقبة يعتقدون أن عالم الاختراع هو مهمة الرجل دائمًا، وليس للمرأة دور يذكر في ذلك، لكن سرعان ما يزول هذا الاعتقاد، عندما نعلم أن هناك نساء مخترعات قدمن مساهمات فاعلة في مسيرة البناء والتطوير الحضاري في مختلف نواحي الحياة، وحركة التاريخ تشهد بأن هناك انجازات علمية هامة للنساء، وأن هناك العديد من المخترعات العلمية التي نجنى ثمارها الآن، كان الفضل في اختراعها للنساء، هذا ما سوف نتعرف عليه عبر هذه السطور.
مخترعات عالميات
بداية نتوقف مع أهم المخترعات العالميات اللواتي قدمن انجازات عالمية بارزة، قادت البشرية إلى مزيد من التقدم في هذا العصر، وتأتي في مقدمة هؤلاء العالمة “أليس باركر” التي قامت باختراع نظام التدفئة المركزية، حيث حصلت على براءة هذا الاختراع عام 1919م وقد أنهى اختراعها هذا على استخدام الحطب والفحم في المنازل للتدفئة، حيث أن هذا النظام الذي اخترعته باركر للتدفئة قادر على تنظيم درجة حرارة المبنى من غرفة إلى غرفة، وهو ما يعرف اليوم بنظام التدفئة المركزي.
عالمة الفيزياء “ماريا تيلكس” التي اخترعت نظام التدفئة الشمسية المنزلية، وعملت على بناء أول نظام طاقة شمسية للمنازل وذلك عام 1947م، أما عالمة الرياضيات “أدلوفلايس” والتى تعد أول مبرمج حاسوب في التاريخ، وأطلق عليها لقب خوارزمية الحاسوب، حيث عملت مع “تشارلز لزيدج” في جامعة لندن على مشروع المحرك التحليلي الذى يعد من أوائل الحواسيب الميكانيكية، وهو ما جعلها تتوصل إلى خوارزمية حاسوبية بعد جهود طويلة، وعالمة الفيزياء النظرية “شيرلي جاكسون”، التي يرجع الفضل إليها في إنشاء مفاهيم الاتصالات السلكية واللاسلكية، حيث عملت في مختبرات بيل، وأجرت تجارب ناجحة جعلها تتوصل إلى اختراع الفاكس المحمول، والخلايا الشمسية، وكوابل الألياف البصرية، أما العالمة “غريس هوبرأم”، فلا ينكر دورها في اختراع لغة البرمجة، ووضع أسسها حتى لقبت بأم الكمبيوتر.
اخترعت عالمة الفيزياء “ماريا تيلكس” نظام التدفئة الشمسية المنزلية، وعملت على بناء أول نظام طاقة شمسية للمنازل.
إذا ما تتبعنا إنجازات المرأة في مجال الاختراعات العلمية تقابلنا العالمة “ستيفاني كوليك”، التي يرجع الفضل إليها في اكتشاف مادة (Kevlar) التي تعد أقوى من مادة الفولاذ بخمس مرات، وقد قادها هذا الاكتشاف إلى اختراع سترة واقية من الرصاص، وذلك عام 1966م وقد ساهم اختراعها هذا في إنقاذ الملايين من رجال الأمن حول العالم، كما استخدمت ستيفاني بعد ذلك المادة التي اكتشفتها في عدد من الصناعات الهامة، مثل كابلات الجسور المعلقة، والخوذ والفرامل والزلاجات، ومعدات التخييم، وقد حازت ستيفاني عبر مشوارها العلمي على 28 براءة اختراع، خلال 40 عامًا من البحث العلمي المتواصل، حيث تعتبر من أهم الأدمغة العلمية في العالم، أما العالمة “هيدي لإمار” التي وضعت مجلة تايم صورتها على غلافها في منتصف الخمسينيات، تحت عنوان “أجمل امرأة في العالم” وتحتفل ثلاث دول في العالم هي النمسا والمانيا وسويسرا، بيوم ميلادها ليكون يوم المخترع، تكريمًا لإنجازها العلمي الكبير ،الذى لولاه لما كان هناك شيء اسمه ” بلوتوث، أو واي فاي، أو موبايل، فقد نجحت هيدي لإمار بداية في تطوير نظام اتصالات اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية وقتها، سلاحًا سريًّا ساعدها أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد نهاية الحرب استمر تطوير تقنية هيدي، لتصبح أساس طفرة الاتصالات الحديثة التي يعيشها عالم اليوم، كالموبايل، والواي فاي، والجي بي إس، ونظم اتصال الأقمار الصناعية، أما الطيبة باكربسيا باث، فتعد أول طبيه من أصل أفريقي، تسجل براءة اختراع في مجال طبى، وكان ذلك عام 1988، حيث طورت الليزر لاستخدامه في إزالة إعتام عدسة العين جراحيًّا، مما أعاد البصر للعديد من المصابين بهذا المرض، كما ساهمت في جعل أداة الليزر الطبية الإجراء الأكثر دقة للجراحة، كما أن لديها 5 براءات اختراع، كلها متعلقة بتطوير الليزر في العلميات الجراحية.
مخترعات عربيات
ولنترك عالم المخترعات الغربيات، إلى عالم المخترعات العربيات، فبالرغم من القيود والعقبات التي وضعت في طريق المرأة العربية، في فترة ما من فترات التاريخ، فإن ذلك الأمر لم يثنى العديد منهن من الدخول إلى مجال العلوم والاختراعات العلمية، التي وصلت بالمرأة العربية إلى العالمية، وأصبحت من الرائدات اللواتي لهن بصمات واضحة في تغيير وجه العالم إلى الأفضل، بداية من العالمة “سميره موسى” التي تعد أول عالمة ذره عربية، والتى لقبت باسم “ميس كورى الشرق” وتمثل إنجازها العلمي الكبير في اكتشاف انشطار ذرات المعادن الرخيصة، كالنحاس وصناعة القنبلة الذرية من مواد بسيطة، كما أنصبت اهتماماتها العلمية، على الاستخدام السلمى للطاقة النووية، في علاج السرطان بالذرة، وأيضًا الدكتورة “حياة سندي”، التي أبدعت في مجال التكنولوجيا الحيوية، وتعد أول امرأة عربية، تحصل على الدكتوراه في مجال التقنية الحيوية، من جامعة كامبريدج، كما حصلت على لقب المستكشفة الصاعدة، من مؤسسة ” ناشيونال جيوغرافيك” لعام 2011، كما وقع عليها الاختيار من قبل مؤسسة ” Teach Pop” ضمن أفضل 15 عالم متوقع منهم تغيير نمط الحياة على وجه الأرض، من خلال اختراعاتهم وأبحاثهم العلمية في مختلف المجالات، فقد ابتكرت العديد من التطبيقات في مجال الصناعات الدوائية، والفحوصات الجينية، وأمراض الهندسة الوراثية، وقامت باختراع مجسًا للموجات المغناطسية، بإمكانه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان، أما المهندسة “ليلى عبد المنعم”، فقد لقبت بأم المخترعين، بعدما قفز عدد اختراعاتها إلى نحو 100 اختراع، كما تعد أول امرأة عربية تستحق وسام الاستحقاق من مؤتمر جلوبال، الذى يعقد سنويًّا في العاصمة البريطانية لندن في مجال الاختراعات الحديثة في عدة تخصصات مهمة، ومن أهم اختراعاتها العلمية، تصميم بحيرة اصطناعية تستخدم كقاعدة لإطلاق صواريخ فضائية، كما نجحت في ابتكار سيارة مضادة للانفجار، واختراع حوائط التيومين “الحديد المنصهر” المقاومة للزلازل والصواريخ والصالحة لكل الأبنية المختلفة، كما اخترعت جهاز قياس إجهاد القلب رياضيًّا،
ساهمت عالمة الفلك والفيزياء السورية “شادية رفاعي حبال” في إعداد أول رحلة لمركبة فضائية إلى الهالة الشمسية
تعد عالمة الفلك المغربية “مريم شديد” أول امرأة تصل للقطب الجنوبي، ومن أهم اختراعاتها العلمية عمل منظار فضائي، يهدف إلى قياس إشعاع النجوم للقطب المتجمد الجنوبي، والدكتورة “إلهام القرضاوي”، أستاذ الفيزياء النووية، والتى تعمل على أبحاث البوزيترون منذ سنوات في علم دراسة المواد، وقامت بتصميم أول جهاز شعاع بوزيتزونى في منطقة الشرق الأوسط، وأيضًا عالمة الفلك والفيزياء السورية “شادية رفاعي حبال”، التي ساهمت في إعداد أول رحلة لمركبة فضائية إلى الهالة الشمسية، وفى تصميم كائنات آلية للاستكشافات الفضائية، وتتمحور اختراعاتها وأبحاثها التي أثارت ضجة علمية، حول استكشاف مصدر الرياح الشمسية، حيث يعتبر من الأبحاث النووية، التي من المتوقع لها أن تحدث تغيرًا كبيرًا في هذا الكون.
وفى النهاية رأينا من خلال هذه النماذج التي قدمناها، أن المرأة ليست بأقل من الرجل في القدرة على الاختراع والابتكار، بل هي قادرة على الإبداع العلمي، إذا ما أتيحت لها الفرصة، والمناخ المناسب لذلك فهي قادرة على الإسهام في كافة المجلات العلمية والتقنية بما يتناسب مع دورها وطبيعتها في الحياة وفى المجتمع من أجل عالم أروع ومستقبل أفضل يتقاسم إنجازاته الرجل والمرأة معًا.