يا أيها الإنسان المترنح بين رجات عالمك الدنيوي عالم المنصب والمظاهر، أما آن لك أن تبحث عن أمارات الفجر حواليك، قاصدًا عالمك الذي سترتاح إليه وستلقى فيه حقيقتك الخالدة؟ أم أنك تتأبى على نفسك أن تنعم بالحرية والانعتاق، فلا أنت تحظى بالعيش ولا روحك تتملك الغد السعيد الذي لطالما تاقت وتشوقت إليه دواخلك؟ يكفيك ضنكًا أيها المسكين وفقر روح يكفيك.. اسمع لقول ربك عز اسمه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً منْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:268). لا تخاصم أحلامك، ولا تظلم معك روحك العلوية المشتتة بين مخالفة الطبع وهجران الفطرة الإلهية، والحياد عن غمام وزخات الإلهام والمحبة، وبين الانحناء في ذل وهوان فظيعين لنير عبودية اللحظة والعزوف عن الحق، عوض تلقي نفحات البقاء والخلد، كي تحفظ شباب روحك مهما هرمت من حولك دنياك.
أيها الإنسان النازف الروح، المتعثر بتلابيب ذنوبه وأوهامه، المنكسر الأحلام.. أما آن لك أن تلملم جرة روحك المشروخة، وترتد عن زمن الهرج والفتن، وتلوي في استحياء وخضوع إلى حقيقتك فتقيم صرح الروح من جديد، ولتستعيد روحك اللدنية والسماوية عذوبتها ونضارتها الأزلية، ولتقترب من خالقك ومولاك مرة أخرى؟ وانظر لقول ربك جل شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186)، فتكسب معركة الإيمان والعزم كما كسبها أولو العزم قبلك، فتبني للنور والضياء والعرفان قلعة أمان، قلعة تحتضن في أبراجها حيارى العالم مكفكفًا بيدك الحانية دمعات الحزن، وبمنديل الصفاء والطهر تمسح عن وجه البشرية قذاء الفلسفات العاجزة.
وليهتف حينئذ باسمك الحاضر والمستقبل: فالأرض مهما طالت واستطالت سِنُون العار والخيانة عليها، لا بد أن يرثها عباد الله الصالحون. إنها سنته تعالى في أرضه للعالمين.. وتأمل قول ذي الجمال والجلال: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً)(فاطر:43). لقد كتب عليك أيها الإنسان الصالح لتنال شرف الخيرية والخلود، أن تحمل لواء الرحمة الربانية للناس وسط دياجير هذا الليل المظلم، لتنتزع بلطف من القلوب الجريحة المنكسرة أمارات البؤس والغربة والوحشة التي زرعتها أيادي الشقاء والانحطاط، وتبتغي لأرواح المنكسرين سلالم تصلهم بأسباب السماء، فقد سئمت أرواحهم لبثها عند مشارف الأرض، واسمع لقوله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(إبراهيم:1).
(*) كاتبة وأديبة / المغرب.