صاحب فكرة أكل الحشرات في العصر الحديث، هو عالم الحشرات فنسنت إم. هولت الذي نشر كتابه الشهير الوحيد، “لماذا لا نأكل الحشرات؟” عام 1885 والذي يعد الوثيقة التأسيسية لحركة تناول الحشرات، فقد اقترح هولت استخدام الحشرات كمكمل غذائي في وجبات الطبقات الفقيرة العاملة، كتب: “وأثق أننا عندما نكتشف كم هي مفيدة سوف نقرر يوما ما أن نطهوها ونأكلها بسعادة”. ربما يكون ذلك اليوم الذي تحدث عنه هولت أصبح قريبا.
يتناول الحشرات أكثر من ربع سكان العالم، ويبلغ عدد الأجناس القابلة للأكل 2000 تقريبًا، ووفقًا لتقرير صدر عام 2013 عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن الخنافس تعد أكثر الأجناس شيوعًا في الاستهلاك، فهي تمثل 31 % من جملة الحشرات المطلوبة، يليها اليرقات بنسبة 18%، والنمل والنحل والدبابير بنسبة 15%، والصراصير والجنادب والجراد بنسبة 13%، أما الأنواع الأخرى مثل اليعاسيب والذباب والنمل الأبيض فتمثل 23%.
وقد نشر تقرير عام 2014م بعنوان “حشرات مغذية” في مجلة ناشيونال جيوجرافيك جاء فيه: التهام الحشرات أمر شائع في العديد من البلدان المدارية، حيث تشكل بديلاً مناسبًا للحوم، فالخنافس والصراصير على سبيل المثال تحتوي على مواد مغذية، وتوفر البروتين بثمن منخفض.
والحشرات مصدر فعال للبروتين، فالحشرات القابلة للأكل توفر بديلاً مستدامًا للحوم، فهي مصدر غذائي صحي، يحتوي على نسبة مرتفعة من البروتين والدهون، لكن تختلف قيمتها الغذائية حسب أجناسها، فنسبة البروتين والدهون الموجودة في الصراصير مماثلة لتلك الموجودة في معظم أنواع اللحوم. غني عن القول أخيرًا، أن الحشرات هي طعام فاخر في دولة مثل أوغندا، حيث يزيد سعر الكيلوجرام الواحد من حشرة الجندب عن مثيله من اللحم بنسبة 40%، وفي الصين واليابان تتربع الحشرات على قمة قوائم طعام كافة الطبقات الاجتماعية.
الحشرات… الطبق المستقبلي الأكثر شهية وفائدة
صدر تقرير عن منظمة الأمم المتحدة عام 2013 مكون من مائتي صفحة عن الحشرات الصالحة للأكل، جاء فيه: يوجد نحو ملياري شخص في 162 دولة يأكلون الحشرات بانتظام ضمن وجباتهم. وفي تايوان، تضم قوائم المأكولات في المطاعم العصرية أصنافًا مثل الصراصير المقلية قليًا خفيفًا واليسروع المطبوخ والأرز مع النمل المقلي والعقارب المقلية جيدًا مع الفلفل. وتبيع سلسلة محلات وجبات سريعة في تايلاند اسمها «إنسكتس إنتر» أطباقا مثل الصراصير المقلية المقرمشة تحت شعار”لا يهم الشكل، فالمذاق رائع”. وفي المكسيك، تستخدم الجنادب المطحونة، التي تعد مكونا شهيرًا، كحشو لذيذ المذاق لخبز التورتيلا. وفي غانا ونيجيريا، يستمتع الناس بتناول النمل الأبيض المجنح، سواء كان مقليًا أو محمصًا، كوجبة خفيفة مملحة، ويضع سكان جنوب أفريقيا الجراد في عصيدة الذرة لإضافة القرمشة.
حشرات نأكلها دون أن ندري
ربما لن يعجبك هذا الأمر كثيرًا، لكنها الحقيقة، فالشوكولا تحوي حوالي 50 جزءاً من الحشرات لكل 100 غرام، كما تحتوي زبدة الفول السوداني على ما يصل إلى 30 جزءاً من الحشرات لكل 100 غرام، وقد تحتوي القرفة على ما يصل إلى 400 جزءاً في 50 غرام، بالإضافة إلى ذلك معلبات السبانخ وزبدة التفاح والبروكلي المجمدة، والعديد من الأطعمة الأخرى.
حكم الغذاء بالحشرات في الشريعة
تبدو الأمور واضحة لنا بخصوص تحريم الميتة والمختنقة ولحم الخنزير وكل ذي ناب ومخلب…الخ ، أما في حالة عدم وجود نص صريح، فالأمر متروك لرغبة الإنسان وثقافة المنطقة وعادات الغذاء السائدة فيها. ففي الجزيرة العربية مثلا يتفاوت الناس في إقبالهم – أو امتناعهم – عن تناول حشرات ومخلوقات معينة كالجراد والضبان والطيور وزواحف الصحراء… وهذا التفاوت ليس جديدا أو حديثا حيث جاء عن خالد بن الوليد وابن عباس أنهما دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة “فأُتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله بيده فقالت بعض النسوة في بيت ميمونة: خبروا رسول الله ما يريد أن يأكل فقالوا: هو ضب يا رسول الله فرفع يده عنه (فقال خالد) أحرام هو؟ قال: لا ولكنه لم يكن في أرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته، فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر”.. فالأصل في شريعتنا إباحة تعاطي المخلوقات الأحيائية؛ لا يخرج منها إلا ما ورد فيه نص تحريم، وهذا ما اتفقت عليه جميع المصادر الشرعية.
فوائد أكل الحشرات
إذا كان تناول الحشرات غير مألوف في بلداننا العربية، ولا مكان لتلك المخلوقات الصغيرة على موائدنا (باستثناء أكل الجراد في مواسمه في بلدان الخليج)، إلا أن الأمر يثير لدى بعض الناس التساؤلات عن فوائدها الغذائية. فهل كل الحشرات مفيدة ومغذية؟، وهل هي حقاً تسد رمق الجائعين وتعوّض فقد البروتينات من أجسامهم؟ وماذا عن حشرات السوس التي تنخر الحبوب والبقوليات فهل هي قابلة للأكل طالما أنها من الحشرات؟ .
يعد أكل الحشرات – من وجهة نظر علمية واقتصادية – عادة حميدة ومنطقية لعدة أسباب رئيسية منها: أن الحشرات أرخص وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من مزرعة من الماشية أو الحيوانات الأخرى، كما تعتبر الحشرات بعكس اللحوم وسيلة رخيصة ومتوفرة لتغذية الطبقات الفقيرة، كذلك فان الحشرات من أكثر المخلوقات توفرًا وانتشارًا وأبعدها عن الانقراض!.
ويفوق محتواها من البروتين اللحوم والأسماك بمرتين ونصف، وتكون الدهون فيها أقل بكثير من تلك التي في اللحوم التقليدية، وهذه بعض الأمثلة: يحتوي 100غرام من الصراصير على 121 سعرةً حراريةً، 12.9 غراماً من البروتين و75.8 ميللي غرام من الحديد، وفيه حوالي 5 غرامات من الكربوهيدرات. أيضًا يحتوي 100غرام من النمل الأحمر على حوالي 14 غراماً من البروتين، وما يقارب 48 غراماً من الكالسيوم، والقليل جداً من الحديد، كل ذلك مع أقل من 100 سعرة حرارية، وتكون الكربوهيدرات فيها منخفضة.
الحشرات مليئة بالبروتين تختلف المواد الغذائية في الحشرات من حيث أنواع الحشرات وعمرها وطريقة التحضير. فالجنادب بشكل خاص فيها تقريبًا نفس القدر من البروتين الموجود في لحم البقر المفروم مع نسبة أقل من الدهون. ووجبة الديدان أو اليرقات عادة ما تكون بديلاً عن الأسماك، كما أن بعض اليرقات فيها من البروتين ما يفوق تلك التي في ساق ديك رومي!.
أكل الحشرات يساعد على كبح السمنة اقترح واضعو تقرير الأمم المتحدة أنه بسبب احتواء الحشرات على كمية من البروتين مماثلة لتلك التي في اللحوم مع دهون أكثر صحية، فإنها من الممكن أن تساعد في إبطاء وباء السمنة في جميع أنحاء العالم.
الحشرات لا تجعلنا نمرض مثل اللحوم حيث تشكل الحشرات الصالحة للأكل مخاطرَ منخفضةً لإصابة البشر بالأمراض، مثل مرض جنون البقر أو السالمونيلا أو أيّ ميكروبات ضارة.
أما السوس الذي قد يصيب بعض البقوليات كالفول والفاصوليا، وكذلك بعض الحبوب كالأرز والقمح والذرة والشعير والشوفان”، فانه يسبب أضراراً بالصحة حيث تضع “إناث السوس بيوضها في ثقوب تحفرها في البقوليات والحبوب، والتي تفقس عندما تتوافر ظروف الحرارة والرطوبة المناسبة، لتكوّن اليرقات والتي بدورها تتحول إلى حشرات كاملة خلال أيام”. وهي تحمل بعض مسببات الأمراض، مثل الحساسية في الجهاز التنفسي، كما يحمل بعضها أنواعاً من البكتريا الضارة كالسالمونيلا وبكتريا المجموعة القولونية، لذلك يجب تجنب أكل المنتجات الغذائية المصابة بالسوس.
العالم يأكل الحشرات
دخلت إلى الصين أسواق شعبية تبيع الحشرات المجففة بقرب البهارات والتوابل والمكسرات، وكان الناس يمدون أيديهم لتذوقها كما نمد نحن أيدينا لتجربة الفستق والكاجو والفول السوداني، فالناس في الصين قادرين على تناول كل شيء – بما في ذلك الكلاب والثعابين والعقارب وكل ما يلزم لإبقاء مليار نسمة على قيد الحياة.
أيضا تم فتح مطاعم في ألمانيا وهولندا لتقديم وجبات أكل من الدود، كما تقدّم للناس دروساً في طريقة طبخ أكلات بالدود أو مختلف أنواع الحشرات، كبديل عن اللحم. ورغم أن غالبية الزبائن يجربون تلك الوجبات مرة واحدة، إلا أن خبراء كالبروفسور فان هويس من هولندا يشدد على أهمية توعية الناس بإيجابيات تناول وجبات من الحشرات بشكل مستمر، خصوصاً أن حشرات كالدود مليئة بالبروتينات، ويمكن أن تكون بديلاً للحليب واللحوم.
ويرى الخبير الهولندي أنه يمكن أكل الدود كليًا من دون رمي بعض أجزائه، على عكس لحوم الدجاج أو الخنزير التي يجب التخلي عن 55 بالمئة منها لأنه غير صالح للأكل. ويرى الخبير الهولندي أن هذا دليل مُقنِع للتحول إلى وجبات الحشرات كبديل. ولا يخفي البروفسور فان هويس أن تغيير عادات الأكل لدى الناس من اللحوم إلى الحشرات يحتاج إلى الكثير من الوقت.
والآن بات هناك سؤال يفرض نفسه وهو: هل يمكن الاعتماد على الحشرات كغذاء على نطاق واسع؟ وهل ستصبح هذه الأغذية فعلاً أغذية القرن الحادي والعشرين؟ وهل سيتقبلها الناس ويقبلون عليها في كل مكان، أم سيظل أمر هذه النوعية من الغذاء مقتصرًا على مجتمعات بعينها؟ أسئلة تطرح نفسها وتحتاج إلى إجابة…