هل تعلم أن ألوان غرف النوم لأطفالك تؤثر على شخصيتهم؟ لقد أكدت الدراسات النفسية أن اختيار اللون يؤثر بشكل مباشر على المزاج والسلوك والصحة، كما يؤثر على المخ والجسم ويقوم بدور المحفّز لهما. ووجدت الدراسات العلمية أيضًا، أن بعض الألوان تساعد على تحسين عادة النوم، وتزيد من قوة الذاكرة وتعزز أداء العقل.
تأثير الألوان على نفسية التلاميذ
ثمة علاقة قوية بين الألوان والحالة النفسية للإنسان؛ وقد أكد ذلك عديد من علماء النفس بأبحاثهم ودراساتهم الأكاديمية، منهم الدكتور “ألكسندر شاوس” مدير المعهد الأمريكي للبحوث الحيوية الاجتماعية، الذي كتب عن تداخل الطاقة اللونية والضوئية مع الغدتين النخامية والصنوبرية، وإفراز هرمونات بعينها تقوم بإحداث مجموعة من العمليات الفسيولوجية التي تسيطر على الحالة المزاجية والسلوكية.
وما كتبه العالم الصيني “فينج شوي” (Fang Shui)، حول كيفية اختيار اللون المناسب لإحداث تغيير إيجابي في الحالة المزاجية، وذلك من خلال بحثه “لوِّن حياتك”، وكذا ما كتبه عالم النفس الدكتور “غاديلي” حول أهمية استخدام الألوان في الحد من الظواهر النفسية السيئة، التي يعاني منها كثير من الأطفال والصبية.
أبحاث حديثة أفضت نتائجها إلى “أن الاستخدام الصحيح للألوان، يمكن أن يزيد من التركيز والنشاط والقدرة على التعلم والفهم والتذكر بنحو 55-78%”.
فماذا عن التأثيرات اللونية على الحالة النفسية للتلاميذ؟ وكيف نستخدم الألوان بشكل صحيح لتعزيز الحس الجمالي، والحفاظ على الاستقرار النفسي في المدارس؟
استمرت الأبحاث في الكشف عن أسرار الألوان وأهميتها العلاجية، إلى أن وصلت ذروتها خلال العقود الثلاثة الماضية، وبفضل معطيات التقنية المتقدمة وما استُحدث من تطبيقات علمية، ثبت جدواها وأهميتها، إذ صار اختيار اللون جزءًا رئيسًا من حياتنا اليومية؛ في الملبس والمأكل والمشرب.. حتى في اختيار جدران المنازل والمنشآت العامة والخاصة. ولتعدد أسرارها وما كُتب حولها من دراسات وأبحاث، وما ظهر من نظريات، فإن الألوان عِلمٌ له أسسه ومبادئه، وفنٌّ يداعب قريحة المبدعين.
تأثير الألوان على شهية الأطفال
1-الأحمر والبرتقالي: للألوان تأثير بالغ على نشاط وشهية الأطفال؛ فيمكن للونين الأحمر والبرتقالي أن يفتحا شهية الطفل للطعام، فهما يرفعان الإحساس بالسخونة ويزيدان من الشعور بالجوع، ويؤثران على شهية الإنسان، لذلك تجد أن اللون الأحمر ودرجاته هو السائد في مطاعم الوجبات الجاهزة كافة، كونه لونًا يعد من فواتح الشهية، إضافة إلى درجات اللون البنّي ولكن بنسبة أقل.
ومن ثم ننصح الأمهات اللاتي يعاني أطفالهن من قلة الأكل، أن يجعلن ألوان الصحون على درجات البرتقالي أو الأحمر لتحفيز وفتح شهية أطفالهن. أما بالنسبة للألوان التي تضر بنفسية الطفل المريض، فنؤكد على ضرورة وجود توازن في الألوان التي يستقبلها الطفل، فننصح بضرورة عدم ارتداء الأطفال أو الكبار لونًا واحدًا لفترة طويلة، بل المهم أن يتلقى الأطفال -وكذلك الكبار- طاقات جميع الألوان.
2-الأزرق والبنفسجي: لونان مسؤولان عن تنشيط إفراز المادة الكيميائية التي تساعد الإنسان على النوم، ولهذا ينصح أن تكون أغطية فرش الأطفال، وملابس نومهم، ودهان الجدران بهذين اللونين، مع مراعاة اختيار الدرجات الفاتحة منها.
3-الأصفر: لون النشاط الذهني بالنسبة للأطفال، وهو لون يرتبط بالعمليات العقلية التي ترتبط بالمخ، فمثلاً إذا أردت من طفلك التركيز، والتفكير بشكل جيد، وتنشيط المخ، فيُنصح الاستعانة باللون الأصفر. أما إذا أردت أن يكون نشطًا ويصدر عنه حركة وطاقة، وتعمل عضلاته بشكل جيد، فعلينا تزويده باللون الأحمر، وإذا أردت أن تجعله مبدعًا ومفكرًا، وأن يتناول الطعام بشكل كاف، فعلينا باللون البرتقالي الصريح.
إن تأثير الألوان طبيًّا وعلميًّا يأتي في نهاية المخ من أسفل، وهو الجزء المسؤول عن العواطف والمشاعر التي لدى الإنسان منذ طفولته، بالإضافة إلى أن هذا الجزء من أول الأجزاء التي تتكون لدى الجنين في بطن الأم، لذلك تجد أناسًا يكرهون لونًا معينًا أو يرتبطون بلون آخر عند الكِبَر. كما أن الألوان مسؤولة بشكل رئيسي عن عمل الغدد في جسم الإنسان؛ فالسعادة والحزن والنوم جميعها مشاعر تتأثر بالألوان مع تأثيرها على هذه الغدد. لذلك من المهم أن تعرف الأمّ ما يحتاجه جسم طفلها، أو ما يحتاجه جسم الإنسان عمومًا.
وننصح الآباء والأمهات بضرورة تعريض الأطفال لجميع طاقات الألوان باتزان في ملابسهم في غرفهم وفي أطباق الأكل، علاوة على ألوان الأطعمة التي يتناولونها، لأن الألوان تدخل إلى جسم الإنسان أيضًا بطريقة أخرى عبْر الجهاز الهضمي بخلاف العين.
الألوان تحسن من سلوك الأطفال
للألوان تأثيرات إيجابية على بعض حالات العنف لدى الأطفال؛ فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على أطفال يعانون من مشاكل نفسية، أن تغيير ألوان المنزل من الزاهية والصارخة إلى درجات الأزرق الباردة، يسهم في تحسين سلوك هؤلاء الأطفال. وكلما كان الطفل صغيرًا في السن، كان الأثر المهدئ له أسرع مفعولاً. ومن ناحية أخرى فالطفل ذو السلوك الهادئ أو الخجول، يفضل استخدام مخطط لوني نشط يساعد على تنشيط الدورة الدموية لديه، لكي ينعكس ذلك إيجابيًّا على سلوكه مثل استخدام درجات اللون الأصفر، وكذلك بعض الرسومات على الجدران مثل رسم شاطئ جميل أو غابة بديعة التكوين.
وقد استخدم الباحثون اللون الأزرق الخفيف الممزوج مع عقاقير تجريبية؛ للكشف عن الأورام المبكرة في الرئة، كما استعمل اللون الأزرق للتخفيف من ألم الصداع النصفي والتهاب المفاصل.
وقد ظل الأطباء سنين يستخدمون اللون الأزرق لعلاج اليرقان الذي يصيب حديثي الولادة، ويتفادون بذلك القيام بإجراء عمليات دم خطيرة. كما وجد الباحثون في المستشفى العام في “ماساشوستش” أنّ داء الصدف الجلدي (Psoriasis) يستجيب جيدًا -وعلى نحو مذهل- لمزيج مكون من الأشعة فوق البنفسجية والعقاقير، وهو أحد العلاجات استعمالاً. وهناك اعتقاد عند أطباء المخ والأعصاب بأن اللون البنفسجي يساهم في تخفيف بعض آلام المخ.
الألوان الأنــسب لحجرات الدراسة
إن اختيار الألوان المناسبة في دهان جدران وأسقف الحُجرات الدراسية، من الأمور الهامة التي يجب ألا يُستهان بها على الإطلاق، حيث تؤكد الدراسات على أهمية اللونين الوردي والأصفر ووجودها على جدران الغرف الخاصة بالطفل؛ لما للوردي من تأثير ملطف على الجسم حيث يقوم بإرخاء العضلات. وقد وجد أنه مهدّئ للعدوانيين الذين يميلون للعنف، لذا يكثر استخدامه في السجون، والمستشفيات، ومراكز الأبحاث، ومراكز علاج الإدمان.
أما اللون الأصفر فيعمل على زيادة مشاعر الفرح ويثير روح البهجة، كما أنه ينشط المخ ويقوي العقل، ويمكن ارتداءه لتحفيز الإبداع وتصفية الذهن لا سيما عند الإصابة بالتوتر العصبي. بالمقابل، ينصح بِطلاء غرف صفوف الحضانة باللون الأزرق أو البنفسجي الفاتح، لأنه يبعث على الهدوء، ويجعل الأطفال أكثر انتباهًا وتركيزًا. ولا ينصح بالأبيض والرمادي، لأنهما غير مؤثرين. ويمكن الاستعانة باللون الأخضر للكتابة على اللوحات الجدارية، كونه من أكثر الألوان ثباتًا في الذاكرة. وتبدو الألوان وكأنها تعكس عبقرية الطفل وذكاءه، لكنها قد لا تعكس حالته النفسية. هذا وقد لوحظ أن الأطفال في معهد السرطان يستخدمون الألوان البهيجة، بعيدًا عن الأسود والأبيض اللذين يعكسان ملاءات الأسرة التي تعني المرض. وقد فسّر البعض لجوء الطفل للألوان المبهجة برغبته في طرد الألم.
تـنمـية الـحس الـجمالي لدي الطفل
في بحثه القيم الذي يحمل عنوان “تنمية السلوك الجمالي في مجال التربية الفنية”، يقول الباحث جاسم العبد القادر: إن تقديم الرؤية الجمالية في العملية التعليمية منذ البداية تجعل التلميذ يتشبَّع بها، وتستحوذ على عقله وتفكيره وخياله، وتصبح جزءًا منه لا يستطيع أن يتخلَّى عنه، وتنعكس بالتالي على تعبيراته الفنية وسلوكياته في تعامله مع الآخرين.
إن المعلِّم الذي يسعى إلى الارتقاء بالفكر العقلي لدى تلاميذه، هو من يُنمّي أولاً خبراته في تنمية الحس الجمالي، ومن ثم يستطيع توظيف التناغم اللوني في العملية التعليمية وفي كيفية السيطرة على التلاميذ وجذبهم إلى الدروس التعليمية، وكذا في المحافظة على صحتهم النفسية وتحقيق التوازن السلوكي لديهم. وقد أكدت دراسة أجراها “ترافيس” أن الألوان تضفي على وسائط التعليم الجاذبيةَ، فالصورة الملونة أكثر بقاء في الذاكرة من الصورة المرسومة أو المخططة.
ومن خلال الألوان المفضلة تُعرَف الأذواق، ويُقاس مدى الحس الجمالي ومستوى الاستقرار النفسي والاندماج الاجتماعي.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.