أخبرتني أمي حين مات جدي أن سلمًا يربط بين القبر و السماء، كانت تؤكد يقيني بأن جدي في القبر، فلا بد من زيارته، وأنه أيضًا يسكن الجنة التي لا أراها في هذا المكان الضيق، أخبرتني أنه ينزل من الجنة للقبر حين أقرر زيارته، وأنه يشعر بي، فالأرواح المتحابة لا يمنع لقاءها الموت.
حين أيقنت الحقيقة ظننتها تكذب، ثم عرفت أنها تريد أن تحافظ على الصورة الجميلة التي رأيت فيها جدي، حين كبرت وذهبت مع أبي إلى المقبرة؛ لنخفف من ثقل الموتى، رأيت هيكلاً عظميًا، أخبرني أبي أن هذا جدي، ثم سكت.
ذات يوم أصاب رأسي ألم شديد، أسرع بي أبي إلى الطبيب، بعدما غبت عن وعيي قليلاً، قالت أمي: لن ينجو، رأيت أبي أمس يطلبه مني، نهرها أبي: هبوط، مجرد هبوط.
كنت أسمعهما ولا أنطق، عدنا إلى البيت، وأمي تطيل النظر في صورة جدي.
حين تظاهرت بالنوم سألت أبي: بِمَ أخبرك الطبيب؟
– سَلَطان.
– سرطان؟!
لا بأس cancer ضحكت في سري وقلت.
في الصباح سألت أمي: لماذا تؤلمني رأسي طوال الوقت، أشعر بدوّار؟!
خرجت ابتسامة من بين أسنانها وقالت: الثور الذي يحمل الأرض يغير قرنه، فإما أن تتزلزل الأرض، أو نشعر نحن بدوّار وصداع. ثم تمايلت أمي، وأسلمت رأسها على الوسادة، وأخذت تجهش ببكاء مكتوم.
ثور الأرض يغير قرنه! هذا ما حكاه جدي لي يوم وفاته، تظن أمي أنني لا زلت صغيرًا؛ لتعيد حكايات جدي على مسامعي.
أخبرت أمي أنني سأتقدم لمسابقة القصة التي رُزقت موهبتها، قامت تبخرني؛ لتمنع عني الحسد “بسم الله رقيتك، من كل عين رأيتك….. تكمل أمي رقيتها وأروح في سبات عميق.
حين صحوت أخبرتها أن قصتي ستكون عنها، أثق بفوز الكتابة عنها، وأدخر المال حتى نجدد بيتنا الذي أرهقه الزمن، نزل الدمع من عينيها، و أخبرتني أن ثور الأرض سيستمر في تغيير قرنه، و أن علينا أن ندخر المال لنعالج به دوّار الأرض.
حين عاد أبي دخلا غرفتهما، سألته أمي عن نتيجة الفحوصات، نظر نحو الباب الذي أغلقه دون إحكام: لا أمل في الشفاء دون جراحة.
صرخت أمي: سأبيع نور عيني .
زاد صداع رأسي، أمسكت بالقلم، وبدأت أكتب “في الصغر، كانت تخبرني أمي أن الفقراء، موطنهم السماء”