قد جاء في كتابات الرحالة الأوربيين معلومات مهمة عن دور بدو سيناء في توفير الجمال ودواب الحمل للقافلة في ذهابها إلى الأماكن المقدسة سواء أكانت جمال يركبها المسافرين أم لنقل التجارة، لأن جمال البدو التي تربت في بيئة الصحراء تختلف عن الجمال الموجودة في شوارع القاهرة، من حيث القوة؛ حيث كانت جمال المدينة تستخدم عادة في حمل الأمتعة، وتشق طريقها عبر شوارع القاهرة الضيقة، ولذلك لم تكن تصلح بالمرة لمثل هذه الرحلة الصعبة؛ إذ أن أقدامها الناعمة لم تكن لتحتمل خشونة الصخور والرمال. لذلك كان من المعتاد أنه عقب حصول حجاج بيت المقدس على أمان المرور كان الحجاج يرسلون بمساعدة الترجمان الأكبر إلى بدو الصحراء؛ ليحضروا بعض الجمال والبغال لحملهم وأمتعتهم إلى دير القديسة كاترين، ومن ثم إلى فلسطين وأكد بعض الحجاج أنه لم يكن بإمكان البدو الدخول بهذه الجمال إلى المدينة؛ لأنها جمال غير مروضة، وإنما كانوا ينتظرون الحجاج على مسافة من القاهرة، وإذا ما حدث وتسرب بعضهم إليها كانوا يسجنون وتؤخذ جمالهم، لأن هذه الجمال “متوحشة يصعب ترويضها ولا يمكنك ركوبها غير في الصحراء” وإذا كان ذلك يبين دور بدو سيناء في حركة نقل الحجاج والتجارة ذائع الصيت، فإنه في الوقت نفسه يبين الحركة التنظيمية التي كانت تقوم بها الدولة، حيث جعلت للبدو محطات نهائية أو مواقف يتوقفون فيها خارج القاهرة بجمالهم غير المروضة منعًا للحوادث بالمدينة. كما يتضح الشهرة الواسعة لجمال وبغال البدو التي أرسل حجاج بيت المقدس من يؤجرها لهم من البدو على الرغم من توافر جمال وبغال للإيجار في القاهرة، إلا أن جمال وبغال القاهرة لا يمكن قياس درجة تحملها قياسًا إلى جمال وبغال البدو في سيناء التي هي أكثر قوة وتتحمل ظروف الصحراء القاحلة.
إن جمال البدو مع كونها متوحشةإلا أنها لا تلجم لكي تسرع في السير، ولا يصيحون بها، ولا يضربونها بالسوط، وعندما يغني لها بعض الجمالين أغنياتهم تفهم ماذا يجب أن تفعله وتسير في طريق دون أخرى
وكانت المطرية هي المكان المخصص لوقوف جمال بدو سيناء القوية المخصصة، لنقل الحجاج وبضائعهم ومن المطرية يتسلمها الحجاج بعد أن يكونوا وصلوا ببضائعهم من القاهرة على الجمال المنتشرة في شوارع المدينة، ليتولى الحمالين وضعها على جمال البدو المنتظرة بالمطرية، وأكد على ذلك كثير من الرحالة منهم على سبيل المثال: جورجو غوتشي فبعد أن انتهى من وصف حديقة البلسان بالمطرية، وبعد أن اشتروا ما يلزمهم من طعام من سوق المطرية قال:”ثم جاءت الجمال لتحملنا إلى الصحراء مع امتعتنا…” كما أن فريسكوبالدي أكد على نفس الأمر بعدما عد المطرية بداية الصحراء، وأشار إلى حصولهم على جمال ودواب الحمل من بدو صحراء سيناء قائلًا:” تقع الصحراء على بعد خمسة أميال من القاهرة، وهنا وجدنا الجمال العربية وعددها 14 مع سائقها، ولا تستطيع الجمال الأخرى عبور الصحراء لأن هناك مسيرة أربعة أو خمسة أيام دون كلاء أو ماء”. وفي الصدد نفسه، أشار نيقولو دي بوجيونسي أنه طلب من المترجم أن يستأجر له جمل من بدو سيناء كي تحمل أغراضه، فأرسل المترجم لحساب ينقولو دي بوجيونسي مسلمًا إلى صحراء سيناء لإحضار بعض الجمال من البدو الذين كانوا يؤجرونها، ووصلت الحيوانات بعد ستة أيام “وتبدو وكأنها مصنوعة من الحديد بحيث تتحمل الكثير من المشاق”.
أما إذا كان حجاج بيت المقدس ذهبوا للقدس عبر الساحل الشامي، ويرغبون في تكملة المسيرة لزيارة دير القديسة كاترين السينائية وباقي المزارات بمصر فيخرجون من القدس للخليل ومنها لغزة وعلى مشارف غزة باتجاه مصر يرسلون إلى بدو سيناء بالعريش ،فيؤجرون منهم الجمال ففي يوم التاسع من سبتمبر 1483م /7شعبان 888ه ،وصل الجمالون من بدو سيناء صحبة المترجم الذي ذهب إليهم، لتأجير دواب الحمل والنقل لفابري ورفاقه، وما إن وصلوا حتى نقلوا كل أمتعة الحجاج وأصبحت القافلة تضم خمسة وعشرين جملاً وثلاثين حمارًا وسبعة جمالين وسبعة حمارين واثنين من رؤساء العرب مرشدين. وهنا نلاحظ أن كل ما تضمه القافلة – باستثناء الحجاج فقط- تم شراؤه أو إيجاره من البدو لقضاء المهمة .
إن الجمال كانت مصدرًا اقتصاديًا مهمًا للبدو في سيناء، والحجاج كانوا دئمًا في حاجه إلى البدو لحاجتهم للجمال ودواب الخيل التي تتقن السير في صحراء سيناء، والتي يتفنن البدو في تربيتها
وكان البدو يمتلكون كثير من هذه الجمال ، وهو الأمر الذي دفع التاجر بيلوتي الكريتي بالقول عنهم أنهم: “… يمتطون الحيوانات ويركبون الإبل، ولديهم أعداد كبيرة من الحيوانات، أكثر من أي مكان أخر في مصر …” أما جون مانديفل فقد تطرق لنفس النقطة التي تفيد بامتلاكهم الجمال بأعداد كثيرة قائلاً:”ويلاحظ أن أهل سيناء لا يستخدمون الخيل، حيث ندرة الطعام والماء، ولذلك يستخدمون الجمال التي تتغذى على أوراق الشجر، وإن بإمكانها أن تعيش دون ماء يومين أو ثلاثة، وهو ما لا تتحمله الخيول …” وقد توافقت معهم في هذا الصدد أيضًا رواية فريسكوبالدي الذي أدهشه ما شاهده من أعداد كبيرة من جمال البدو، وهي تجوب الصحراء حول القاهرة علاوة على أعداد كبيرة من الخراف والبقر والماعز. ومن هذه الروايات سواء أكان بيلوتي أم مانديفيل وفريسكوبالدي التي تفيد بكثره امتلاك العرب للجمال بكثره دون غيرها، وبوضعها أمام رواية سيجولي عن إرسال الحجاج رجال من المصريين لاستئجار الجمال من البدو في طريق سيناء، يعني أن الجمال كانت مصدرًا اقتصاديًا مهمًا للبدو في سيناء، وأن الحجاج كانوا دئمًا في حاجه إلى البدو لحاجتهم للجمال ودواب الخيل التي تتقن السير في صحراء سيناء، والتي يتفنن البدو في تربيتها؛ لأجل هذه المهام هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية يبين أيضًا فضل البدو في مسيرة حركة الحج الإسلامي للحجاز أو المسيحي واليهودي لفلسطين، والمجهود الذي بذلته السلطنة المملوكية كي تستطيع أن توفق بين القبائل على أن تقوم كل قبيلة بواجبها في هذا المجال.
وعلاوة على ما سبق، كان البدو يوفرون الجمال ودواب الحمل التي تلزم المسافرين في أماكن الاستراحات على طول الطريق حتى الشام والحجاز؛ لأن المسافر ربما يتعرض لمفاجآت، من بينها أن تنفق الدابة التي يركبها، أو يصيبها الهزال؛ وذلك بسبب الماء المالح الذي تشربه الدواب، وبسبب الحرارة الشديدة، بالإضافة إلى التراب الذي يدخل أفواههم، والرمال التي يغرقون في بحرها حتى الركبة فتصيبهم الآلام والحاجة إلى الطعام في هذه الرحلة الطويلة. وفي ذلك ذكر العمري في “مسالك الأبصار”، ومن بعده الجزيري في “الدرر الفرائد أن طوائف العربان كانت تنزل في كل محل ومنهل ومكان، للتسبب على الحجاج يخرجون عليهم بأشياء منها الجمال للبيع والكراء، وهذا يعني أنَّ ذلك كان مستمرًا من أيام العمري إلى الجزيري. حيث قدمت القبائل العربية على الطرق التجارية خدمة كراء الجمال؛ وقد ورد في المصادر أن السلاطين المماليك كثيرًا ما رسموا بحضور العربان، وبالأخص من الشرقية والغربية؛ لأجل كراء الجمال إلى مكة بمقدار مائة وستين درهمًا، وإلى ينبع بمائة وثلاثين.
إن جِمال وبغال القاهرة لا يمكن قياس درجة تحملها قياسًا إلى جمال وبغال البدو في سيناء التي هي أكثر قوة وتتحمل ظروف الصحراء القاحلة
وفي شهر المحرم سنة 746هـ،يخبرنا ابن تغري بردي أنه قد تحرك عزم السلطان للحج، وكتب بحضور العربان بجمالهم، فقدمت طائفة من العربان وقبضوا مالاً ليجهزوا جمالهم إلى أن هلَّ ربيع الآخر فتغير مزاج السلطان ولزم الفراش، وكتب استعادة المال من العربان، ثم كُتبَ للأعمال باسترجاع ما قبضته العرب من كراء الأحمال وغير ذلك، وقد قامت القبائل العربية أيضًا بخدمة كراء الجمال على طريق دمشق إلى مصر، ويذكر أبو شامة مقدار ما يدفع من كراء الجمل من دمشق إلى مصر أنه كان نحو مئتي درهم، وذلك في سنة 660هـ في أثناء هجمات التتار على الشام. في حين لم يحدد فابري الذي جاء من بيت المقدس إلى مصر عبر سينا إلى قيمة الإيجار. وإن كان برتراندون دي لابروكير قد ذكر أن البدو “… يتقاضون خمس دوكات مقابل نقل الحجاج الي دير سانت كاترين…”من غزة.
علي أية حال، كانت هناك مهنًا أخرى قام بها البدو وذكرها الرحالة الأوربيين ضمن الصور الأخرى الإيجابية فعلاوة على تناول أعمالهم كجمالين وأدلاء ومرشدين، تناولوا صورة البدو “الحداة” وقد اهتم بعض الأوربيين بذكر دور الحداة في سير القافلة قائلاً:”… ومن الملاحظ أيضًا أن تلك الجمال (جمال البدو) مع كونها متوحشة، لا تلجم لكي تسرع في السير، ولا يصيحون بها، ولا يضربونها بالسوط، وعندما يغني لها بعض الجمالين أغنياتهم تفهم ماذا يجب أن تفعله وتسير في طريق دون أخرى…”.