إذا أمعنا النظر في الأشياء، ولا سيما الأحياء، نرى وكأنها قد خرجت من يد الخلق لتوّها، وبرزت إلى الوجود بروزا فجائيًا.
وبينما ينبغي أن تكون الأشياء المركبة آنيًا وعلى عَجلٍ بسيطةَ التركيب مشوّهة الشكل، ومن دون إتقان، نراها تُخلَقُ في أتقن صنعة وأبدعِها، علمًا بأن هذا الإتقان والإبداع يتطلب مهارة فائقةً. ونراها في أروع نقش وأدق صورة، علمًا بأن هذه الروعة والدقة تحتاج إلى صبر عظيم وزمن طويل. ونراها في زينة فاخرة وجمال أخّاذ، علمًا بأن هذه الزينة وهذا الجمال يستدعيان آلات تجميل متنوعة، ووسائل زينة كثيرة.
إن جودة الصنعة، وجمال الصورة، وتناسق الأجزاء، مع سرعة الإنتاج، كل ذلك يشهد على وجود صانع حكيم، ويشير إلى وحدانية ربوبيته.
فهذا الإتقانُ المعجِز، والصورةُ البديعة، والهيأة المنسقة، والإبداع الآني، كلّ منه يشهد على وجود الصانع الحكيم، ويشير إلى وحدانية ربوبيته. كما أن مجموعه يبيّن بوضوح “الواجب الوجود” القدير الحكيم، ويبين وحدانيته سبحانه.
فيا أيها الغافل عن ربّه، الحائرُ في أمر الموجودات، هيّا، بماذا توضِّح هذا الأمر وتفسره؟
أفتفسره بالطبيعة العاجزة البليدة الجاهلة؟ أم تريد أن تقترف بجهلك خطأ لا حدود له، فتقلد الطبيعةَ صفاتِ الألوهية، وتنسب إليها بهذه الحجة معجزاتِ قدرةِ ذلك الصانع الجليل المنـزّه عن كل نقص وعيب، فترتكب ألفَ محالٍ ومحال؟!
المصدر: الكلمات، بديع الزمان سعيد النورسي، دار النيل للطباعة والنشر.