كالعادة ذهبت أنا وبعض الأصدقاء لحضور محاضرة يلقيها علينا أحد الأساتذة في كل يوم إثنين من كل أسبوع. ولقد دارت هذه المحاضرة حول التواضع والتضحية من أجل الآخرين، والإنسلاخ من حب الذات والأنانية، وهي موضوعات في غاية الأهمية في حياة الإنسان المسلم وإن شئت فقل المسلم الإنسان.
ولقد ضرب لنا الأستاذ بعض الأمثلة لأبطال انتصرت أرواحهم على أجسادهم، وانسلخوا انسلاخًا تامًا من حب الذات والأنانية، وأظهروا تواضعًا لا مثيل له في ميادين فوزهم .
فنحن حقًا نفتقد هؤلاء الأبطال، ونحتاج لأمثالهم في أيامنا هذه، التي انتصر فيها الجسد وشهواتة على الروح، واتخذ الإنسان فيها له من الأنانية رداءًا، ومن حب الذات عمامة، ومن التواضع حذاء ألقاه في وجة الآخرين قائلاً:عن أي تضحية تتكلمون وتهرجون؟ لكن ها لكم مني عرض: إن صفقتم لي وقمتم بمدحي والثناء علي بما يليق بي وبمكانتي، وسمعت صدى أصوات تصفيقكم من أجلي، فسوف اتفضل عليكم بما هو زائد عن حاجتي ملقيًا إياه لكم في قاعكم، لكن بشرط أن أسمع صدى أصوات شكركم ليفي مقابل هذا، وإن لم أسمع فعطاياي ممتنعة وبابي منغلق بوجوهكم”.
فمن مثل هذا تشمئز قلوبنا وتضجر.
فلقد اشتقنا حقًا لأبطال شعارهم الإنسانية ينقذون البشرية بدون تفرقة بين أبيضهم وأسودهم ،مسلمهم وغير مسلمهم، نحن بحاجة ماسة إلي جيل يساعدنا ويضحي من أجلنا في خفاء، لا يبتغي منا تصفيقًا أو ثناء. ولذلك أخي الكريم بينما كان يتحدث الأستاذ عن الأبطال البواسل، الذين لم يك هدفهم الجاه ولا المنصب ولا التصفيق ولا الثناء، تبادرت إلى ذهني أسئلة كثيرة :هل كان هؤلاء حقا هكذا؟ هل يوجد من يتواضع ويضحي في خفاء في زماننا هذا؟ هل وهل..؟
وبينما أنا أفكر في إجابات لتلك الأسئلة إذ بالأستاذ يقول لنا: ” أريد منكم جميعًا أن تطبقوا هذا عمليًا وتقوموا بالتضحية من أجل الآخرين بقدر ماتستطيعون، أو على الأقل حاولوا بأن تخصصوا جزءًا من وقتكم لمساعدة الآخرين وذلك بأن تشرحوا لهم ما يصعب عليهم من دروس أو ما شابه ذلك، ثم انظرو أثر فعلكم هذا في قلوبكم، وبالتأكيد ستجدون شعورًا لم يسبق أن شعرتم به في قلوبكم إضافة إلى تقوية الصلة والود بينكم وبينهم “.
بعد هذا الكلام تحدثت مع نفسي قائلاً : لماذا لا أطبق هذا بالفعل في حياتي؟ وأخذت عهدًا على نفسي بأني أساعد أحدهم في أقرب فرصة تتاح لي….وفي اليوم التالي بينما كنت أذاكر وأعد للأمتحان، إذ بصديق يقول لي: هل تستطيع مساعدتي؟ وبالفعل حاولت مساعدته ولكن لم أكن موفقًا لمساعدته على الوجه الذي أراد، ومع هذا فلقد لمست الشعور الذي تكلم عنه الأستاذ وهذا يكفي .
لكن السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو ما حدث بعد ذلك…
ففي يوم الأحتفال بالمولد النبوي الشريف، كان هناك حفل في مكان ما وفي هذا الحفل يتم تسليم جوائز لمن يقول شعرًا، وأنا كنت أحضر حفلا بمكان آخر، وعندما رجعت إلى البيت وجدت أحد الأصدقاء قد تسلم جائزة، فباركت له وهنئتة بهذا الأمر.ولعلك أخي الكريم تظن أن القصة انتهت !
لكن في الحقيقة القصة لم تنته بعد. فبعد يومين كنت أجلس مع صديقين لي أحدهما قال للآخر: أنت هو البارع في الشعر وكنت هناك أيضًا لماذا لم تأخذ أنت هذه الجائزة؟… وكنت اتفق معه فصديقنا الذي تسلم الجائزة ليس له علاقة بالشعر من أي جهة.
وأصبح لدينا شك أنا وصديقي بأن في الأمر شئ خطأ، فألححنا على صديقنا الشاعر أن يخبرنا بسر حصول الصديق الآخر على الجائزة، فإذ به يقول لنا: سوف أقول لكم لكن بشرط .
فقلنا: قل الشرط ولا تقلق !
فقال: أنا هو من كتب الشعر ثم أعطيته له وأخبرته بأنه ما يجب عليه إلا أن يقرأه فقط في الإحتفال وسيحصل على الجائزة، وشرطي هو أن لا تخبروه أو تخبروا أحدًا بفعلي هذا.
فقال صديقي: لكن لماذا فعلت هذا؟ فأنت أحق بهذا منه.
فأجابه قائلاً: لم أره سعيدًا منذ فترة وأردت أن أراه سعيدًا مبتسمًا.
فعندما سمعت هذه الكلمات صدمت وتأثرت بجوابه أيما تأثر، وحصلت على الإجابة لكل أسئلتي، نعم ما زال هناك أبطال حولنا في كل مكان، لا يحبون مدحًا ولا ثناء وإنما يضحون في خفاء، لا يريدون تصفيق الناس وابتغاء ماعندهم وإنما يبتغون ما عند الله.
وعلى الرغم من ذلك كله ,فصديقنا هذا يشعر بأنه لا شيء ويقول بأنه صفر، الحقيقة أني أيقنت فعلاً بأنه “صفر” ولكن من جهة اليمين إذاوضع بجانب أي رقم جعل له قيمة.
شكرًا لك، فأمثالك هم من يستحقون المكافأة والتصفيق .