نشأ الفن الإسلامي في القرن الأول الهجري السابع الميلادي، وازدهر ووصل أوجهه في القرنين الثالث عشر والرابع عشر حتى بدأ في التدهور في القرن الثامن عشر.
وقد انتشرت الفنون والعمارة الإسلامية في العالم فامتدت الإمبراطورية الإسلامية من الهند وآسيا شرقًا إلى بلاد الأندلس والمغرب غربًا، ومن جنوب إيطاليا وصقلية شمالاً إلى بلاد اليمن جنوبًا، وبذلك نجد الفن والعمارة الإسلامية قد حملوا تأثيرات تلك الحضارات.
ولقد حرص المعماري المسلم منذ البداية على تنوع العمارة الإسلامية ما بين:
– عمائر دينية تمثلت في المساجد والأضرحة.
– عمائر حربية تمثلت في القلاع والحصون.
– عمائر اجتماعية وتمثلت في القصور والمدارس والقناطر والأسبلة.
فهذا التنوع إن دَلَّ فإنما يدل على اهتمام تلك الحضارة بكافة نواحي الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والحربية.
ويعد مسجد ابن طولون –أحد أهم وأكبر مساجد مصر- نموذجًا من أهم نماذج العمارة الإسلامية في مصر.
أهم أعمال بن طولون في مصر
ومنذ تولى ابن طولون حكم مصر عمل على تأسيس مدينة القطائع، ثم أنشأ لنفسه قصرًا فخمًا عرف بـقصر الميدان، ودارًا للإمارة، والتي كانت ملاصقة لحائط القبلة بمسجد بن طولون. إلى جانب إنشاء البيمارستان (المستشفى) عام 259هـ بمدينة العسكر.
كما ينسب له أيضًا بناء القناطر (قناطر البساتين)، والتي كانت تنقل المياه من النيل جنوب الفسطاط إلى المدينة الجديدة، وأيضًا ميناء عكا، إلى جانب (جامع ابن طولون) والذي سمي على اسمه نسبةً له.
مسجد أحمد بن طولون
ففي ميدان ابن طولون وبحي السيدة زينب جنوب القاهرة وبجوار مسجد صرغتمش الناصري، نجد مسجد ابن طولون أو المسجد الطولوني أحد أهم وأكبر مساجد مصر وهو المسجد الثالث بعد مسجد عمرو بن العاص ومسجد العسكر من حيث المساجد الجامعة في مصر الإسلامية.
أنشأ هذا المسجد ليكون جامعًا للاجتماع بالمسلمين وقد تبوء مكانة هامة في مصر، فهو وإن كان ثالث مسجد جامع في مصر إلا أنه يُعَد أكبر مساجد مصر وانفرد وتميز عن غيره، رغم ما طاله من تخريب شأنه شأن الكثير من المساجد الأثرية الأخرى إلا أنه حافظ على أغلب تفاصيله ومعالمه المعمارية منذ التأسيس كما نجد أن موقعه المتميز كان له فضلاً كبيرًا في حمايته من عبث الناس واللصوص خلال القرون الماضية، فقد بناه ابن طولون فوق ربوة عالية كانت تعرف باسم (جبل يشكر) وذلك عام 263هـ، وانتهى من بنائه عام 265هـ.
وقد اختلف المؤرخون حول شخصية مهندس المسجد، فمنهم من رجح أنه لم يكن من مصر بل كان عراقيًا وذلك نظرًا للتأثير الواضح على المسجد بتصميم مسجد سامراء بالعراق واضحًا متمثلاً في العقود القائمة ودعائم الأجر، وأيضًا مئذنة المسجد والتي تشابهت كثيرًا مع مئذنة جامع سامراء، مما جعلهم يرجحون نسبة بنائه للمهندس (أحمد بن محمد الحاسب) باني مقياس النيل الحديد بالروضة.
وذكر بعض المؤرخ أن باني المسجد كان نصرانيًّا يدعى (سعيد بن كاتب الفرغاني)، حيث طلب منه ابن طولون بناء عينًا للماء وبعد إتمامها زارها ابن طولون ولسوء حظ (الفرغاني) كان هناك جيرًا لا يزال رطبًا فغاصت به قدم فرس ابن طولون، فأمر بمعاقبته وزج به في السجن، وظل به حتى أراد أحمد ابن طولون بناء المسجد فقُدِّر له ثلاثمائة عمود كان صعب تدبيرها إلا من خلال استخدام أعمدة الكنائس والأديرة المتخربة فتورع ابن طولون عن ذلك.
وعندما علم (الفرغاني) بذلك أسرع يكتب لابن طولن بخبره أنه باستطاعته بنائه بدون أعمدة عدا عمودي القبلة، حتى أخرجه ابن طولون وأحضر له ما يلزمه للرسم وعندما أُعجب ابن طولون بتصميمه أعفى عنه وأخرجه.
وهكذا نجد الأقوال قد تضاربت حول باني المسجد لكن في الحالتين أيًا كان من بنى هذا المسجد الجامع فقد ارتقى به ليجعله نموذجًا فريدًا، جمع فيه بين البساطة في البناء والإبداع والتفنن في تلك الزخارف المتناسقة.
الفن المعماري في المسجد
بُني المسجد من الطوب الأحمر غطته طبقة من الملاط تعلوها طبقة أخرى من الجص الأبيض على مساحة 6 أفدنة ونصف تقريبًا، وبلغ طوله 138 مترًا وعرضه 118 متر وقد أنفق على بنائه 120 ألف دينار.
عند الدخول للمسجد تجده قد تألف من صحن أوسط وهو مربع مكشوف تربيعته تقريبًا حوالي 92× 92 تتوسطه فسقية وهي تعود للسلطان لاجين المنصوري ونجد الصحن قد أحاط به أربع إيوانات، أكبرها هو إيوان القبلة والذي تتميز بضخامة دعائمه ونجده قد احتوى على خمس بلاطات، وكما في الجوامع الكبرى كالمسجد الأموي والأزهر الشريف تمتع المسجد بخمس محاريب، ونجد محراب المسجد في حائط القبلة قد اكتنفه عمودان وهو على شكل نصف دائري، على جدرانه فسيفساء رخامية أعلاها مزين بشريط من الزخارف الزجاجية، وأوسط الصحن في الأعلى نجد القبة الخشبية والتي أقامها (السلطان لاجين)، كما يعود له أيضًا المنبر الحالي والذي أقامه عام 696هـ- 1296م.
ويذكر أن تلك القبة التي أضافها لاجين هي القبة الحالية والأخيرة والتي حلت محل القبة الفاطمية التي أضافها الخليفة الفاطمي العزيز بالله والتي بدورها قد حلت محل القبة الأصلية المحترقة عام 376هـ- 986م وترتكز القبة الحالية بالطبع على قاعدة مربعة بها أربع فتحات معقودة وفي الوسط حوض للوضوء، وعلى يسار المحراب الكبير يوجد المحراب الجصي والذي أنشأه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي والذي حُلَّي بنقوش وكتابات كوفية والشهادتان وهو يعود لمنتصف القرن السابع الهجري.
ويحوي المسجد في مجمله (21) باب و(29) نافذة وقد تمثلت النوافذ في شكل فتحات معقودة مدببة حُليت بزخارف هندسية ونباتية محفورة.
المئذنة الملوية
وفي الخلف في الشمال الغربي للمسجد تقع المئذنة والمعروفة بـ (مئذنة ابن طولون) أو (المئذنة الملوية) ويبلغ ارتفاعها 40 مترًا، تكونت من قاعدة مربعة تعلوها منطقة اسطوانية وقمتها مضلعة على شكل مبخرة أحيطت من الخارج بسلم حلزوني وهو السبب وراء تسميتها بالملوية.
وقد تشابهت كثيرًا مع المئذنة الملوية بالمسجد الجامع بسامراء.
وقد ذكر على لسان (المقريزي) و(ابن دقماق) أن المئذنة كان عليها (عشاري) على شكل سفينة من البرونز تأكل منها الطيور الحبوب حتى سقطت عام 1105هـ- 1693م.
وحول المسجد ومن الخارج أضيفت ثلاث زيادات أحاطت بجوانبه عدا الجانب الشرقي (جدار القبلة)، ونجدها أضيفت بنسب متقاربة فنجد المساحة القديمة للمسجد كانت 122.26متر× 140.33متر، أما الآن أو بعد الإضافات الخارجية نجدها 162متر× 162متر.
وقد كانت لتلك الإضافات مفعولها الإيجابي ومميزاتها حيث فتحت الباب لزيادة عدد المصلين وعزل المصلين عن الخارج وعن الضوضاء خارج المسجد.
وفي النهاية نجد هذا المسجد صرحًا منفردًا ومميزًا، فنجده متأثرًا بالمساجد الجامعة الكبرى والحصون في مساحته الكبيرة وارتفاعه ووجوده فوق تل مرتفع شابهه بالصحون المنيعة، ونجد فيه نموذجًا فريدًا نقل لنا تقدم وازدهار العمارة والحضارة الإسلامية في مصر خلال العصر الطولوني وأحد أهم الشواهد التاريخية على ذلك العصر.