إن الذي أغدق علينا النعم من أعلى رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا، له العزة والجلال، فكما لم يشرك أحدًا في عطائه هذه النعم، لا يرضى كذلك أن يُشكَر غيرُه مقابل هذا الإنعام، فهو تعالى صاحب غيرة وجبروت على مَن ينكر نعمه ويجحدها.
هناك كثير من الناس، رغم تنعّمهم بآلاف النعم، يجحدون بها ويقدِّمون عباداتهم وعبوديتهم لغير الله سبحانه، فيُغمِضون أعينهم ويكفّون أنظارهم عن جميع النعم التي ما تكرّم الله بها إلا ليعرفوه فيعبدوه. كذلك يَلقَى كثير من الكافرين والظالمين والطغاة والجبابرة حتفهم ويغادرون هذه الدنيا دون أي عقاب أو حساب.
إن عزة الله وجلاله يقتضيان تأديب عديمي السلوك وعقابهم، إن لم يكن في هذه الدنيا ففي الآخرة.
لكنّ عزة الله وجلاله يقتضيان تأديب عديمي السلوك هؤلاء وعقابهم، إن لم يكن في هذه الدنيا ففي الآخرة؛ حيث يلقى الظالم عقابه، وينال المظلوم مكافأته. أجل، سيأتي يوم ينادَى فيه الشاكرون لله على أنعُمه، الشاكرون له من جنس النعمة التي مُنِحوها أنْ: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ (سُورَةُ الْحَآقَّةِ: 69/24).
يقول تعالى في الحديث القدسي: “أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ”[1].
إن النفوس اليقظة الخاشعة التي تقوم بأعمال عميقة جليلة لا تخطر على قلب إنسان، ولا تسمعها الآذان، ولا تراها الأعين؛ فتغوص في أعماق ذاتها ثم تغوص، وتَفِيض بالمواجيد اللدنية، مبتعدة عن الغفلة أيما ابتعاد، مستشعرة رقابة الله عليها وحضورها بين يديه في كل حين.. تلك النفوس ستكون مكافأتها من جنس أعمالها، بل سيُقِرّ اللهُ أعينها بمفاجآت لم تكن تتوقعها.
فالذين انطلقوا يتأملون في حقيقة الأشياء وأسرار الأحداث، وقطعوا بأفكارهم مسافات ومسافات، لن تكون معاملتهم -بالتأكيد- مثل من قضى عمره في هذه الدنيا خِلوًا من أي تفكير.
المصدر: نفخة البعث، شواهد الحياة بعد الموت، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠١٥، ص: ٥٥-٥٦.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.
[1] صحيح البخاري، بدء الخلق، 8؛ صحيح مسلم، الإيمان 312.