عندما ننظر إلى وجه الأرض في بعض فصول السنة بالتحديد، نجد أن كل شيء قد دخل في وتيرة من الانبعاث المتواصل، ونجد كل المخلوقات وقد انتظمت واصطفت في موكب رسمي وأخذت مواقعها أمام خالقها عزّ وجلّ…
الأشجار والأعشاب والمروج جميعًا مصطفّة كالجنود في أزياء من التعظيم للشاهد الأزلي جل وعلا…
وفي فصل آخر ننظر فإذا بأوراق الأشجار تتساقط متناثرة، وإذا بموجودات تتحول أنقاضًا متراكمة، حتى تغدو الديار صحراء قاحلة…
نشاهد الأرض في فصل الربيع وهي في قمة الجمال والروعة، ونشاهدها في فصل الخريف فتبدو باهتة كالحة كأنه قد نثر رماد على وجهها بفعل رياح عاصفة مدمرة…
إن إحياء ملايين الكائنات في الربيع من جديد بعد موتها رسالة لنا بأننا سنموت نحن كذلك، ولكن سنبعث في ربيعِ عالمٍ آخر كما بعثت تلك الكائنات.
في الخريف نسير وكأننا في ساحة جدباء جرداء، وفي الشتاء لا نكاد نشعر بأثر للحياة في المواقع التي غطتها الثلوج؛ حيث تتحول الأشجار إلى عظام جافة ميتة، وتندثر الأعشاب، وتتعفّن البذور تحت التراب.
ولكن ما إن يحلّ الربيع حتى تنتعش هذه الأنقاض وتحيا من جديد، ونرى تلك الأشجار اليابسة وقد لبست حلّتها من السندس والإستبرق لتقف بين يدي الشاهد الأزلي جلّ جلاله…
الأعشاب والأزهار الميتة، والبذور المتعفنة تحت الأرض، تبدأ بالنموّ والازدهار…
جميع الحشرات والهوام تفيق من رقدتها العميقة، لتستنشق الهواء النقي الذي يلامس وجوهها، ولتجد رزقها مخزَّنًا مفروشًا على سطح الأرض بلونه الأخضر.
نعم، هكذا يبعث الله سبحانه وتعالى الملايين من أنواع المخلوقات في فصل الربيع ويحييها من جديد.
إن هذا البعث العام بعد موت عام يتحقق بحيوية عظيمة تشكل قناعة راسخة لدى الناظر أننا سنموت نحن كذلك، ولكن سنبعث في ربيع عالم آخر، تمامًا مثلما تُبعَث هذه الكائنات.
فكل جزء من الكائنات الحية على أهبة الاستعداد دائمًا لعملية الانبعاث يقدم مناظر متنوعة خلابة تسرّ الناظرين.
المصدر: نفخة البعث، شواهد الحياة بعد الموت، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠١٥، ص: ٧٥-٧٦.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.